Atwasat

كلاب شاردة وجثث في مكبات النفايات!

محمد طاهر الأحد 21 مارس 2021, 11:42 صباحا
محمد طاهر

كيف يرانا الغرباء؟ وما الذي يشد انتباههم فينا؟
الحقيقة لم أولِ هذا الأمر أي اهتمام إلى أن سمعت نهاية التسعينيات أستاذا جامعيا عربيا يقول رأيا طريفا عنا فحواه، أن الليبيين لا يوجد توسط بينهم، وهم طيبون للغاية أو أشرار بنفس القدر.
كان الرجل كما فهمت لاحقا يحاول صادقا أن يلخص ما انطبع في ذاكرته من التعامل مع الليبيين في فترة 6 أشهر، عمل خلالها أستاذا في إحدى الجامعات الليبية.
وفي حادثة ثانية التقيت صدفة بدبلوماسي أوروبي في محل لبيع المواد الغذائية في طرابلس عام 2007، وكان يحاول التفاهم مع بائع شاب بخليط من الكلمات الإنجليزية والعربية.
نقلت للبائع ما يريد الرجل، فاقترب معرفا بنفسه تاركا الشاب وشأنه، وانهال علي بالأسئلة كما لو أنه عثر على قريب له بعد طول غياب.
كان الدبلوماسي المخضرم يحمل انطباعا رائعا عن ليبيا وعن الليبيين، وكان يتحدث بحماسة ومودة عنهم.
سرد الرجل حكايات متنوعة عما رآه من الليبيين من احترام وطيبة لم يعهدهما في أي مكان آخر خلال تجربة عمل طويلة في عدة دول أفريقية، بل إنه أسر لي، فيما محياه يطفح بفرح طفولي، أنه يريد أن يقضي وزوجته تقاعدهما في هذه الأرض، إذا سمحت لهما الظروف بذلك.
وفي أحد الأيام استضافني في منزله الواسع والأنيق في طرابلس، وكان طوال الوقت يعدد مناقب الليبيين ويمتدح طيبتهم وبساطتهم وكرمهم.

بطبيعة الحال أسعدتني انطباعاته الحميمة عن أبناء بلدي، لكنها في نفس الوقت اشعرتني بالحيرة والدهشة أكثر من الرضى أو الفخر. لاحظت أنه يربي كلبا في فناء منزله.. وحين اقترب الكلب متمسحا برجلي الدبلوماسي، مرت سحابة غطت على فرحه الطفولي، ما إن بدأ في سرد قصته معه.

كان الكلب بمثابة نقطة سوداء في الثوب الليبي الناصع البياض.. قال إنه عثر على الكلب على شاطئ البحر وقد تجمعت حوله مجموعة من الشباب تتفنن في صخب في تعذيبه، وكان المسكين يعوي منكمشا وهو يحاول اتقاء ضربات عصيهم وقضبانهم الحديدية..
قال إنه نزل من سيارته ونهر هؤلاء بكل اللغات التي يعرفها.. انفض الشباب عن الكلب المسكين وهم في حيرة من أمرهم لتدخل هذا الغريب وحنانه على "كلب".
حمل الدبلوماسي الكلب الجريح في سيارته وقام بعلاجه وأبقاه في منزله مرفها مدللا، كما لو كان ابنه البكر.

سارع الرجل إلى طي هذه القصة وعاد إلى التغزل بليبيا وبأهلها الرائعين، وقال إنه حين يتشاجر مع زوجته يخرج إلى الشارع ويتحدث مع أول جار يصادفه.
قال عن ذلك: نتواصل ونتفاهم بسرعة بكلمات متقاطعة باللغتين العربية والانجليزية وبمساعدة لغة الإشارات، وبعدها أعود إلى بيتي بمزاج رائق.
الآن بعد ما جرى ويجري في ليبيا يتردد سؤال ملح عليّ، ماذا أقول له إذا شاءت الصدفة أن نلتقي من جديد؟

بصراحة أنا لا أريد أن أقول له: خابت ظنونك يا صاحبي! الآن نحن لا نعذب الكلاب والقطط الشاردة فقط، بل نخطف غرماءنا ونغتال خصومنا من دون حسيب أو رقيب، ونقيم بشكل منتظم معتقلات نعذب فيها أمثال هؤلاء ونشوه أطرافهم وننتزع الحياة منهم ونرمي جثثهم في مكبات النفايات، وأحيانا نلقي بهم مثل "الكلاب" على قارعة الطريق.