Atwasat

شهادات كتَّاب ومثقفين عرب لـ«يورونيوز» عن حرب غزة

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 14 أبريل 2024, 06:25 مساء
WTV_Frequency

سألت «يورنيوز» كتاباً وشعراء ومثقفين عرب عن وطأة الحرب على غزة، وما غيرته في الحياة اليومية وآلية الكتابة لديهم.

فيما يستمر العدوان الصهيوني على غزة لليوم الـ191 والذي خلف نحو 120 ألف ضحية بين شهيد ومصاب ومفقود، وتدمير كل مناحي الحياة في القطاع المحاصر، والمهدد بمجاعة غير مسبوقة، مع ارتكاب الاحتلال كل الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني بالقطاع.

قال الروائي السوري سومر شحادة «أنشغل بالكتابة عن فلسطين، منذ أشهر وأنا أكتب مقالاً أسبوعياً عن فلسطين، أحياناً أقول لنفسي، صاروا كتاباً، ويجب أن تفكر بنشره جدياً. أتحدث عن هذا التفصيل، لأن هذا ما أفعله؛ أفكر وأكتب، وأحاول أن أبقى منتجاً. في الحرب السورية أيضاً كنت أتأمل ما حولي وأكتب، هذه طريقتي في التأثَّر، وقد توقفت عن مشاهدة الإبادة منذ أشهر. مع وعيي أنني معتقل، وما يقيدني هذه المرة هو ارتباطي بما يحدث في غزة. وأحياناً أرى أنه ذاته ما يحدث في سورية. إدراكي أننا أبناء أوطان عرضة للتهديد إلى هذا الحد المباشر والقاسي؛ يجعلني لا أطل من حرب على حرب، بقدر ما أعي أنني أنتمي إلى نوع مهدد، إلى وطن مهدد، إلى سورية طبيعية مهددة. ماذا بوسع البشر المهددين أن يفعلوا؟ نحن ننتظر، نترقب وننتظر. وحياتي لا معنى لها، خارج الكلمات التي أكتبها».

القمحاوي: الأدب شديد الترفع
فيما عبر الروائي المصري عزت القمحاوي عن رؤيته قائلاً: «لم تُدخل غزة تغييراً على روتيني يمكن استيعابه والتعايش معه أو خلق روتين جديد أواصل فيه نشاطي الأدبي. انتهيت من كتابة أولى لرواية جديدة قبل أكتوبر الماضي، وكنت أنتظر أن أبدأ في مراجعاتها مع الشتاء لكنني لا أجد روحاً لأفعل ذلك. الأدب شديد الترفع لا يقبل شريكاً في وعي الكاتب».

وأضاف القمحاوي «إن كان هناك من يتصور كاتبًا غزاوياً يمكن أن يكتب أدباً في مثل هذه الظروف، فبوسعي أن أكتب. على الأكثر أستطيع أن أقرأ وأن أبذل جهداً للتركيز في كتابة المقالات التي أنشرها في منصة (المنصة) مرتين بالشهر، أو أفرغ قلقي في تغريدات على منصة (إكس)».

 المسافة صفر من غزة
وتابع القمحاوي «وضعتني حرب الإبادة الإسرائيلية على المسافة صفر من غزة. ولا أظن أن هذا سببه رباط دين أو قومية أو إحساس الجار بالجار فحسب بل رباط الإنسانية. هذا العدوان الذي يسحق حياة الأطفال في غزة ويقتل مدنييها دون تمييز ويدمر المرافق الحيوية عمداً يطارد كل صاحب إحساس في العالم. يشعرنا بالإهانة لأننا عاجزون، وبالعار كلما جلسنا إلى وجبة طعام جيدة أو دخلنا في أسرتنا الدافئة. صرت أقضي وقتاً أطول على منصة (إكس) لأبحث عن صحبة. وأشعر ببعض الرضى لأن ناشطين أوروبيين وأميركيين يفهمون ما يجري، ولديهم من نزاهة الضمير ما يجعلهم يستنكرونه. تمنعني كلماتهم من الكفر بالإنسانية».

الإسكتلندية آني لينوكس تتبرع بكلمات أغنية «أحلام سعيدة» مكتوبة بخط اليد لصالح غزة
قناة ألمانية تفصل مذيعة من أصول سورية لتضامنها مع غزة
الذكرى الـ 48 لـ«يوم الأرض الفلسطينية» ولا تزال المعركة مستمرة

وقال الروائي والصحفي السوري الخليل صويلح «أحتاج إلى نقاهة طويلة لمحو صورة العنف الإسرائيلي من ذاكرتي. تراكم الصور وضعني في مهب كوابيس يومية. فما حدث ويحدث إلى اليوم، هو دروس في البربرية، تتناوبني جرعة من الكرامة المستعادة من جهة، والخزي من صمت العالم على هذا القتل العلني من جهة ثانية. نحن إزاء وليمة شكسبيرية من الجثث تحت بند ذبح عشوائي، كما لو أننا لم نغادر قاموس القرون الوسطى، حين كانت مفردة الذبح تتعلق بذبح الحيوانات، وفي نزهات الصيد تعني رأس الفريسة، قبل أن تُلصق هذه المفردة بالقتل البشري والرعب والتدمير في حروب دينية واستعمارية وعنصرية ضارية، حروب السيوف والسهام والبلطات، وصولاً إلى الصواريخ الزلزالية، باعتبار أن غزة مجرد حقل تجارب من الدرجة الأولى لفحص نجاعة الإبادة الجماعية بدقيقة واحدة! غزة لحن جنائزي طويل سيلحق العار بضمير العالم إلى الأبد».

