على خلفية الحراك الذي أثارته مبادرة المبعوث الأممي الجديدة بالدعوة إلى طاولة خماسية تجمع أطراف الأزمة الرئيسيين، طار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى تركيا آملاً في تعديل أنقرة شيئاً من قناعاتها السياسية حول الحالة الليبية، وهي التي تملك مصالح استراتيجية واقتصادية كبيرة في غرب البلاد على وجه الخصوص، فيما واكب ذلك نشاط دبلوماسي روسي مكثف تمثل في لقاء أطراف ليبية كان محوره تحريك العملية السياسية وعلى رأسها الملف الانتخابي، ما يثير أسئلة كثيرة حول مدى إمكانية تأثير مثل هذه التحركات في تغيير الرؤى بشأن الترتيبات التي يدعو إليها باتيلي باتجاه عقد «الطاولة الخماسية».

هل ترفع تركيا يدها عن السلطة في طرابلس؟
وفي الوقت الذي كان عقيلة يجتمع فيه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وكبار المسؤولين في بلاده ويبلغه بشروطه لدفع الحوار السياسي قدماً والتي على رأسها تشكيل حكومة جديدة وتوحيد المناصب السيادية أصدر مجلس النواب قرارات ترفض المشاركة في أي حوار يكون رئيس «حكومة الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة طرفاً فيه، وما يبدو أن عقيلة قد تحدث بشأنه في الكواليس أعلنه النواب صراحة وهو رفع أنقرة يدها عن السلطة القائمة في طرابلس «منتهية الصلاحية» حسب وصفهم.

وتبدو صعوبة تحقيق هذا الشرط في كون تركيا إحدى أبرز القوى الإقليمية الداعمة للدبيبة رغم تقاربها مع الرجمة عبر تبادل الزيارات البرلمانية والدبلوماسية منذ أغسطس 2022، وهو ما يثير التساؤلات حول ماهية المغريات التي يمكن أن تدفع أنقرة إلى تغيير موقفها غير ملفات الإعمار أو التجارة والطاقة، وهنا يمكن الإشارة إلى ما ألمح إليه عقيلة صالح بعد لقائه رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش بدعوته إلى عودة الشركات التركية إلى ليبيا، والبدء في أنشطة البناء وإعادة الإعمار، مذكراً بأن «الشركات التركية بشكل خاص أنجزت أعمالاً عظيمة في ليبيا».

واستبق عقيلة صالح زيارته التي جاءت بعد أيام من موافقة البرلمان التركي على تمديد بقاء قوات بلاده الموجودة في ليبيا عامين إضافيين بتجديد رفضه القاطع لإقامة قواعد عسكرية في ليبيا، مبدياً في الوقت ذاته عدم اعتراضه على الاستعانة بالخبراء لتدريب الجيش الليبي.

واعتبر رئيس البرلمان التركي أن «ليبيا المنقسمة إلى نصفين، طرابلس من جهة وبنغازي من جهة أخرى، والتي أصبحت غير قابلة للحكم سياسياً تقريباً، ليست ليبيا التي نرغب برؤيتها» حسب تصريحه عقب محادثاته مع عقيلة صالح.

نشاط دبلوماسي روسي في ليبيا
في المقابل ينشط التعاطي الدبلوماسي الروسي مع الملف السياسي الليبي عبر التواصل مع أطراف الأزمة في غرب البلاد؛ حيث كثف السفير الروسي إيدار أغانين لقاءاته مع أغلب المسؤولين في المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية العليا للانتخابات ورؤساء الأحزاب في وقت يستمر الحراك الأممي بقيادة البعثة الأممية لإنجاح الاجتماع التحضيري لقمة الطاولة الخماسية الذي يواجه خلافات.

- للاطلاع على العدد 421 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

من جهته قال الناشط السياسي أسعد زهيو في تصريح إلى «الوسط» إن «هناك عدة عراقيل تعترض الحوار الذي تنوي البعثة الأممية إطلاقه خلال الفترة المقبلة، وآخرها ما فعلته حكومة الوحدة الموقتة من تعقيد للمشهد بالتأثير على مجلس الدولة والمجلس الرئاسي والتدخل لاختيار ممثليهم». أضاف «رئيس الحكومة أصبح مشاركاً بنحو ثلثي الجالسين في قاعة الطاولة الخماسية وهو ما يعقد العملية أكثر عند مجلس النواب والقيادة العامة» في حكم مسبق لفشل المبادرة.

