Atwasat

معركة أخرى ساحتها المشارح.. غزة تعاني لدفن شهدائها وإحصاء أعدادهم

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 24 ديسمبر 2023, 02:03 مساء
WTV_Frequency

في مشرحة مستشفى ناصر بجنوب قطاع غزة، يكفن العاملون جثث الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا في العدوان الإسرائيلي، بالقماش الأبيض وسط رائحة الموت التي تفوح من كل مكان، ويدونون عليها كل ما يمكنهم تدوينه من معلومات أساسية عن الموتى؛ «الاسم ورقم بطاقة الهوية والعمر والنوع».

بعض الجثث مشوهة بشدة، بينما لا يمكن سوى لأقارب من تم التعرف عليهم أو تم الإبلاغ بفقدانهم أخذ جثث ذويهم للدفن مع إدراجهم في حصيلة الشهداء التي تعلنها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة خلال الحرب، لكن باقي الجثث تبقى مكدسة في ثلاجة المشرحة لمدد تصل لأسابيع في كثير من الأحيان، بحسب تقرير لوكالة «رويترز».

وتقترب حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة من 21 ألف شهيد، و53 ألف مصاب أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تجدد الدعوات الدولية لوقف جديد لإطلاق النار في غزة.

وتقول وزارة الصحة، إن آلاف الشهداء ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض، بينما نحو 70% من الشهداء نساء وأطفال.

ولفتت أرقام الوزارة أنظار العالم إلى العدد الكبير من المدنيين الذين استشهدوا في العدوان الإسرائيلي، وفي ظل توقف معظم المستشفيات في جميع أنحاء غزة عن العمل في الوقت الحالي، واستشهاد المئات من الأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الصحي وتعطل الاتصالات بسبب نقص الوقود والكهرباء، صار من الصعب بشكل متزايد إحصاء عدد الشهداء والجرحى.

ويشكل العاملون في مشرحة مستشفى ناصر جزءا من جهد دولي، يشارك به أطباء ومسؤولو صحة في غزة وأكاديميون وناشطون ومتطوعون من جميع أنحاء العالم، لضمان عدم فقد القدرة على إحصاء عدد الشهداء، نتيجة للظروف القاسية الآخذة في التزايد في قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي.

جثة صديق أو قريب
وقال حمد حسن النجار، إن العاملين بالمشرحة، وبعضهم من المتطوعين، ليس لديهم ما يكفي من الطعام أو الماء لأسرهم، لكنهم يواصلون العمل لأن تسجيل عدد الشهداء الفلسطينيين يعني الكثير لهم، مضيفا أن الخسائر النفسية للعمل هائلة.

وتابع الرجل البالغ من العمر 42 عاما، وهو يحمل ورقة بيضاء تحتوي على معلومات مكتوبة بخط اليد عن أحد الشهداء، إنه يشعر بالصدمة في كثير من الأحيان عندما يجد جثة صديق أو قريب أصيبت بأضرار بالغة.

وقال النجار إن جثث سعيد الشوربجي مدير المشرحة، وعدد من أفراد أسرته، وصلت إلى المشرحة في أوائل ديسمبر الحالي، بعد استشهادهم في غارة جوية إسرائيلية.

- 72 يوما من العدوان على غزة.. استمرار المجازر الإسرائيلية والخذلان العالمي
- 77 يوما من العدوان.. عداد الموت لا يتوقف في قطاع غزة مع استمرار المجازر «الإسرائيلية»
- 79 يوما من العدوان.. نزيف الدم الفلسطيني عرض مستمر مع استمرار العجز العالمي

وقال النجار، وقد بدا على وجهه الحزن والتعب، «تفاجأنا أنه بين أيدينا شهيد... لقد كان أبو خميس أحد الأخوة الذين يكفنون معنا ويغسلون ويجهزون ويقومون بالواجب الديني والوطني لهم في هذا المكان».

وأضاف أنه أثناء تجهيز الجثث «تنصدم بالمشهد عندما تجد طفلا صغيرا بلا رأس، أطفالا صغارا بلا أيدي بلا أقدام، وأشلاء.. تحتاج لساعات ربما حتى تستعيد من جديد نفسيتك وتذهب آثار هذه الصدمة».

الأمم المتحدة تجزم بصحة البيانات
ويجرى جمع البيانات التي يسجلها النجار وزملاؤه من عاملين في مركز المعلومات الذي أنشأته وزارة الصحة في مستشفى ناصر في مدينة خان يونس، ووفر موظفو الوزارة من مكاتبهم في مستشفى الشفاء في شمال غزة بعد أن دخلته القوات الإسرائيلية في منتصف نوفمبر.