غزة: الحدث اليومي الرئيسي
وقال المترجم والروائي المصري أحمد عبداللطيف «منذ 7 أكتوبر تحولت أحداث غزة إلى الحدث اليومي الرئيسي، لم يؤثر مرور الأيام على متابعتي للأخبار والانتقال من قناة إلى أخرى ومن خبر إلى خبر».

وتابع «هذه الأحداث بقسوتها أفقدتني حتى الرغبة في الكتابة، حتى بت أعمل الضروري واللازم فقط. مع كل مشهد لقصف بيت فلسطيني، مع كل أب يحمل جثة ابنه على ذراعيه، مع صور النساء المكافحات وهن جالسات في العراء يحاولن إعداد أي طعام ممكن لأبنائهن، ومع عربات المساعدات الواقفة على الحدود دون السماح بدخولها، يشعر الواحد بالأسى ويبكي، دموعاً حقيقية وليست مجازاً. ليس المؤسف أن إسرائيل تفعل، فهي بربرية همجية وعادة ما تفعل، ولكن المبكي صمت العالم ثنائي المعايير، العالم الذي انتفض مع حرب كرواتيا ولم يرمش له جفن مع قتل الفلسطينيين. المبكي هو عجزنا نحن، كمصريين، عن مد يد المساعدة لإخوتنا على الحدود. في البداية حاولنا، في الأيام الأولى من المجازر الإسرائيلية، اقترح الصديق والكاتب عزت القمحاوي أن نتحرك على السوشال ميديا، تويتر بالتحديد، بإنشاء هاشتاج بعنوان (روايتنا) نكتب فيه بلغات مختلفة، من إنجليزية وفرنسية وإسبانية وإيطالية، ونشارك صور المجزرة حتى لا تكون رواية إسرائيل هي الرواية الوحيدة، ونشارك كذلك تغريدات أصدقائنا الأجانب المتعاطفين مع القضية. ظلت الصفحة تعمل، ثم شعرت أننا في الحقيقة نكتب بلغة من يتواطؤون مع إسرائيل، وإن الموقف الغربي لا ينقصه المعرفة، وإنما الإنسانية. أنهم ليسوا عمياناً بالفطرة، وإنما يغمضون عيونهم عنا فحسب. بعد ذلك قررت أن أوقف المشاركة، وأن اتابع الأحداث بحزن العاجز».

ضمير العالم لن يتصالح بسهولة 
وجاء انطباع الروائي والقاص العماني محمود الرحبي كالتالي: «الجميع منشغل بغزة وخاصة في ما يتعلق بالجانب الإنساني، وهو الأكثر إيلاماً. هذا العدد الغفير المحاصر من البشر بلا توفير لأدنى شروط العيش الطبيعية، وفوق ذلك معرض لمفاجآت مفتوحة من العنف والقتل. لا أظن ضمير العالم سيتصالح بسهولة مع الكيان المحتل بعد ما رأينا وسمعنا من صرخات وآلام موثقة. من ناحيتي أقضي الكثير من الأوقات في تتبع نشرات الأخبار وقراءة المقالات التي في معظمها تدور حول الموضوع الفلسطيني في لحظته الراهنة، وكذلك حين أقلب الفيس بوك فإن الصدمات تتوالى وهي تعرب عن مشاهد مؤلمة خاصة في ما يتعلق بالأمومة والطفولة من تجويع وقتل وأمراض وتكدس مأساوي لم يشهد له التاريخ مثيلا بهذه الكثرة و التواتر والتصوير الحي المباشر. في العمل وفي المستشفى وفي الأسواق، حتى وأنت تمشي غزة حاضرة».

الجغرافيا واحدة ولكن القلوب شتى
وتابع «أتذكر في التسعينيات محاضرة أقامها المفكر محمد عابد الجابري في مسقط، حين قال في مستهلها إنه جاء من الرباط في طائرة خطت به طوليا إلى مسقط وقد عبرت على بلدان جيمعها عربية، للأسف الجغرافيا واحدة ولكن القلوب شتى، وهذا ما لم ينتبه إليه العرب مما سهل أكلهم وتمزيقهم كلا على حدة».

شعر وقصة وتجسيد لآلام سكان غزة في أمسية معهد تقنيات الفنون
ناشطة تمزق لوحة «بلفور» رفضا للعدوان الإسرائيلي على غزة (فيديو)

