Atwasat

ما قبل «22 يونيو».. وما بعده

بشير زعبية الثلاثاء 07 يونيو 2022, 06:44 مساء
بشير زعبية

هذا الشهر (يونيو) ربما سيكون كبيساً في أجندة الحالة الليبية، ففي 22 منه ينتهي أجل خارطة الطريق التي وضعها ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي انعقد في تونس استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510 (2020)، الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، وسينتهي بناءً عليها أجل «حكومة الوحدة الوطنية» التي تمخضت عن الخارطة في جنيف (فبراير 2021) دون وجود مرجعية تحدد أو تضبط المشهد السياسي ما بعد هذا التاريخ، ما يعني أننا قد نجد أنفسنا إما في فراغ سياسي ينبئ بمزيد التخبط والفوضى في ما يتعلق بإدارة الدولة، مع الحالة الضبابية المعتمة التي دخلها المسار الانتخابي، منذ الفشل في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية كان مقرراً لها تاريخ 24/12/2021، وفق خارطة الطريق سالفة الذكر.

العملية السياسية تتجه نحو مزيد الانسداد في غياب ما يخالف ذلك، والسبب دائماً هو تعنُّت أطراف الأزمة، والإصرار على سياسة العناد، والمغالبة، وجَهْيَنة، أو شخصنة الصراع على المناصب، فعلى مستوى التنازع على رئاسة السلطة التنفيذية، لا أتوقع أن يسلم رئيس «حكومة الوحدة الوطنية» عبدالحميد الدبيبة، موقعه إلى غريمه، فتحي باشاغا، وسيتعلل بأن جنيف أتى به ليكون على رأس آخر حكومة انتقالية، بمعنى أنه لن يسلم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، في انتظار انتخابات ينادي بها متصدرو المشهد علناً ويعرقلونها في الخفاء، خشية أن يطيح بهم الصندوق، وفي المقابل فسيبقى باشاغا في سرت متمسكاً بمبدأ دخول العاصمة ومباشرة عمله الطبيعي من هناك، ساعياً في الوقت نفسه إلى ضمان اعتماد ميزانية لتسيير حكومته، وتحقيق الوعود التي أطلقها بعد تكليفه من قبل البرلمان، وهو ما لا يبدو أنه أمر محتمل، ما سيجعل مستقبله السياسي رهيناً بما سينتجه تنازع «الحكومتين».

هذا الوضع المعقد الذي تعيشه البلاد يجعلني أستحضر جملة من السيناريوهات المحتملة:

1- أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن بتكريس وجود حكومتين، بما يعيد إلى الأذهان وضع حكومتي الوفاق (فائز السراج) والحكومة الموقتة (عبدالله الثني)، وتبقى مشكلة الميزانية، أو كيف سيتعامل مصرف ليبيا المركزي مع هذا الواقع، وقد يصار إلى شكل من أشكال الإنفاق المشترك، ولو في إطار محدود ومشروط على التزامات الحكومتين، وهو أمر يخشى كثيرون من أن ينقل البلاد من حالة الانقسام إلى وضع التقسيم.

2- بقاء الوضع الحالي كما هو عليه، في انتظار ما ستسفر عنه مشاورات القاهرة بين ممثلي مجلسي النواب والدولة بشأن التوافق على صيغة قانونية، أو دستورية تمهد الطريق لإجراء انتخابات قريبة تأتي بسلطة منتخبة، وهذا الاتجاه سيطرح أسئلة، أولها ما الصيغة التي ستتمخض عن هذه المشاورات؟ هل هي نسخة متوافق عليها من مسوَّدة مشروع الدستور بعد التوافق بشأن المواد الخلافية، وفي هذه الحالة لن تكون وثيقة دستورية جرى تفصيلها على مقاس الاستحقاق الانتخابي، إنما تتعداه إلى الدستور برمته، الذي يقود بعدها إلى استحقاق الاستفتاء، ولا يعرف إن كانت ستعاد المسوَّدة المتوافق عليها إلى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور باعتبارها الجهة المخولة انتخابياً للتعامل مع المشروع، أم هل ستنتج مشاورات القاهرة قاعدة دستورية مقتصرة على الموضوع الانتخابي؟

3- قد يعيد رئيس الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، ترتيب جاهزيته بكسب داعمين جدد له من التشكيلات المسلحة، ويحاول مرة أخرى دخول طرابلس، ليفرض نفسه كرئيس لسلطة تنفيذية «شرعية» واحدة، مستفيداً من معطى انتهاء شرعية حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة غريمه عبدالحميد الدبيبة، مع انتهاء أجل خارطة الطريق، لكن هذا الخيار ملغوم، وقد يكون غالي التكلفة ويعيد البلاد إلى حالة الاقتتال من أجل السلطة، وهنا أيضاً ستصبح الانتخابات «في خبر كان»، إذ لا يعقل أن يغامر باشاغا بكل هذا ليقود حكومة عمرها أشهر من أجل انتخابات، يقترب صندوقها، حتى ينأى بعيداً.

4- أن تلجأ السيدة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني وليامز إلى «خطة ب»، والمحتمل أن يصار وفقها إلى صيغة عمل مماثلة لمجموعة الـ75، لا يستبعد أن يكون من مهامها تفويض المجلس الرئاسي باستصدار مراسيم توفر الشروط الضرورية لتنظيم الانتخابات في أقرب وقت، أو التوجه إلى تشكيل حكومة جديدة مصغرة متوافق عليها بين مجلسي النواب والدولة، مدعومة من قبل أطراف الخارج المؤثرة، تنهي مأزق الحكومتين (الدبيبة – باشاغا)، وهو سيناريو آخر.

5- قد يستنجد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإعلان الدستوري، والتعديلات التي تخدم سلطة البرلمان، ليتكئ عليها دستورياً، بحجة فشل كل المحاولات لإنجاز العملية الانتخابية، بل السياسية برمتها، وعينه باتجاه الاستحواذ على صلاحيات رئيس الدولة.

تبقى الخشية أمام الانسداد القائم، وحالة الفراغ السياسي المتوقعة ما بعد 22/6/2022، أن يحاول طرف ما من أطراف الأزمة مدعوماً من قوى بعينها في الداخل، وربما من الخارج، فرض أمر واقع جديد لصالحه، على الرغم من أن هذا لن يحسم الصراع، خصوصاً إن حضر السلاح لفرض الأمر الواقع الجديد، عند ذلك سيكون الصدام العسكري احتمالاً مفتوحاً، وربما سيقوم على تحالفات جديدة ليست بعيدة عن حالة الاصطفاف التي أنتجها الصراع على كرسي «رئيس الحكومة» القابع في شارع السكة، بالعاصمة طرابلس.

لكن هل ستحتمل الأطراف الغربية المؤثرة في ليبيا سيناريو مثل هذا، وهي التي ما فتئ ممثلوها يطلقون تصريحات حاسمة بأن لا عودة للحرب، وتعيش تداعيات الحرب في أوكرانيا، وعلى رأسها أزمة الطاقة المتوقعة (النفط والغاز) وتضع لا شك جارة أوروبا الجنوبية، ليبيا، ضمن بدائل مصادر الطاقة التي ستفقدها مع توقف صادرات الغاز والنفط من روسيا، مصدرها الرئيسي الذي كانت تعتمد عليه قبيل اندلاع الحرب، زد على ذلك أن قوات «فاغنر» الروسية ما زالت تتموضع في محيط حقول النفط الليبية وسطاً وجنوباً، وهو ما يجعل باب الاحتمالات مفتوحاً بشأن الخيار الذي ستتبناه الأطراف الغربية المؤثرة في الحالة الليبية، وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، خصوصاً أن الأخيرتين لهما تواجد عسكري على الأرض قابل لأن يتعزز ويضع ما سيسميه «حماية حقول النفط» على رأس أجندته.