Atwasat

مواجهة عدو جديد

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 14 أغسطس 2014, 01:45 مساء
القاهرة - بوابة الوسط

عندما أعلن أبوبكر البغدادي دولته الإسلامية الإرهابية، تجاهل تحذيرًا من أسامة بن لادن بأنَّ الجهاديين ينبغي أن يتحروا الحيطة والحذر حيال تأسيس خلافة بسرعة مبالغ فيها. لقد وحَّد البغدادي بإضرامه النار في العراق وسورية أعداءه، وأعطاهم هدفًا يهاجمونه كما توقّع بن لادن بالضبط.

وحقَّق حمَّام الدم الذي تسبَّب فيه البغدادي المستحيل: فقد منح السعوديين والإيرانيين والأتراك والأكراد عدوًا مشتركًا. ووحَّد البغدادي الكثير من ساسة العراق السُنَّة والشيعة والأكراد وراء حكومة جديدة شاملة. ولقد أُجبرَ الرئيس أوباما المتردِّد على أن يتحلل من تردده ويصرح بضربات جوية موجَّهة ضد «أهداف عسكرية محدودة» في العراق.

إنَّ الهجمة المرتدة ضد الدولة الإسلامية التي بدأت الأسبوع المنصرم من الممكن أن تمتد «لأشهر إنْ لم تكن لسنوات»، بحسب التصريح الغامض الذي أصدره مسؤولون أميركان وعراقيون. وستكون القوة الأميركية محورية في إجبار العدو على الانسحاب، لكن أوباما كان على حق في تحذيره الاثنين من أنه «لا يوجد حل عسكري أميركي للأزمة الأكبر في العراق».

هذا وقد صرَّح القائد الكردي مسعود برزاني الاثنين في مقابلة شخصية مصوّرة مع مجموعة آسبن استراتيجي بتجمع للسياسة الخارجية حضرته شخصيًا إنَّ: «هذه هي الفرصة الأخيرة للعراق». وأضاف برزاني مشيرًا إلى الضربات الجوية والمستشارين الذين صرَّح لهم أوباما أنه: «رغم أننا بحاجة إلى دعمكم العسكري، لن نطالبكم أبدًا بأن تطأ أقدامكم أرضنا لتقاتلوا نيابة عنا».

وحَّد البغدادي الكثير من ساسة العراق السُنَّة والشيعة والأكراد وراء حكومة جديدة شاملة

وكما يجب أن يعي أوباما، عادت أميركا إلى أخطر بقعة على الأرض. وربما يسعى إلى انخراط عسكري محدود، لكن الدولة الإسلاميَّة للبغدادي ستقترع على الأوضاع. وستستعين بالانتحاريين ضد الأهداف الأميركية أينما وجدت. وبالتعاون مع حلفائها، ستحاول الدولة الإسلاميَّة شن هجمات على أميركا في عقر دارها. وما بدأ في عطلة نهاية الأسبوع الماضية كمحاولة لإنقاذ لاجئين عراقيين أعلى قمم الجبال من الأرجح أن يتوسَّع ويستفحل.

لقد دخل أوباما هذه المعركة بمنتهى الحذر، حيث أسقط إمدادات إنسانية ثم قصف مواقع الهاون التابعة للدولة الإسلامية وضرب القوافل. في مقابلة شخصية لتوم فريدمان أجرتها صحيفة نيويورك تايمز، حث فريدمان الولايات المتَّحدة على التحلي في العراق بروح «لا منتصر ولا خاسر». وهذه دعوة سديدة للوصول إلى حل وسط، لكنها كانت إلى حدٍ ما متعارضة مع تفسير الرئيس الذي أدلى به لاستخدام القوة الأميركية في العراق في موقف «محفوف بخطر الإبادة الجماعية».

لعل استراتيجية أوباما تنطوي على ردع الدولة الإسلاميَّة عن شن هجمات على الغرب بالتركيز على الدفاع عن العاملين الأميركيين وإنقاذ العراقيين - والتهديد بشن هجمات شرسة بطائرات بدون طيار وقتل أهداف محدَّدة إذا تخطوا حدودهم. لكن ردع الإرهابيين مسار وعر لأنه يعول على عقلانيتهم.

إذا أراد أوباما إرسال رسالة ما مفادها أنه جاد حيال مد يد العون للحكومة العراقية الجديدة، فينبغي عليه التفكير في إرسال الجنرال ديفيد بيترويس والسفير الأسبق رايان كروكر - الأميركييْن الأدرى بالعراق من غيرهم - إلى بغداد كمبعوثين خاصين.

استوعب أوباما الخطوط العريضة لدخول أميركا مجددًا إلى العراق بشكل سليم

لقد استوعب أوباما الخطوط العريضة لدخول أميركا مجددًا إلى العراق بشكل سليم، إذْ أصر على أن أميركا ستلجأ لاستخدام القوة دعمًا للحكومة العراقية الشاملة التي تتوحَّد من أجل محاربة الدولة الإسلامية. عمليًا، سيعني ذلك تسليح الميليشيات المسلَّحة التي تحارب تحت اللواء العراقي، بما في ذلك قوات البشمركة و«الحرس الوطني» السني الجديد الذي أوصى به قائدان سُنيّان عراقيان في مقابلة شخصية بمقطع مصور منفصل مساء الأحد أجرته مجموعة آسبن استراتيجي.

وصرَّح أحد القائدين العراقيين قائلاً: «في البداية، كان السُنَّة متعاطفين جدًا مع الدولة الإسلامية انطلاقًا من كونها تدافع عن السُنَّة. أما الآن، فهم يرون أنها جماعة تابعة للقاعدة، تفجِّر المساجد وتسفك دماء الناس». وأضاف مسؤول سنيّ آخر: «إنهم أعداء الجميع».

لقد كان تخلي الجميع هذا عن الدولة الإسلاميَّة بالضبط ما حذر من حدوثه بن لادن إذا رأى الناس أتباعه يقتلون إخوانهم المسلمين سعيًا لتقلد السلطة. في وثيقة عُثر عليها في مدينة أبوت أباد بباكستان، بعد مقتل بن لادن عام 2011، حذَّر بن لادن من أنَّ مثل هذه التكتيكات الانفعالية «ستؤدي بنا إلى النصر في عدة معارك، لكنها ستجعلنا نخسر الحرب في نهاية المطاف».

ظن بن لادن أنَّ اليمن هي البقعة الأرجح أن يعلن فيها أنصاره الخلافة الإسلامية، لكنه كان قلقًا من أن يأتي هذا الإعلان قبل أوانه. وحذَّر خطاب غير مؤرخ، ربما خطه بن لادن نفسه، من أنهم يريدون «إقامة دولة إسلاميَّة، لكننا نود أولاً أن نتأكد من قدرتنا على السيطرة عليها. ورغم أننا استطعنا استنزاف ألد أعدائنا عسكريًا واقتصاديًا وإضعاف شوكته قبل وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما زال العدو يمتلك القدرة على الإطاحة بأي دولة أقمناها».

لم يستطع البغدادي الانتظار. واستحوذ مقاتلوه بلا هوادة على قلب الأراضي السُنَّة في العراق. والآن، سنرى إن كان تقييم بن لادن للقوة الأميركية ما زال صحيحًا.

(خدمة واشنطن بوست)