وقالت أمل السعيدي وهي كاتبة وإعلامية من سلطنة عمان «تغيرت كثيراً منذ بداية الحرب، لم أعد أقرأ الكتب نفسها، وجدت نفسي أفكر في أسئلة حول ما بعد الاستعمار. تركت كل مشاريعي القرائية السابقة، أعدت قراءة فرانز فانون وكتابه المعذبون في الأرض، فكرت في مسألة الخلاص الفردي، لا أظن بأن هنالك خلاصاً إن لم يكن جماعياً، وعرفت أنني يجب أن ألتزم بمشروعي في الكتابة كأداة أريد استخدامها في مقاومة هذا العنف الهائل الذي يمسني شخصياً، وجدتني أشتبك مع أفكار حول العنف الثوري المنظم، أو تحرير العواصم العربية كجزء من المشروع التحرري الجذري لفلسطين وارتباطهما الوثيق. أو علاقة الرأسمالية بما يحدث، كيف يمكن التفكير في أن هذا العالم يخدم مجموعة صغيرة من الناس فحسب وهو مكرس لأجل رفاههم وثورتهم. أشعر بأنني مريضة جداً، واهنة، حتى أنني لا أعرف كيف يمكن أن تعود الحياة لموقع لا تخزني فيه على هذا النحو. فقدت تواصلي مع أصدقائي، ابتعدت عن الجميع بمن فيهم عائلتي، قصصت شعري، وفي كل لحظات التبطل التي كنت أحبها قبل الحرب، كنت أهرب نحو إيقاع نفسي في تجارب اجتماعية مميتة، كأن أتعرف على غرباء وأسمح لهم بانتهاك كل ما ظننتُ أنه راسخ في حياتي. أشعر بالتعب لكنني مضطرة مع ذلك للمضي قدماً في القراءة بجدية عن كل ما يحدث وما ينبغي أن يحدث قريباً».

الكتب خبز يابس يصعب بلعه
وقال الكاتب والمترجم المصري أحمد فاروق «منذ 21 عاماً وأنا أعمل في صحافة الأخبار، الأحداث السياسية المتعاقبة بدءاً بحرب العراق عام 2003 ووصولاً إلى حرب أوكرانيا، طبعاً مع استثناء ثورات الربيع العربي، لم تنعكس بتفاصيلها على حياتي اليومية، كانت أشبه بكتلة من الحروف المتناثرة تلقى يومياً على رأسي وأخرج من مبنى المحطة التي أعمل بها كل يوم لأنفض هذا الثقل عني كما ينفض المرء الخبث عن الحديد، دوامات متتالية من الفشل والقمع والقهر اليومي حول العالم، لكن المرء يتعايش معها، حتى بشاعات داعش كانت كابوساً مخيفًا، لكنه انقشع على نحوٍ ما. أما هذه الحرب في غزة، فليس لها مثيل، شلل تام يخيم على حياتي منذ بدايتها. تتعطل القدرة على التفكير، لا أستطيع الانغماس في الرواية التي أترجمها، لأنشغل عما يدور حولي. أقرأ بصعوبة وكأن الكتب خبز يابس يصعب بلعه. زميل لي فُقد في هجوم صاروخي وحيد 27 من أفراد عائلته في حي النصيرات. صرت أخشى رؤيته لأن مسلسل الفقد لديه لا يتوقف. الجو العام في ألمانيا أيضاً ملبد بغيوم التحيز والعمى إزاء الظلم، إزاء الكارثة التي فشل العالم في وضع أي حد لها. المأساة تتفاقم والعالم يقف متفرجًا وأخشى أن تصبح حدثاً يومياً نعتاده، فيزول شلل الدماغ ونعود لدواماتنا المعتادة.»

الحرب على غزة ليست كسابقاتها
«الحرب على غزة ليست كسابقاتها» بهذه الجملة استهل الروائي اليمني علي المقري حديثه إلى «يورونيوز»، وتابع «أخذتنا من يومياتنا المعتادة إلى قلبها، قلب الحرب، إلى تدمير ذلك العدد الهائل من البيوت فوق ساكنيها؛ إلى الأطفال القتلى الذين لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا يقتلونهم، ومن أجل ماذا؟.

أخذتنا الحرب من غفلتنا إذ كنا نتوقع أن العالم بخير ولم يعد في توحشه القديم، وأن هناك موازين عدل وأصوات تستطيع أن توقف سفك الدماء بحكم أو قرار. لم نكن نعرف أن العالم صار يحتفي بالفرجة على الصور إلى هذا الحد، أكثر من اهتمامه بالفعل نفسه، حتى وإن كانت الفرجة تصوّر لنا إنسانا يقتل بلا سبب، أو شخصا يتألم من الجوع حتى الموت، ولا أحد يستطيع أن يمنحه لقمة خبر أو شربة ما.

أخذتنا الحرب إلى عالم متوحش وموحش كنا نظن أننا تجاوزناه منذ زمن. ولهذا مازال بعضنا مرتبكا لا يدرك أنه يعيش في عالم تسود فيه كلّ هذه القسوة».

الخشاب: أصبحت غزة خبزي اليومي
وقال الروائي أستاذ الدراسات العربية، جامعة يورك، كندا وليد الخشاب «غزة أصبحت خبزي اليومي. ابتعدت عن متابعة نشرات الأخبار على التلفزيون وعلى الإنترنت منذ سنين. لكني منذ أكتوبر 2023، أتابع الأخبار لعدة ساعات يومياً. العجز لا يترك مجالاً للكاتب أو الشاعر، ولا حتى يعفي الكلمات من وطأته. لكني منذ بداية الأحداث كتبت عدة قصائد غزل في فلسطين والفلسطينيات. 

