مع إطلالة العام الجديد ظلت الحالة الليبية أسيرة الجمود السياسي، فيما اتسعت دائرة الفساد وإهدار الأموال العامة حد التغول مع تنامي سطوة الجماعات المسلحة، وفي غياب أفق قريب للخروج من نفق الأزمة يستفحل صراع أطراف الأزمة على السلطة، ولم ينج قطاع النفط والغاز الشريان الرئيسي للاقتصاد الليبي من هذا الصراع وتداعيات الفساد الناجمة عنه، وآخرها الجدل المثار بشأن صفقة حقل الحمادة.

ومع نهاية العام عادت الحياة إلى سوق المال الليبية «البورصة» بعد تسع سنوات من الإغلاق، وعادت الأضواء أيضاً للمسرح الليبي بعد 15عاماً من الغياب مع مظاهر الاستقرار النسبية في البلاد رغم استمرار حضور الخلافات على مسرح السياسة وبورصة النزاعات التي حالت حتى الآن من التوافق على موعد محدد لإنجاز الاستحقاق الانتخابي. 

مطبات أمام «خماسية» باتيلي
وتتمة لمسلسل الجدل الذي خلفته مبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في نوفمبر الماضي وتأكيده عدم الالتزام القاطع من قبل الأطراف المعنية بإنهاء حالة الانسداد وهم رئيسا مجلس النواب عقيلة صالح ومجلس الدولة محمد تكالة وقائد القيادة العامة خليفة حفتر ورئيس «حكومة الوحدة الوطنية» عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي لا يزال المبعوث الأممي يحاول إزاحة المطبات من أمام مقترحه بعقد الاجتماع الخماسي الذي يجمع هذه الأطراف.

وفي هذا السياق بدا على رئيس «حكومة الوحدة الوطنية» الترحيب بالمشاركة في الطاولة الخماسية وكأنه انتهج أسلوب المراوغة، فخلال مشاركته في احتفالية الذكرى 72 لعيد الاستقلال في طرابلس أشار إلى «حاجة البلاد إلى دستور دائم يؤسس لعملية سياسية عادلة وواضحة» معتبراً أن «العبور نحو انتخابات ناجحة يقود للاستقرار ويمر عبر هذا الدستور المأمول» وقبلها أكد عبدالحميد الدبيبة أنه لن يترك منصبه كرئيس للحكومة إلا لمن يختاره الليبيون عبر الانتخابات، مشترطاً أن تجرى الانتخابات وفق قوانين انتخابية عادلة.

أما رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد المعارض لإقصائه من حوار باتيلي فقد أكد أن مجلس النواب وقيادة الجيش الوطني «يرفضان مخططات البعثة الأممية رفضاً قاطعاً» متهماً البعثة الأممية خلال مشاركته في حفل إحياء ذكرى الاستقلال في بنغازي بـ«بالإصرار على النيل من السيادة والاستقلال عبر بعض السفراء والدبلوماسيين» معتبراً أن ما تقوم به البعثة يتعارض مع الاستقلال ويهدر دماء الشهداء الأبرار وفي مقدمتهم شيخ الشهداء عمر المختار، وفق تعبيره.

«كتلة التوافق الوطني» بمجلس الدولة تنتقد تصريحات نورلاند
وفي الجهة المقابلة أعلن المجلس الأعلى للدولة الأربعاء استعداده للجلوس في طاولة الحوار التي دعا إليها المبعوث الأممي «دون قيود أو شروط مسبقة» وكان ذلك خلال اجتماع عقده بالعاصمة طرابلس رئيس المجلس محمد تكالة ونائباه الأول مسعود عبيد والثاني عمر العبيدي مع لجنة الشؤون السياسية بالمجلس، وفق بيان نشره المكتب الإعلامي للأخير، لكن كتلة التوافق الوطني في المجلس رفضت تصريحات المبعوث الأميركي الخاص ريتشارد نورلاند بشأن الوضع في ليبيا، واصفة تصريحاته بأنها «خارجة عن اللياقة الدبلوماسية وتعد تدخلاً في الشأن الليبي»، السفارة الأميركية أشارت في بيان بمناسبة ذكرى الاستقلال إلى مسؤولية الفاعلين السياسيين عن تأجيل الانتخابات التي كان مزمعاً عقدها في 24 ديسمبر 2021، قائلة إنها «تشارك الشعب الليبي إحباطه من أن الفاعلين الليبيين الرئيسيين لم يجدوا بعد سبيلاً لتلبية المطالب الشعبية للتمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة»، وفق البيان.

ورأت الكتلة في بيان لها أن التدخلات كانت وما زالت أهم أسباب الصراع واستمراره إلى اليوم في ليبيا، متهمة المبعوث نورلاند بالزيف بشأن ادعاء بلاده تبني مطالب الشعب الليبي والانحياز له.

- للاطلاع على العدد 423 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

أحزاب تطالب بعقد مؤتمر تأسيسي
وأمام حالة الانسداد طالبت أحزاب بعقد مؤتمر تأسيسي بديل للمبادرة الخماسية يجمع الأطراف كافة دون إقصاء أحد لإنهاء حالة الجمود التي تشهدها العملية السياسية في ليبيا. وأصدر تحالف تنسيقية 9 أحزاب بياناً حذر فيه مما عدها «تداعيات خطيرة لتجاهل مساهمات الأحزاب السياسية الوطنية في إيجاد حل وطني للمشكلة الليبية كما هو حاصل الآن» واصفة الأجسام السياسية الحالية في ليبيا بأنها منتهية الولاية القانونية وفاقدة للشرعية الدستورية، وقالت إنها لن تقبل سياسة المماطلة التي تنتهجها أطراف سلطات الأمر الواقع الحاكمة في ليبيا.