وقال المتحدث باسم الوزارة، أشرف القدرة، وهو طبيب يبلغ من العمر 50 عاما، إن الفريق يستخدم نظام بيانات محوسب جرى إنشاؤه بالتشاور مع منظمة الصحة العالمية، والذي يلزم العاملين في المستشفى بملء المعلومات الإلزامية قبل تسجيل الوفاة.

وأضاف أن الأرقام المعتمدة من وزارة الصحة تعكس بيانات تم التحقق منها، لافتا إلى أن العديد من الجثث لم يتم تسجيلها بسبب نقص المعلومات أو بسبب عدم مرورها على المستشفيات قبل دفنها، مضيفا أنه في مستشفى الشفاء على سبيل المثال لا يوجد موظفون حاليا لذلك لم يتم تسجيل أي وفيات، مؤكدا أن العدد الفعلي للشهداء أكبر كثيرا من هذا العدد المسجل.

وقالت الوزارة إنها منذ أوائل ديسمبر الماضي، لم تعد قادرة على جمع تقارير منتظمة من مشارح المستشفيات في شمال غزة، في ظل انهيار خدمات الاتصالات والبنية التحتية الأخرى في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن ستة فقط من مستشفيات غزة البالغ عددها 36 كانت تستقبل المصابين حتى يوم الأربعاء الماضي، وجميعها في الجنوب.

واستشهدت منظمة الصحة العالمية بهذا كأحد الأسباب التي تجعلها تعتقد أن إحصاء الوزارة قد يكون أقل من الواقع. ولا تشمل هذه الحصيلة أيضا الشهداء، الذين لم يتم نقلهم مطلقا إلى المستشفيات أو الذين لم تنتشل جثثهم من تحت الأنقاض.

وقالت منظمة الصحة العالمية وخبراء آخرون إن من غير الممكن في الوقت الحالي تحديد مدى أي نقص في العدد.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم 25 أكتوبر الماضي، إنه «لا يثق» في البيانات الفلسطينية. لترد وزارة الصحة بتقرير من 212 صفحة يسجل بيانات 7028 شخصا استشهدوا نتيجة العدوان حتى 26 أكتوبر، بما في ذلك بطاقات الهوية والأسماء والعمر والجنس.

كما أن الأمم المتحدة التي لديها تعاون طويل الأمد مع السلطات الصحية الفلسطينية تواصل الجزم بجودة البيانات. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنه، بالمقارنة مع حروب سابقة في غزة، تظهر الأرقام أن المزيد من المدنيين استشهدوا، بما في ذلك نسبة أكبر من النساء والأطفال.

ويعكف أكاديميون وناشطون ومتطوعون في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة والهند على تحليل البيانات التي تقدمها وزارة الصحة في غزة، للتأكد من التفاصيل المتعلقة بالشهداء وتحديد عدد الضحايا من المدنيين.

ويعتمد هذا بشكل كبير على قائمة 26 أكتوبر، التي تتضمن الأسماء وأرقام بطاقات الهوية وتفاصيل أخرى. ويعمل في الوقت نفسه بعض الباحثين الآخرين على «مسح» مواقع التواصل الاجتماعي للحفاظ على الإفادات المنشورة هناك لتحليلها في المستقبل.

استشهاد عائلات بأكملها
ويستخدم الباحثون أساليب مثل الدراسات الاستقصائية لسكان المنازل بعد انتهاء النزاع لتقدير إجمالي الخسائر.

ووفقا لقائمة 26 أكتوبر، قد تكون المسوحات الأسرية صعبة في أعقاب هذا العدوان لأنه في بعض الحالات استشهدت عائلات بأكملها بسبب القصف، ويصل العدد في بعض الأحيان إلى عشرات الأفراد.

ويقول الخبراء إن أكثر من أربعة أخماس سكان غزة قبل الحرب فروا من منازلهم، أي ما يعادل 1.9 مليون شخص وفقا لأرقام الأمم المتحدة، وربما يكون من الصعب تحديد أماكنهم.

وقال حامد داردجان من مشروع إحصاء الجثث في العراق، وهي منظمة تسجل الوفيات الناجمة عن العنف جراء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، إنه بالنظر إلى مدى ترابط مجتمع غزة، هناك أمل في إمكانية إجراء مثل هذه الدراسات في نهاية المطاف بطريقة مثمرة ومفيدة.

ونشر المشروع بالفعل تحليلا عن العمر والخصائص الأخرى للقتلى في غزة بناء على بيانات الوزارة في 26 أكتوبر.

