Atwasat

بنغازي… قصةُ صمودٍ ونهوض

خليل الطيار الإثنين 22 يناير 2024, 03:04 مساء
خليل الطيار

«بنغازي»، كما المدن العربية التاريخية، تقلبت عليها الفواجعُ والمواجعُ، وشهدت الأتراحَ والأفراحَ. ولأنها متجذرة في عمقِ الحضارةِ فهيَ ترفضُ الموتَ، وتصرُّ على البقاءِ رغمَ جراحها النازفةِ.

في كلِّ مرةٍ أزورها أجدها أكثرَ صبرًا وإرادة، تنهض متعافيةً من أسقامها، وتقاوم بشجاعة كل محاولاتِ القهرِ والتراجعِ. مؤخرًا تواجدت على أرضها لحضورِ احتفاليةِ اعتبارها عاصمةً للثقافةِ في العالمِ الإسلاميِ، وكذلكَ اتخاذها مقرًا لرئاسةِ الاتحادِ العربيِ للتمكينِ الرقميِ.

مناسبتانِ تكشفانِ حجم الجهدِ المتواصلِ لمن يمسكُ بإدارتها، وتأثير مفكريها ومثقفيها وأبطالِ قواتها المسلحةِ، وهم يصرونَ على إعادةِ أخذِ مكانتها في محيطها العربيِ والعالميِ المؤثرِ، بعد أن عاشتْ محنةَ الإرهابِ، كانت «بنغازي» في طليعةِ سواترِ المواجهةِ الداميةِ التي تسامى أبناؤها، يحملونَ أرواحهم بأكفهم يتنامى عزمهم بشموخِ لانتشالها من سطوةٍ الإرهابيين. وليسَ ذلكَ بعصيٍّ على وطنٍ مرت على أرضهِ خمس حضارات أن يموتَ أوْ ينتهي.

ليبيا بعمومها، وبنغازي تحديدًا تستندُ على إرث رمزية الأبطالِ المؤمنين والمناضلين من ذوي البأسِ الشديدِ، يتقدمهم شيخُ المجاهدين «عمر المختار» الذي يحقُ لبنغازي أنْ تفخرَ بوجودِ رفاتهِ على أرضها، وهيَ ما زالت تبقي مآثره شاخصة في سفرِ تاريخها الإسلامي والعربي، بعد أنْ قارعَ أعتى ديكتاتورياتِ العالم ووقف بوجهِ غطرستها، وراحَ يتخذُ منْ سرجِ حصانهِ بيتًا وقاعدة للصمودِ والكفاح، وشد يحمل بندقيته لأكثر من عشرينَ عامًا يواجهُ ويقاومُ ببسالة ليسقطَ حكمَ الجبابرةِ والطغيانِ، وينهي خلودهُ بمقولةٍ كتبت حروفها على صفحاتِ التاريخِ المعاصرِ بدمِ الشهادةِ، لتصبح أيقونةً لأحرارِ العالمِ عندما صرخَ بوجهِ الطغاةِ والبغاةِ والمارقينَ «نحنُ لن نستسلمَ، ننتصرُ أوْ نموت، وسوفَ لن تكونَ هذهِ هيَ النهايةُ، عليكم أن تقاتلوا أجيالًا من بعدنا».

مقولة استشرافية يحققُ نبوءتها اليوم شعب ليبيا وأبناء مدينةِ بنغازي الصمود والتضحية والمعرفة والثقافة الإسلامية الحقة، وتفتخر باحتضانِ ضريحِ شيخِ المجاهدين ورفاقِ دربهِ في الكفاحِ، تروي دماؤهم أرضها لتزرع في نبتِ أبنائها البسالةَ والشجاعةَ، يقطفونَ ثمارها اليوم، بعدما حققوا حلم شخصياتهم التاريخيةِ، ونجحوا بإسقاطِ دويلةِ الخرافةِ وأزالوا شأفتها. وقدموا فيها أروع صورِ التضحيةِ والصمودِ، ما زالت معالمها شاخصة بصدورِ وأجسادِ بناها التحتيةِ، لم يسلم شارعٌ أو بناية أو بيت إلا وتضرجت واجهتهُ برصاصِ حقدِ البغاةِ، تحملها أوسمةً للدفاعِ عن كرامةِ الإنسانِ وعزتهِ. وها هم البغاةُ ولَّوْا الأدبار، وبقيت بنغازي عصيةً لن تهزمَ ولن تستسلمَ ولن تموتَ.

«بنغازي» كما تجولنا في ربوعها نراها اليومَ تنهضُ شامخةً من جديد ليبقى رأسها مرفوعًا لا ينحني إلا للهِ - عزَّ وجلَّ - تقدم أروعَ مآثر الصبرِ والعزةِ والكبرياءِ وتناضلُ منْ أجلِ إعادةِ ما خربهُ البغاةُ وتواصلُ مسيرة الإعمارِ والبناءِ وتدافعُ عن هويتها الحضاريةِ والإسلاميةِ. لتثبت للعالمِ أنَّ بنغازي لن تموتَ؛ بل تنتصرُ دومًا بمجدِ الأحفادِ وهم يحملونَ إرث الأجداد.
* العراق.