Atwasat

الانتخابات الرئاسية وعقدة المنشار

وسام عبدالكبير الخميس 28 ديسمبر 2023, 03:46 مساء
وسام عبدالكبير

إن حالة الانقسام السياسي والمؤسسي ألقت بظلالها مع بداية صراع الشرعية ما بين المؤتمر الوطني العام والبرلمان.

جاء اتفاق الصخيرات ديسمبر 2015 وصنع توافقاً هشاً وحلاً مؤقتاً باقتسام السلطة التشريعية ما بين مجلسي النواب والدولة، مع منح صلاحيات واسعة للبرلمان، من هُنا تكرست حالة الانقسام التشريعي الذي انعكس على كافة المؤسسات السيادية والتنفيذية.

لم ينجح اتفاق الصخيرات في إنهاء الانقسام بل عزز استمرار المؤسسات الموازية، وبالتالي فإن أي وصفة للحل ومعالجة حالة الانقسام السياسي يجب أن تبدأ من توحيد السلطة التشريعية، من خلال انتخاب مجلس أمة يُوحد المؤسسات السيادية والحكومية وينهي حقبة الانقسام.

إن تكرار المعالجات السابقة الخاطئة من توحيد السلطة التنفيذية وتشكيل حكومات انتقالية جديدة يُطيل من أمد الأزمة السياسية وهو بمثابة دوران في حلقة مفرغة.
كما أن إصرار متصدري المشهد أو ما يعرف بالأطراف الرئيسية على إقامة الانتخابات الرئاسية وربطها بالانتخابات التشريعية هي محاولة للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة وتمديد للأزمة من خلال فرض حلول تعجيزية، وهذا الأمر أصبح أكثر وضوحاً من خلال القوانين التي أقرتها اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية، حيث جرى وضع نصوص صريحة تؤكد بطلان الانتخابات التشريعية في حال تعذر إقامة الانتخابات الرئاسية.

لماذا الإصرار على إعادة نفس التجرية التي جرت في الانتخابات التي كان من المفترض إقامتها في 24 ديسمبر 2021، وبنفس الطريقة والأدوات، إن الدعوة للانتخابات الرئاسية أصبحت تشكل عقدة تعوق العملية السياسية.

من الصعب جداً إقامة انتخابات رئاسية في بلاد منقسمة عسكرياً وأمنياً، ولا توجد بيئة مناسبة لإنجاح الانتخابات الرئاسية، ولا إرادة سياسية من الفاعلين الرئيسيين، ولا ضمانات حقيقية للقبول بنتائجها.

إن ما حدث من مفاوضات ماراثونية وحالة عدم التوافق على شروط الترشح للانتخابات الرئاسية تؤكد ذلك، كما أن ظروف وعوامل الانقسام السياسي والعسكري قد تجعل من الانتخابات الرئاسية بداية الصدام وتقويض الاستقرار، في ظل انعدام الثقة ما بين الأطراف الرئيسية.

إن وضعية الأطراف المتصارعة على السلطة في الحالة الليبية لا تسمح بإقامة سباق انتخابي بمعادلة صفرية،

فائز واحد وخسارة الآخرين، ولا خارطة الوضع الأمني والمجتمعي تسمح بأن تُقاد البلاد برأس واحد.

من الواضح أن الإصرار على ربط الانتخابات التشريعية بالرئاسية من قبل السلطات السياسية من أجل إطالة بقائها في السلطة، والعمل على استمرار حالة الانسداد السياسي من خلال طرح حلول تعجيزية لا يمكن تطبيقها في الحالة الليبية.

كما أن الصراع الدولي ما بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بداية من أوكرانيا، مروراً بالشرق الأوسط ودول الساحل الأفريقي وصولاً إلى الساحة الليبية، تضارب مصالح ومقاربات هذه الدول حول الملف الليبي تُشكل عائقاً كبيراً للدفع باتجاة إنجاز الانتخابات الرئاسية.

إن المشهد الليبي بحاجة إلى بلورة حلول ممكنة وقابلة للتطبيق، بداية من تفتيت السلطة المركزية إلى نظام حكم محلي لا مركزي بقوانين واضحة، وصلاحيات موسعة للمحافظات، بحيث تكون في صورة حكومات محلية، بكامل الاختصاصات والصلاحيات والموارد المالية، مع احتفاظ الحكومة المركزية بالصلاحيات السيادية، الأمن والخارجية، والتوافق على نظام واضح لتوزيع الموارد المالية، مبني على الإفصاح والمحاسبة والشفافية، وإعادة تنظيم الأجهزة الرقابية لتكون أكثر فاعلية.

إن كسر حالة الجمود السياسي، وإنهاء ازدواجية المؤسسات السيادية والسياسية، يمر عبر انتخابات تشريعية، توحد كافة المؤسسات وتضع حداً للتدخل الأجنبي في القرار الوطني، وإعادة الملكية الليبية للعملية السياسية.

إن الوصفة الفاعلة للحالة الليبية تقوم على ثلاث ركائز أساسية، وهي انتخابات تشريعية، وإقامة سلطات محلية موسعة، وتوزيع عادل للموارد المالية.

وأخيراً فإنه من غير الممكن أن تنجح أي خارطة سياسية لحل الأزمة الليبية ما لم تراع الحقائق الموجودة على أرض الواقع، وبالتالي فإن الاندفاع والإصرار على الانتخابات الرئاسية يُطيل من الأزمة السياسية ويضعف فرص الانتقال من حالة الانقسام السياسي إلى مرحلة دستورية شرعية.