وقال داردجان «معدل الوفيات بين المدنيين، بما لا يقل عن 200 شخص يوميا منذ السابع من أكتوبر، باستثناء الهدنة التي استمرت أسبوعا، لم يسبق له مثيل في هذا القرن، ولم نشهده في ذروة غزو العراق».

وأوضح الطبيب والأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، جلبرت بورنهام، الذي تعامل منذ السبعينيات مع المشاكل الصحية الإنسانية في الحروب، إن الأمر سيستغرق سنوات لانتشال رفات من هم تحت الأنقاض، ولن تؤدي هذه العملية الفنية المكلفة إلى التعرف على هوية كل جثة.

وبالإضافة إلى الشهداء، تقول الوزارة إن هناك أكثر من 53300 شخص أصيبوا في العدوان. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى تزايد خطر الإصابة بالأمراض بسبب نقص المياه النظيفة والغذاء والرعاية الطبية.

وقال غسان أبو ستة، وهو جراح بريطاني من أصل فلسطيني تطوع في مستشفيين في شمال غزة خلال الأسابيع الستة الأولى من العدوان، إن بعض الناس يموتون بسبب عدم علاج الجروح المفتوحة.
 

مـزيـد من تـقـاريـر بـوابـة الوسـط  ———————

■  جريدة «الوسط»: الشروط المسبقة تعصف بـ«طاولة باتيلي الخماسية»
■  البعثة الأممية تؤكد وفاة المهدي البرغثي وتطالب بتحقيق مستقل
■  خاص لـ«الوسط».. ليبيا تتقدم بدعوى ضد «إسرائيل» في محكمة العدل الدولية
■  مجلة تابعة لـ«أفريكوم» تثير قضية صراع «الميليشيات» الليبية على السلطة
■  تقرير فرنسي: خطط أميركية لتقويض «فاغنر» في ليبيا ومالي والنيجر 
■  الدبيبة يوجه ببدء تنفيذ منظومة الجوازات والبطاقات الإلكترونية
■  مصدر أمني يؤكد لـ«بوابة الوسط»: عماد بن رجب المحكوم في قضية «الوقود المغشوش» غادر ليبيا
■  75 يومًا على احتجاز البعجة ورفيقيه في بنغازي دون تهم رسمية
■  معهد ألماني يرصد.. كيف استحوذت المجموعات المسلحة على الدولة في ليبيا؟
■  جميلة رزق الله: لوحاتي عن درنة تحاكي عزاءً كبيرًا وسقفًا مفتوحًا من الوجع
■  الدهون بريئة من التسبب في انسداد الأوعية الدموية.. فمن المسؤول؟
■  «تحقيقات»: تجار الأزمات

 

تابع تقارير «بي بي سي» عبر بوابة الوسط  ————

■  تفجير لوكربي: هل هو أعظم رواية بوليسية؟
■  وثائق بريطانية: إسرائيل وبريطانيا وفرنسا خططوا لأبعد من السيطرة على قناة السويس في حربهم على مصر عام 56
■  ما هي أسلحة حماس الجديدة التي تمكنها من المواجهة حتى الآن؟
■  ما الذي تقوله أعداد القتلى في غزة عن الحرب؟
■  القرية التي يعاني جميع سكانها من الخرف
■  كيف نقرأ استهداف السفن في البحر الأحمر؟
■  تحليل دم "يكشف شيخوخة" أعضاء الجسم البشري
■  ما الجمرة الخبيثة، وإلى أي مدى هي قاتلة؟

كلمات مفتاحية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
القمة العربية في البحرين.. اجتماع عربي للملمة أشلاء غزة بعد 7 شهور من العدوان
القمة العربية في البحرين.. اجتماع عربي للملمة أشلاء غزة بعد 7 ...
استشهاد القيادي بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة في غارة إسرائيلية على غزة
استشهاد القيادي بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال أبو ظريفة ...
«الصحة الفلسطينية»: ارتفاع ضحايا الإبادة الصهيونية على غزة إلى 35 ألفا و91 شهيدا
«الصحة الفلسطينية»: ارتفاع ضحايا الإبادة الصهيونية على غزة إلى 35...
الاحتلال يفرج عن 76 أسيرًا فلسطينيا من غزة
الاحتلال يفرج عن 76 أسيرًا فلسطينيا من غزة
«ذا غارديان»: عملية رفح لن تحقق انتصارا حاسما لـ«إسرائيل»
«ذا غارديان»: عملية رفح لن تحقق انتصارا حاسما لـ«إسرائيل»
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم