Atwasat

اللهم إنه مُنكر عرفناه وأنكرناه

أمين مازن الأحد 19 مايو 2024, 07:03 مساء
أمين مازن

تحرص الفضائيات المُصطفة كحرصها على بث أذان الصلوات الخمس على ترديد نداءاتها للناس لتسليم ما لديها من المال إلى فروع صندوق الزكاة المنتشرة، أداءً لهذه الفريضة المقدسة وعوناً للمحتاجين إليها، ولا يقل عن ذلك المدوامة على بث برنامج «العاطي حي»، وما يترتب عليه من بث صور الذين تنوبهم هذه الأُعطيات الخَيّرة من مُحسني زماننا، وهم يخصون هؤلاء المحتاجين بالبيوت المؤثثة والسيارات الجديدة التي جاءت بها المقادير لهؤلاء المحتاجين، فتُظهِر مشاعرهم وهم يتلقون هذه الخيرات، فلا يملك المؤمن الملتزم إلا أن يتساءل عن أولئك الذي وعدهم الله بعظيم ثوابه عندما أخفوا صدقاتهم حتى لم تعلم شمالهم ما أنفقت يمينهم، ليأتي خَيِّرو زماننا فتُشرع أمامهم أبواب شاشات التلفزيون، تلك التي لا يعلم ساكنوها من مسؤولي هذه الأيام أن في البلاد قانوناً يسمى قانون الضمان الاجتماعي تُخصَم فيه من كل مستخدم بالدولة نسبة محددة من راتبه، تُضاف إليها نسبة أخرى تسددها الخزانة العامة شهرياً.

كما لا يمكن لأي أجنبي يقيم بالبلاد ردحاً من الزمن أن يخرج دون أن يقدم ما يُثبت تسديد ما عليه من استحقاقات، ومن هذه المستحقات مجتمعة تتكون الملايين، بل المليارات، لولا أن السلطات استمرأت التقصير المستمر في التوريد، وأكثر منه العبث في الإنفاق، حتى إن آخر ما أقدم عليه بعض المسيرين للضمان في بعض المناطق بناء المقار الضخمة للضمان، وإحضار بعض مجيدي الكلام للثناء على هذا التوجه الاستهلاكي والمفيد لمن يُسنَد إليه تنفيذه أكثر من عموم المضمونين الذين لا مصلحة لهم في المباني الإدارية الفخمة.

وما نريد أن نخلص إليه أن كل استشعار للمسؤولية ومراعاة لواجبات التديّن يمكنها لو طُبِقَ قانون الضمان والتزم أولو الأمر بأداء ما عليهم أن تكفي جميع المحتاجين عن تصعير الخد لهؤلاء المنّانين، ويكفي أن نتذكر مشروعات البناء الكبرى التي أنجزها في مرحلة سطّرَ تاريخها بماء الذهب المرحوم إبراهيم الفقيه حسن، وقد ترك ذلك القانون وسنوات التطبيق ما يتكفّل بأعظم الخدمات، وأولها ما تعرض الفضائيات من الإحسان المشوب بالمَنِّ وغير المُبَرّأِ من التحضير المسبق في المَنح والكلام.

أما تطبيق قانون الضرائب في زمن التجارة الحرة والمكاسب غير المحددة والمسموح فيها بعديد التبرعات فلن يكون من حاجةٍ للحض عليها في الفضائيات التي لو أُدّيَت لحُسِبَت ضمن المُعْفى من الضرائب بدل التنبيه إليها بهذا الشكل المثير للسخرية في بلد لا يتجاوز مجموع سكانه حيّاً من أحياء مدن العالم، وبه هذا العدد من المسئولين الذين تتجاوز رواتبهم ثلثي الميزانية، ولا يصل إلى المحتاجين الحقيقيين أكثر من ثلثها، ولا عمل للكبار، ابتداءً من الرؤساء الأربعة ثم الذين يلونهم، سوى استقبال السفراء، والسفر شرقاً وغرباً مُصرين على بث هذه اللقاءات بالصوت والصورة، ناسين أو متناسين ما تحمله من علامات التدخل المُذل أو الاستقواء المخجل، فصدَقَ عليهم «لا خير في كثيرٍ من نجواهم»، لبُعدهم بُعد السماء من الأرض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي عرفناه وأنكرناه.