فلسطين ورمزيتها جزء من وجدان أي طفل عربي ولد في الستينيات مثلي. وهي جزء من حياتي اليومية بمعنى أن العديد من زملاء دراستي في المدرسة وزميلاتي في الجامعة فلسطينيون. لكن غزة الآن حاضر فيما فوق الحاضر، أعيشها في عالم ما بعد الحقيقة وما بعد التاريخ وما بعد الإنسان وما بعد العنف: عالم العنف الخالص والصارخ والمتبجح والمبتغى لذاته. أعيشها كصور وأصوات على هاتفي، مقاطع متقطعة تليق بتمزق الأجساد وتمزيق فكرة البشرية. لذا أكتب أيضاً قصائد كابوسية عن نهاية العالم هذه الأيام».

الثقافة الفلسطينية تفتتح معرض «مائة لوحة من غزة» في نابلس
دعوتان خلال توزيع جوائز «سيزار» إلى وقف إطلاق النار في غزة

فيما قال الشاعر السوري فراس سليمان «التعاطي مع كلمة حرب يعني مواجهة كل التداعيات والمعاني المرافقة للحروف الثلاثة هذه، وكل الصور التي اختزنتها الذاكرة من خراب ودمار وقتل ووحشية وظلم، وكشخص حدث أن ولد في منطقة، فترات السلم التي مرت بها كانت دائماً على شفا إنذار بانفجار ما. لا ضرورة هنا للتحدث عن أشكال وأنماط الحروب غير التقليدية التي تندلع بعنف ملغز ورمزي غير مصحوب بالدم. أقصد كل هذه التهيئة لم تنقذني من أن أكون واحداً من الضحايا بطريقة أو أخرى. ومما يجعلني أشعر بالعجز، مع كثيرين غيري كما لي أن أفترض، هو موقعي الذي لم أختره كمتفرج.

وأمام همجية العدوان الإسرائيلي ورؤية كل هذا الموت والتجويع والتهجير. هل كنت أحتاج لامتحان كهذا لأتأكد من قدرتي على التعاطف والوقوف أمام صورة كوكب، إلى هذا الحد، يفتقر إلى العدالة، أنا الذي لدي رهاب من الدم والعنف، ببساطة هل يحق لي أن أستعرض ألماً شخصياً قبالة معاناة شعب يُقتّل بكل هذه البربرية. أخشى أن أبدو مدعياً، من هنا يتأتى خجلي في قول: إن علاقتي مع تفاصيل يومي تغيرت ومشاريعي الصغيرة وكمّ الحزن والغضب اللذين جعلا مزاجي مضطرباً، ونومي مليئاً بكوابيس لا ترحم. إنها مقارنة ،تبعث على الإحساس بالخزي، مع من.. مع آلاف فقدوا حياتهم وآلاف مازالوا عالقين بين فكي أرض تشتعل وسماء تمطر حممها الجهنمية. نعم هناك فرق بين من يخرج من الغرفة إلى الشرفة باكياً وهو عارف أنه في مأمن من القصف وبين مشهد أناس ماضين تاركين بيوتهم المهدمة إلى مجهول أقسى من الموت».

رهاب معاداة السامية
وقال الروائي والقاص المصري وجدي الكومي «أعيش في سويسرا طالباً بقسم الثقافة والفن بكلية الفن بجامعة زيوريخ، انخرطت طبعا خلال هذه الفترة في إفهام من حولي بطبيعة الصراع وتاريخه، شاركت في مظاهرة ضخمة لدعم الحراك الفلسطيني في غزة، واستكشفت عن قرب الخوف الرهيب من تهمة معاداة السامية التي تطارد المشتغلين في الجامعة في سويسرا، كل هذا أثر عليّ بشكل كبير، فهمت أن لا حرية رأي تقريبا في أوروبا طالما الأمر يتعلق بإسرائيل، من حسن الحظ أنني أعيش في سويسرا وليس في ألمانيا، هناك الوضع أسوأ بمراحل.

بالتأكيد أثرت الحرب عليّ تأثيراً نفسي بشعاً لم أنج منه حتى الآن، قتل الفلسطينيين بهذه الصورة يوميا على الهواء، الصواريخ التي تهوى على رؤوس الأطفال، البنايات التي تقصف على قاطنيها النائمين»

أما الشاعرة السورية هنادي زرقة فقالت «لا أنكر أنني لم أستوعب ما حصل في 7 أكتوبر، واختلطت مشاعر الفرح والخوف، الفرح لأنني، للحظة، اعتقدت أن ما من عدو لا يُقهر وما من ظلم يدوم. لكنني في اللحظة نفسها تخوفت مما سيحدث بعدها وتشاءمت، فنحن أمام آلة عسكرية غاشمة تساندها دول العالم أجمع، لا تمل من ممارسة دور الضحية، مع إنها أصبحت أكثر الجلادين شراسة، أرقتني صور القصف والقتل، ولم أستطع التوقف عن رؤية الأخبار والموت، وكان ذلك يخنقني، فأنا السورية الخارجة من حرب فظيعة، أرتعب من منظر الدم والأشلاء. لكن العنصرية ونبرة الاستعلاء التي كان يتكلم بها السياسيون الغربيون وهم يتحدثون عن الفلسطينيين جعلتني أتوقف عند شعارات حرية التعبير والمقاومة والديمقراطية وأدرك مدى زيفها عندما يتعلق الأمر بمصالحهم، كان الخروج في المظاهرات والصراخ هو أحد الأشياء التي تجعلني أشعر بالراحة قليلاً، فقد سيطر علي شعور بالعجز والإهانة والذل، لا سيما بعد صور التجويع التي كانت تصل من غزة.