ويتساءل زهيو عن مدى جدية المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في إنهاء هذه المرحلة والذهاب إلى انتخابات أم أنه يسعى إلى إطالة عمر هذه السلطة لأطول مدة ممكنة؟ وتوقع استمرار الحوار من 6 أسابيع إلى سنة و«النتيجة معروفة مسبقاً» حسب قوله، فيما يتحدث المحلل السياسي وسام عبدالكبير عن «تعارض الأهداف والمصالح» التي تصعّب نجاح مفاوضات الطاولة الخماسية، موضحاً في تصريح إلى «الوسط» أن كل طرف يدخل بالشروط التي تضمن له الاستمرار في اللعبة، خاصة أن أساس الحوار في الطاولة الخماسية هو التوافق الكامل بين القادة الرئيسيين، وهذا الأمر غير متاح بناء على تصريحات الأطراف الرئيسية التي تؤكد عدم رغبة أي طرف في تقديم تنازلات.

النويري ودومة يبلغان باتيلي بعدة ملاحظات حول مبادرته
في هذه الأثناء أبلغ النائبان الأول والثاني لرئيس مجلس النواب فوزي النويري ومصباح دومة، باتيلي عدداً من الملاحظات بشأن مبادرته المطرحة، وقال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق في تصريح نشره عبر صفحته على «فيسبوك» إن اللقاء مع باتيلي «تضمن إيصال رسالة واضحة بموقف البرلمان من المبادرة بأن تكون بين المؤسسات التي يقرها الإعلان الدستوري وتعديلاته، وبأن أي موقف يمثل المؤسسات لا يكون إلا من خلالها وليس من خلال مواقف أشخاص» وجاء اللقاء بعد يوم من اجتماع المبعوث الأممي بالمشير خليفة حفتر ولقاءاته بقادة الأحزاب السياسية والقيادات الاجتماعية بمدينة بنغازي.

وليس بعيداً عن تفاعلات المبادرة زادت حدة الخلافات بين مجلسي النواب والدولة عقب توجيه رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة خطاباً إلى عقيلة صالح يعلن فيه رفض الأعلى للدولة قرار إنشاء هيئة عليا للحج والعمرة، واعتبر القرار انتهاكاً لمبدأ الفصل بين السلطات؛ إذ جرى من خلاله نقل تبعية جهاز تنفيذي إلى سلطة تشريعية وفيه ميل للتفرد بالسيطرة على مقاليد الأمور.

كل هذه المعطيات تعزز رؤية عديد الليبيين ومتابعي الشأن الليبي بأن ما يحدث في المشهد الليبي الحالي من خلافات أو ما يمكن تسميته بالمناكفات السياسية بين مجلسي النواب والدولة بالخصوص ما هو إلا محاولة أخرى للالتفاف على مبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي والاستمرار في لعبة كسب الوقت بما يتيح إبقاء الوضع على ما هو عليه وتأجيل موعد الاستحقاق الانتخابي إلى أجل غير مسمى، وإن كانت تصريحات الأطراف المستفيدة تناقض ذلك.

مزيد من تقارير اليوم في بوابة الوسط  —————

■  جريدة «الوسط»: مبادرة باتيلي رهينة معركة كسب الوقت مع «المجلسين»
■  غازيني تحدد 3 عراقيل أمام نجاح مبادرة باتيلي
■  تراجع كبير للدولار واليورو والإسترليني في السوق الموازي
■  شاهد في «اقتصاد بلس»: سدود ليبيا.. قنبلة موقوتة تهدد الملايين
■  جويلي يؤكد لباتيلي التزامه بتوحيد المؤسسة العسكرية وتأمين العملية الانتخابية
■  في العدد 421 من جريدة «الوسط»: «معركة الوقت» مستمرة.. وتجاهل رسمي لكارثة درنة
■  هل يؤثر اتفاق «كوب28» على صادرات النفط الخليجية؟
■  «يا كوكباً يتلوى بألسنةِ النارِ!».. شاعر روسي ينظم قصيدة لغزة
■  تكريم الروائية الليبية عائشة إبراهيم في مهرجان قابس الدولي للكتاب بتونس
■  باعتباره أصلب مادة على وجه الأرض.. اكتشاف مادة قد تنافس الماس
■  «في التسعين» يناقش لماذا شكل اتحاد الكرة عددًا من لجانه وتغاضى عن أخرى

نائبا رئيس مجلس النواب فوزي النويري ومصباح دومة خلال لقاء مع المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، بنغازي 12 ديسمبر 2023. (البعثة الأممية)