Atwasat

ثقافة وهم الواقع (2-5)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 06 مايو 2024, 07:06 مساء
محمد عقيلة العمامي

(1)
من كتاب ابن القيم «روضة المحبين ونزهة المشتاقين» يقتبس الأستاذ عبد الله محمد الغذامي في كتابه المتميز «ثقافة الوهم»، في الفصل «4» الذي عنونه بـ«المحبة سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون»، بيتا يقول: «علامة من كان الهوى بفؤاده *** إذا ما رأى محبوبه يتغي>>.

ويورد في مقدمة هذا الكتاب: «الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيلا، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليلا». ولعل هذه المقدمة وقعت في متناول يد صاحب «غناوة العَلمْ الليبية» التي تقول: «اللي ما بلاه تحمل.. أسلاه وإن ما طاع طيعلا»، وهي تعزز ضرورة خضوع المغرم لمهادنة محبوبته، لأن التلطف والمحبة هما ما يقربهما.

ولقد وددت أن أشير إلى علاقة وثيقة ما بين أغاني العلم الليبية والشعر الجاهلي، وهو موضوع محاضرة قيمة سمعتها، وقرأت عنها من مخطوط دراسة معمقة عن علاقة أغاني علم أهل برقة الوثيقة بالشعر الجاهلي، تناولها المرحوم الدكتور على الساحلي، وتمنيت على الله أن تكون قد نُشرت، ومما يؤكد ذلك هو رأي الدكتور طه حسين الذي قال، في لقاء إذاعي مشهور، ما خلاصته إن أقرب اللهجات العربية إلى اللغة العربية هي لهجة أهل برقة.

الحقيقة أن هذه المقدمة فرضتها اللغة، ولا علاقة لها بما أنا بصدده، حيث أرى وما فهمته من فصل «المحبة سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون»، الذي يعزز رأي «ابن القيم»، أنه لا يفصل النساء عن الرجال في خطابه، بل يجعلهما على درجة واحدة في المخاطبة، وفي التصور، وفي انفعالهما بالمحبة والعشق، بينما خطاب «النفزاوي» يقوم على خطاب ذكوري بحت لا موقع للمرأة فيه سوى أنها كائن يستقبل معتمدا على حسية التصور وجسدية العلاقة، حيث إنه يؤكد أن الجمال سلطان على القلوب، وهو يأسر القلب، فيرتاع المرء ويحس بمن يأسره، ويبتهج بهذا الأسر، مثلما أوردنا في مقدمة هذا النص، وهي التي اسمها «سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون»، فهي سكن له، وهو سكن لها، يعيش هو هذا السكن، وتعيش هي أيضا فيه، يقطن فيها وتقطن فيه، وهكذا لا يتعالى جسد على آخر، وفي المحبة يرتقى الجنس وتتسامى الصفات، وذلك حال لا يجده المهتم في كتاب «النفزاوي» الذي يحيل السكون والمحبة إلى فاعل أساسي وثانٍ، ومجرد مفعول به.

(2)
للدكتور تشارلز شيد (1915-2004) أكثر من أربعين كتابا، وهو خبير في التواصل العائلي، ومستشار في المسائل العائلية، ويكتب أعمدة في عدد من الصحف الأميركية، وكان ضيفا بارزا ومفضلا للعديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية، وله العديد من الكتب المتخصصة في العلاقات الإنسانية، في الزواج والحب والعلاقات والمشاكل العائلية، منها «رسائل إلى كارين» و«رسائل إلى فيليب»، وأخرى وزعت بملايين، وطبعت أكثر من مرة، وله مقالة شهيرة، نُشرت أكثر من مرة، موضوعها «المحبة سكون بلا اضطراب واضطراب بلا سكون».

باختصار شديد هو الموضوع نفسه الذي تناوله «النفرازي» و«ابن القيم»، ولكن بأسلوب عملي حديث، حصره في علاقة الزوج بالزوجة، وجعل عنوانه «خمسة براهين على الحب»، وفسر فيه الحب بأمور كثيرة، ومن خلال حالة صداقة، يتخللها المرح والضحك، وبالطبع الجنس، وبهجة الزوج واستمتاعه برفقة زوجته، وتنسحب هذه البهجة على الزوجة أيضا.

وللتأكد من ذلك، حصر الأمر في خمسة أسئلة، تُبرز الإجابة عنها قوة العلاقة، ومناسبة أي من الطرفين للآخر، وأيضا يفتح بابا مشرقا للزوجين، لينعما بالسعادة المرجوة. هذه الأسئلة التي سنتناولها في الجزء الثالث من تداعيات أوهام الواقع.