لم أركن إلى تلك المشاعر طويلاً، بدأت أكتب المقالات، وحاولت كلما التقيت بأجانب، ألمان وغيرهم، أن أشرح لهم عدالة القضية الفلسطينية، وأزعم أن هذا ما يمكننا فعله في أوساطنا، وكثيراً من الأجانب الذين التقيتهم وتحاورت معهم غدوا يدافعون بالقدر نفسه من الحماسة عن فلسطين.

الآن، تتزايد أعداد المناصرين للقضية الفلسطينية، وبات واضحاً من المظاهرات والأفراد الفاعلين الداعمين لها، لكن الشعب الفلسطيني لا يزال يُقتل ويحاصر ومحروم من الغذاء والماء، وهذا سبب يجعلني أزداد اختناقاً وبأن كل ما نفعله عديم الجدوى إزاء مكنة الموت المستمرة».

محاكمة الإبادة الجماعية في ندوة فكرية ببيت نويجي

وقال الروائي المصري حسن عبدالموجود «في الصباح تكون غزة أول كلمة أكتبها في مربع البحث، وربما أضيف إليها اسم موقع أثق فيه، أطالع ما فاتني أثناء نومي، وأبتلعه كحبة دواء مُرَّة تغير طعم فمي وتبقي مزاجي كئيباً.. أهرب من الفيسبوك فتعليقات أصدقائي عن غزة تجلدني، لكنني رغماً عني، أعود إلى البحث عن غزة على جوجل، مطالعاً المستجدات، ومبتلعاً حبة الدواء المسائية.

أقول لنفسي إن البحث عن غزة من مكانك الآمن هو أقل ما تقدمه لها، لقد صارت جزءاً من نمط حياتي وعاداتي. لكنني حين أضبط نفسي متأخراً في معرفة أخبارها، ألومني، كما ألوم الناس الذين تتحول فلسطين وتضحيات الناس فيها وشهداؤها إلى خلفية صامتة تعرضها شاشات باردة وهم يتناولون عشاءهم أو يهاتفون أحباءهم».

حروب اليوم كونية مهما كان حجمها
ويعبر المترجم والروائي التونسي صلاح بن عياد عن رؤيته بالقول «كثيراً ما قرأنا يوميات تصف آثار الحروب على من يعايشها. ابتداءً من أنطوان بولاد ومحمد حسنين هيكل وجون بول سارتر وغيرهم. إلا أن يومياتهم تلك كانت تتحدث عن أثر مباشر لتلك الحروب. تحدثوا عن عبثيتها وضحاياها ومختلف مراحلها. عن بدايتها ونهايتها، إلخ.. لكن حروب اليوم تختلف عن حروب الأمس على ما يبدو. إذ لا يمكن لها أن تنحصر في رقعتها العسكرية ولا في حدود البلدان المتناحرة ولا حتى في حدود البلدان المجاورة لتلك الحروب. لحرب اليوم منطق آخر. إنها تبلغ الكونية مهما كان حجمها. صارت الحرب تنقل على المباشر في المحطات التلفزيونية وفي شاشات شاهدي العيان. لذلك، تصلنا تفاصيلها أولاً بأول.

كذلك كان شأن الحرب على غزة. ودون الغوص في بشاعة الصور التي تصلنا إلى حدود أسرتنا، وفي الإبادة والمجزرة وغيرها من المصطلحات، لقد كانت هذه الحرب في رأينا أقسى ما عاش هذا العالم. كان الأمر أشبه بعاجزين يتفرجون على مظلمة. يهتزون في أماكنهم، وتسيل دموعهم، يصابون في مأكلهم وملبسهم ونومهم.. دون جدوى. قد يخرجون في مظاهرات منددة، يطلقون المصطلحات الدقيقة والشعارات العنيفة.. دون جدوى. قد يكتبون مقالات ويمضون في بيانات منددة. قد يتبرعون في حدود إمكاناتهم ولا إمكاناتهم. لكن الحرب تظل دائرة على الشاشة وفي غيرها من الوسائط. تصلك المواقف الأكثر قساوة. تصلك كلمات أطفال بلغوا الحكمة في أيام، عاشوا ما لم يعشه أي طفل آخر، تصلك مشاهد بطولية وأخرى ظالمة. الأسئلة تتوالد في داخلك: ما جدوى أن تكون إنساناً؟ ما جدوى أن تنادي بتلك القيم الكونية وأن تورثها لأبنائك؟ العالم على وشك تغيير مبادئه والتفريط في كل منجزاته القيمية الحضارية. العالم بصدد التنكر لمواثيقه الدولية واتفاقاته. العالم تنكر لتاريخه الطويل ولتجاربه المريرة مع الصراع. إننا في مفترقٍ لا نعرف ماذا سيفرز. كيف ستكون المرحلة القادمة؟ هل سنعود إلى سالف سيرنا؟ هل نجدد الثقة في تلك الشعارات التي ناضل من أجلها الملايين؟

أسئلة تظل معلقة ونظل منشدين لما ينهال علينا من تلك الحرب الجائرة».

حليحل: لن أسمح للحرب بأن تشلني
ويقول الكاتب المسرحي والروائي الفلسطيني علاء حليحل «في أول أسبوعين على اندلاع الحرب على غزة كنت مشلولاً. لا عمل ولا كتابة ولا حياة. تبلُّد قاتل في الأحاسيس وجدوى الحياة. إهمال في كل التفاصيل اليومية التي نمارسها كي نشعر بأننا بخير: أن نجلي الأطباق ونطبخ ونهوي الأغطية ونمشي إلى جانب البحر. فجأة بدت هذه التفاصيل اليومية كماليات لا طائل منها. كيف يمكن أن يطبخ المرء المجدرة التي يحبها محمود ابني والعدس البني كفُتات الأبنية المتشظية؟

لكنني قمت في أحد الصباحات مع قرار واضح: سأكتب وسأعمل ولن أسمح للحرب بأن تشلني. وهكذا، عدت إلى إيقاع عمل وكتابة أكبر من السابق: أنهيت ترجمة كتاب قبل الموعد بشهر؛ ووضعت أبواب ومحاور مجموعة قصصية جديدة وبدأت العمل عليها؛ وأنهيت كتابة كتاب للأطفال، وأنا أرسم الآن ملامح رواية قصيرة تراودني أخيلتها منذ سنوات. لم أفقد للحظة اهتمامي بغزة وحرب الإبادة التي تشن عليها، أتابع الأخبار من دون أن أدمن عليها، ومن دون أن أسمح لأي آلة حربية بقتل رغبتي في الحياة والكتابة وتربية ابنتي وابني والعناية بهما».

حرب غزة تستأثر باهتمام المعارض التشكيلية في بيروت

وتكتب الروائية اللبنانية رؤيتها في شكل سردية أدبية حيث تقول «هذا الصباح استيقظت على وجعٍ في جبهتي. كان آخر ما رأيته في الحلم طائرات حربية تتكاثر في الخارج، نراها نحن المتجمعين في ذاك المكان الكبير الذي أجهله لكنه أشبه بمشفى، عبر نوافذه الواسعة، وكل منا يختار مكاناً له ليختبئ من القصف العنيف.

في الحلم، أضعت طفلي. كنت خائفة حد تعطل يدي، وقدمي، وجسمي كله. بقي عقلي متوقداً، وعيناي، أبحث بهما عن طفلي. أين هما؟ كانا معي قبل ثوان، وفي تلك اللحظة التي نظرت خلالها عبر النافذة لأقيس خطواتي القادمة وأدرس مكان الاختباء الأمثل، ضاعا مني. الكل مختبئ، وأمامي على الأرض حرام كبير يبدو أن ثمة أشخاصاً تحته. من ذا الذي يختبئ من القصف تحت حرام؟ صوتي تعطل أيضاً، أخاف أن أرفعه فهذه الطائرات ذكية جداً وقد تلتقط كل حركة، وكل صوت. يتزايد القصف. أي أم أنا؟

هذا الصباح، استيقظت على وجع في جبهتي. ففيما تعطّلت يداي في الحلم، غرزت أظافري في جلدي أثناء النوم. الحصار والشلل والموت المطبق، أنتجت كلها حركة دموية وجهتها إلى جلدي.

هذا الصباح نزفت جبهتي قطرات وأنا أفكر في كل هؤلاء الأمهات العالقات في مشافي غزة، وآخرها في خان يونس، يفقدن أطفالهن أو يمتن معهم وسط تدفق اللهب.

كان خبر الغارات الإسرائيلية على جنوب غزة آخر خبر قرأته قبل أن أنام لبضع ساعات غير مريحة في سريري الكندي». 

عويل ذئاب جائعة 
«كعويل ذئاب جائعة خدّشت صفارات الإنذار زجاج نافذتي ذاك الصباح».

يبدأ الملحن الفلسطيني والباحث في الموسيقى وإيقاع الشعر خالد جبران انطباعه بالعبارة الاسبقة ويكمل «أدرت ظهري نحو الشباك وأكملت نومي، حتى لو أتت القذيفة، وحتى لو دمّرَت العمارة الواقعة على رأس الشارع حيث مطعم البيتزا الذي أكره، ثم اخترقت جميع درابزينات الحدائق المجاورة، سيحميني شيء ما، لا شك، ربما الزجاج؟ لا أحب العويل، تمامًا كما لا أحب صوت الكمان. لا أطيق حشرجاته، أهرب من الرعب والرغبة بالبكاء اللذين يثيرهما في نفسي، هي ليست ترسبات، فطفولتي لم تكن معذبة بل مدثرة بصوت عود أبي، ولصوت العود بقي في نفسي أثر قطرات الفضة السائلة من طرف هلالٍ، كان يومها يقيم في سماء عكا، قبالة نافذتنا.

كعويل ذئاب جائعة عاودت الصفارات غزوَها ضحى ذاك اليوم».

يوم سقط الإنسان عاريًا من كل قيمة. أدرتُ صدري نحو الزجاج هذه المرة، فلتأت القذيفة. وماذا بمقدور غزة أن تطلق نحو القدس سوى رشقات من أنينها؟ نحن، الملحدين، قد نسخر لتسييس الإله، ولتجييش «روحِه القدُس»، لكن الحروب لا تبادلنا النكات ولا هي تتحايدنا، بل تقتلنا أيضًا كما لو كنّا من غلاة المؤمنين. حينها قمتُ من سريري.