سجال حول اتفاقية تطوير حقل الحمادة 
في هذه الأجواء تفجر سجال على صفقة نفطية بدأت بإبداء مجلس النواب رفضاً لإقدام حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» برئاسة عبدالحميد الدبيبة على توقيع اتفاقية استثمار حقل الحمادة الحمراء النفطي، وقال البرلمان إنها «لا تملك الشرعية» واعتبرها «ذات طابع سياسي مشبوه».

واتهم وزير النفط بحكومة «الوحدة الوطنية» محمد عون شركة «إيني» الإيطالية باستغلال ما وصفه بضعف الحكومة والانقسام السياسي في البلاد لتغيير اتفاقية أبرمتها أخيراً مع المؤسسة الوطنية للنفط بهدف تحقيق مصالح. وقال عون في تصريحات صحفية الأربعاء: «لسنا ضد شركة إيني أو أي شركة أجنبية أخرى تستثمر في قطاع النفط الليبي، لكن اعتراضنا كان على شروط التعاقد وأسسه» موضحاً أن الاعتراض كان على تغيير الحصص، مضيفاً: «نحن نرى أنه لا يوجد اقتصادياً ما يدعم قول الشركات إن هــذه الحصة التي أصبحت 30% بعد أن كانت 40% ثم زادت الآن بنحو  7% أو 9% تجعلهم خاسرين».

واتهم مجلس النواب في بيان الحكومة بأنها تعتزم التنازل عن 40% من الحقل لصالح ائتلاف شركات من بينها «الشركة الإيطالية» وشركتا «الطاقة التركية» و«توتال» الفرنسية. علماً بأن ائتلاف الشركات يضم أيضاً «أدنوك» الإمارتية.

وحذّر المجلس الدول المعنية من التورط في استغلال الظروف التي تمر بها البلاد لأجل نهب ثرواتها وإتمام صفقات فاسدة وفق تعبيره، وينتج حقل الحمادة الحمراء النفطي التابع لشركة الخليج العربي للنفط نحو 8 آلاف برميل يومياً يجرى تكريرها في مصفاة الزاوية غرب العاصمة طرابلس عبر خط لنقل الخام يصل طوله إلى 380 كلم.

النيابة العامة تدخل على خط الأزمة
وأدى هذا الجدال إلى تدخل النيابة العامة التي طلبت من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة وقف المفاوضات الممهدة لإبرام عقد تطوير حقل الحمادة حتى صدور قرار قضائي فاصل في تحقيق انتظام إجراءات التعاقد. كما أوصى ديوان المحاسبة في طرابلس «حكومة الوحدة الوطنية» بإيقاف إجراءات توقيع اتفاقية تطوير الحقل.

ويرى كثير من الليبيين ومتابعو الشأن الليبي أن الصورة التي انتهت إليها حالة البلاد لا توفر عناصر التفاؤل بأن القادم في العام الجديد سيكون أفضل، ما دامت ظلت الأزمة رهينة مواقف الأطراف الرئيسية المتصارعة على السلطة وعلى المال أيضاً، وأن الموعد الانتخابي سيظل بدوره رهين هذا الحال.
 

مـزيـد من تـقـاريـر بـوابـة الوسـط  ———————

■  محطات ليبية لافتة في 2023
■  رفع الدعوى الجنائية ضد 16 مسؤولا عن حادثة الفيضانات في درنة
■  جريدة «الوسط»: ليبيا تدخل عاماً جديداً مثقلة بالانقسام وتغول الفساد
■  «مكافحة الأمراض» يتوقع ازدياد إصابات «كورونا» في ليبيا
■  بين حرب «الجنرالين» وقرارات الانقلابيين.. «قوس النار» يضع ليبيا في عين الإعصار
■  لماذا ارتفع سعر الدولار في السوق الموازية؟.. خبراء يجيبون
■  «مئوية ليبيا».. الحلقة الأولى
■  معهد ألماني يرصد.. كيف استحوذت المجموعات المسلحة على الدولة في ليبيا؟
■  شاهد على قناة «الوسط».. «الذاكرة الوطنية: محطات من تاريخ ليبيا»
■  «مخاطر محدقة».. هل يغير «الفيلق الأفريقي» مسار المعادلة الليبية؟
■  «تحقيقات»:القاتل الصامت
 

تابع تقارير «بي بي سي» عبر بوابة الوسط  ————

■  تفجير لوكربي: هل هو أعظم رواية بوليسية؟
■  وثائق بريطانية: إسرائيل وبريطانيا وفرنسا خططوا لأبعد من السيطرة على قناة السويس في حربهم على مصر عام 56
■  ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ"بنت الأجيال"؟
■  ما الذي تقوله أعداد القتلى في غزة عن الحرب؟
■  القرية التي يعاني جميع سكانها من الخرف
■  تحليل دم "يكشف شيخوخة" أعضاء الجسم البشري
■  ما الجمرة الخبيثة، وإلى أي مدى هي قاتلة؟
■  ما هي التمارين الرياضية الفعالة في خفض ضغط الدم؟