Atwasat

مفتاح السيد الشريف: التاريخ مع القصة والنقد

سالم الكبتي الأربعاء 01 سبتمبر 2021, 01:52 صباحا
سالم الكبتي

هذا الذي طوحته الغربة خارج ليبيا وطالت. وحين كانت تحلم بمستقبل قادم وواعد جديد تلك الأعوام في الأربعينيات المليئة بالتخلف والجهل والمرض ظل ضمن شباب المدينة الفاعل المؤكد على هذا الحلم صباحا ومساء ثم أضحى الحلم استقلالا ودولة نهضت مع الشمس من الفراغ.. وشكل معهم باقة لا تكف عن الحركة والنشاط والعطاء.

معارك ثقافية مبكرة ومقالات ونقاشات هادرة مفعمة بحماس فتوة الشباب وسخونته في صحيفتي التاج والزمان في بنغازي. بدأ خطواته في القصة القصيرة ونشر بعضها في مجلة (هنا طرابلس الغرب). وجهز مجموعته بعنوان (أيامنا آتية). للطبع في القاهرة عندما واصل دراسته في مدرسة حلوان هناك ثم توقف. ولم تأت الأيام بالمجموعة حتى الأن.

وفي النقد والدراسة الأدبية لم يغب مفتاح السيد الشريف. عرض لكثير من الأعمال الفكرية وكتب وبحث وصار جزء امهما من بدايات تأسيس وتكوين الحركة الثقافية في ليبيا بعد الاستقلال مع جيله ورفاقه. الأسماء تتوالى: يوسف الدلنسي وطالب الرويعي وعبدالقادر أبوهروس وخليفة التليسي وأحمد العنيزي وخالد زغبية ومحمد المطماطي وعلي الرقيعي وحسن صالح... وغيرهم.

كان الحلم الكبير يتواصل ويتداعى بالوعي والنهوض بثقافة الشعب والناس. أيام التأسيس والتكوين مثل أيام الحرث. المعاناة وإزالة الصخور والركام. ومواجهة الريح العقيمة والغبار والأتربة.. وبعدها المطر ثم الحصاد. أيامه تختلف. فيها البهجة بتحقيق شئ. جيل الثلاثينات ومنه مفتاح ورفاقه قطع أول الدروب نحو حرث الأرض وتقليبها وتغييرها وزرع البذور والكتابة أحيانا بالأظافر على الصخور الصلدة وسط السهوب القاحلة في كل الأبعاد ذلك الوقت.

في القاهرة على ضفاف النيل التي أبهرت الجميع في ذلك الوقت بحيويتها وضجيجها وجد نفسه مع زملائه في مجلة (صوت ليبيا). حرر وأشرف على أحد أعدادها في مارس 1954. وكانت انطلاقتها في الأصل مع فاضل المسعودي الذي أسهم معه في الكتابة في عدد مجلته الوحيد (المعركة) تلك الأيام.. ومع الزميل الآخر محمد الطشاني. وكلهم رواد في حركة الفكر والصحافة وثقافة الوطن.

لكن القصة والنقد لم يستهويا (ابن حزم) كثيرا كما كان يكتب مختفيا وراء هذا الاسم في أغلب الدوريات والصحف المحلية في طرابلس وبنغازي وفزان. ولم تأت الأيام بالمجموعة القصصية. كان هناك التاريخ. الذي انجذب إليه وعشقه مثل درويش من المتصوفة. صار مؤرخا ومترجما ومهتما حقيقيا بتاريخ الوطن.

ترجم وكتب مؤلفات ومقالات تلاحقت حول تاريخ الوطن وتفاصيله. ولم يتوقف. قصة تاريخ الوطن عبر كل مراحله ودرس ونقد الفترة الاستعمارية في البلاد بكثير من الرصانة والعلمية كشفت لنا عن مؤرخ أصيل يملك الأدوات والأسلوب والوثائق والمصادر ويجيد استعمالها مشاركا بلا توقف وهو الذي كان دبلوماسيا ذات يوم في الحركة الوطنية في الخارج التي تستند إلى تاريخ الاستقلال ونضال رجاله.

القصة والنقد والدراسة والتاريخ صورة بهية لمفتاح السيد الشريف وعطائه النبيل. انعكاس لذاته وموضوعه وموقفه. هذا الذي طوحته الغربة وطالت. ولم تتمكن من إبعاده عن الوطن وأبنائه وتاريخه الطويل.