رأيتُ الشعب الإسرائيلي وقد تحوّل عن بكرة أبيه إلى جندي واحد أحد! جندي مدجج بالنقمة التوراتية. رأيت مجتمعًا كاملًا متكاملًا بصحفييه، وعلمائه، وشقراواتِه، شعرائه، عارضي أزيائه وجنرالاته السابقين كاللاحقين، وكلهم قد أصيبوا بنفس الظمأ إلى دمِ الأغيار. رأيت لغتي مصفدة ومسحوبة من ضفائرها إلى ساحة إعدام هيئت على عجالة. رأيت اسمي يجري هلعًا وعلى جبينه صليب من رماد فيستدل إليه القناص. مر بجانبي ولم يلقِ علي التحية، لكنني لم أعاتبه ولا أنا غضبت. فمن أدرى مني بالنقمة التوراتية؟ من أدرى بالظمأ إلى دم الحثي والجرجاشي والكنعاني والأموري؟! واسمي ليس كنعانياً تماماً لكنه عربي، وهكذا انطلقَ يجري ويتعثر ثم يقوم ويمضي لاهثاً كسائر الأسماء التي تشتهيها المقصلة.

شاشة البلازما الرقيقة أمست فوهة للجحيم. تزاحم فيها كل ما ليس من الحياة التي نعرف، بل ليس من حياة يعرفها أحد. واسمي أيضاً كان هناك، يتزاحم. لكنه لم يعُد اسمي، لم يعُد لي، اسمي أصبحَ لفيفًا من الرجال والنساء والأطفال. اسمي الذي ألِفتُ وأحببتُ طيلة حياتي قد هجَرني، فنَما واستحالَ عناقيدَ هائلة من القتلى، كُتَلًا بشريّة سائغة للطحن والحرق والتلاشي، اسمي أصبحَ: لا شيء! حاولتُ ألّا أبحث عنه بعد، فكيف يكون اسمكَ: لا شيء! لكن كيف تمضي في هذه الحياة ولا اسمَ لكَ؟»

 الحياة مقابل الموت
ويعبر الروائي اللبناني بول مخلوف عن رأيه قائلاً: «تغير كل شيء‎ عقب قصف مستشفى المعمداني. عندها خرجت الحرب عن طورها؛ استفاقت الإبادة من العناية الفائقة، ودخلنا في مرحلة الطوارئ. كان مسار الأحداث كالتالي: حلّق المقاومون فوق الأسوار وحطّوا في أراضٍ محتلّة، وهذا التحليق بحد ذاته كان انتقاماً من التاريخ واستعادة للمنزل المسلوب. لأول مرة في تاريخ فلسطين، كان المُستعمَر في حالة هجوم على المُستعمِر، إنه «حدث» بكل المعايير، وكانت الأعين كلها متسمرة على الخطوة التالية، مع توترٍ كتوم من ردة الفعل.

‎عندما قصف الاحتلال مستشفى المعمداني، خطا خطوةً تبدو للعاقل مستحيلة، يعني ارتكابه علناً ومباشرةً جريمة حرب فادحة بقتل مدنيين ومصابين وأطباء، لكنه بقيامه بهذا المستحيل، أراد الانتقام من تلك الفعلة المستحيلة: الطيران. قصف المستشفى المعمداني ثأرٌ من ذاك التحليق، مارس عقابه في تحويله مدينة إلى مقبرة، بدأها بضرب مستشفى المعمداني، معلناً بذلك أنّ المرحلة القادمة عنوانها الموت. آنذاك وقعنا في مأزقٍ، لقد فقدَ الخطاب السياسي معناه؛ الإبادة طاولت اللغة، راحت تصاريح إسرائيلية تشحذ بلاغتها من مزرعة الحيوانات، أما الإنسانويون فقد نددوا، شفهياً، بالحرب، وطلبوا إيقافها، لم يقولوا في بادئ الأمر إن هناك جرائم أو إبادة، بل إنها حرب ويجب أن تتوقف، بدون أن ينسوا، طبعاً، إدانة الطيران، أي السابع من أكتوبر. كان لا بدّ من التشديد على أهمية 7 أكتوبر، ودعم المقاومة، والإصرار عليها، لكن كان هناك أيضاً صمود أسطوري للفلسطينيين، وإبادة تجري بحقهم، وبين الموقفين كان هناك مأزق جديد. فالكلام عن بطولة يحققها الأول قد تدفع إلى التغاضي عن مآلات الثاني، فيما الانصياع للثاني قد يؤدي إلى تعليق فعل المقاومة، بالتالي الإذعان والاستسلام. حاولنا في ملحق إنّما بقدر الإمكان الموازنة بين الموقفين. كان الشعور بالذنب جراء عدم القدرة على تحويل النص إلى قنبلة، حيث الفلسطينيون يواجهون الإبادة المهولة. رحنا نواجه، بقدر ما نستطيع، بالكتابة، لم تكن الشاشة قادرة على فصلنا عن الحدث وزجّنا في خانة المتفرجين. الأشلاء والجثث التي كنا نراها في غزة كانت دامغة في يقظتنا وتلاحقنا في المنامات؛ كنا نشعر بحرارة الدماء المسفوكة، ونسمع صراخ من هم تحت الأنقاض. أمام ملحمة عصرية كهذه تلجأ اللغة إلى المجاز. لا أقول إننا قفزنا فوق محاكاة الواقع؛ لقد كتبنا عن حفلة الرعب تلك، عن هالوينية حاصلة لا أقنعة فيها بل وحوش وأسماؤهم معروفة، غير أننا استعنّا بالاستعارة لفك عقدة اللسان، ولتضمين بعض المعنى في خطاب سياسي داعم للمقاومة لكنه قاصر، غير قادر على المواءمة بين أرواحٍ تزهق وقذيفة لا بدّ منها. هكذا، صارت عبارات مثل (أكلة لحوم البشر وشركاؤهم)، (مستشفى الشفاء: الحياة مقابل الموت)، (هالوين: أهلاً بك في غرة)، ثيمات نشتغل عليها. أعرف كثيرين ممن تغيرت مواقفهم في هذه الحرب، التي لم تنتهِ. لا أتكلم على فقدان الشهية عن الطعام بسبب ما جرى، وما يجري حيث إماتة الفلسطينيين ترتكز على تجويعهم، ولا أقصد فقدان القدرة على النوم، بل أعني أن كثيرين لم يعودوا كالسابق، لا من حيث القناعات ولا من حيث الخيارات السياسية والأيديولوجية. فهذه الحرب في جانب من جوانبها فضيحة لليبرالية لا تني تعرّف عن نفسها بأنها نهاية التاريخ، غير أنها، وقد امتُحنت، نهاية الإنسان».

وقالت الإعلامية والروائية المغربية ريم نجمي «أغلب ما كتبت في الأشهر الماضية كان عن الحرب، قصائد ونصوص ورسائل افتراضية... كنت أهدئ نفسي بالكتابة التي أصبحت نوعاً من العلاج الروحي للتغلب على مشاهد الموت ومشاعر الخوف والحزن الشديد.

في الأشهر الأولى من الحرب كنت أنام على صوت المراسلين من هناك، أعيش تفاصيل الحرب لحظة بلحظة ليس فقط بحكم عملي الصحفي ولكن كان لدي أصدقاء أعزاء من كتاب وصحفيين في القطاع أتتبع أحوالهم وأحوال مناطقهم من خلال نشرات الأخبار، خاصة عندما تنقطع الاتصالات كليا عن القطاع ويصبح التواصل مستحيلا.

مرت عليّ أيام شعرت فيها بالعجز المطلق، ما الذي يعنيه أن يكون لديك أصدقاء مهددون بالموت كل لحظة ولا تملك أن تفعل لهم شيئا!؟

خلال هذه الفترة اقتربت أكثر من أصدقائي وزملائي الغزاويين في برلين، كنت أرى كيف تأخذ الحرب جزءا من روحهم وجسدهم كل يوم، الكثير منهم فقد وزنه بطريقة مقلقة وامتنع عن الكلام، صرنا نتقاسم عجزنا وألمنا ونتبادل القليل من كلمات الصبر والأمل ونطرح السؤال نفسه عند نهاية كل حديث:"متى ستنتهي الحرب؟».

فلسطين ضمن وإشكال الهوية
فيما قالت الكاتبة التونسية فائقة قنفالي «أصبحت فلسطين منذ أكتوبر هي حياتنا اليومية.. خصصت أكثر من درس فلسفة للنقاش حول فلسطين ضمن مشكل الهوية الذي أدرسه لتلامذة الباكلوريا وضمن درس الوعي بالمغالطات لتلاميذي السنة السابقة لها.

لأكتشف وعياً جديداً بالهوية عكس الذي تروج له الميديا، فالحرب التي كان يراد بها تدمير آخر قلاع المقاومة أصحبت في وجه آخر خفي، محرك وعي جديداً لا في العالم العربي فقط بل في العالم بأسره تجاه من لا صوت لهم.

ربما الأصعب في هذه الحرب هو أسئلة ابنتي ذات الثماني سنوات التي تسمع أخبار الحرب معنا وفي المدرسة تحيّي علم فلسطين مع علم تونس وفي درس الموسيقي تتعلم أغاني عن فلسطين: من فلسطين؟ لماذا توجد فيها حرب؟ لماذا أطفالها مشردون؟ أليسوا أطفالا مثلنا ويجب أن يكونوا في مدارسهم وفي بيوتهم مع عائلتهم؟ كيف يمكن أن ننقذهم يا أمي؟

وكل يوم تسأل لماذا لا يوجد بطل خارق مثلما هو الحال في الكرتون ينقذهم؟ وحين أخبرها أن لا وجود لهؤلاء الأبطال خارج الشاشة تسألني لماذا لا ينقذهم الله؟».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ساعة جيب لأغنى ركاب «تيتانيك» تُباع بمزاد
ساعة جيب لأغنى ركاب «تيتانيك» تُباع بمزاد
طنجة المغربية تجذب كبار موسيقيي الجاز
طنجة المغربية تجذب كبار موسيقيي الجاز
الفنان مهدي كريرة يُدخل البهجة على أطفال غزة ويصنع الدمى من بقايا المساعدات (فيديو)
الفنان مهدي كريرة يُدخل البهجة على أطفال غزة ويصنع الدمى من بقايا...
المنتج هارفي واينستين في المستشفى
المنتج هارفي واينستين في المستشفى
«غسوف.. غدامس القديمة» يشارك في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي الدولي
«غسوف.. غدامس القديمة» يشارك في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم