Atwasat

لا شيء في أفق ليبيا سوى «فيلق بوتن» و«أمنتيوم بايدن»!؟ (عودة شبح ستيفاني!)

عزالدين عقيل الجمعة 24 مايو 2024, 05:34 مساء
عزالدين عقيل

بنجاح الضغوط الأميركية على عبدالله باتيلي، والتي انتهت عمليا إلى دفعه إلى الاستقالة من رئاسة البعثة الأممية في ليبيا، وإفساح المجال أمام خطة تنصيب واشنطن لمواطنتها ستيفاني خوري بمنصب المبعوث الأممي في ليبيا، والتي مهد لها أنطونيو غوتيريس قبل شهور بتسجيله متعمدا لهدف تسلل لصالحها في مرمي مجلس الأمن الدولي، الذي باغته هذا التعيين المبيت، حد أن أعضاءه لم يجدوا لا الفرصة، ولا الوقت، للتفاهم على خليفة للراحل السينغالي، أو حتى لمجرد الانطلاق بطلب مرشحين لخلافته. يكون عدد من الخبراء والباحثون السياسيون الذين توزعت آراؤهم وتعليقاتهم بين وسائل شتى، قد استخلصوا أن العالم قد بات يقف عمليا (بتمرير هذا الإجراء وللمرة الثانية وبذات طريقة الاحتيال على مؤسسة بحجم مجلس الأمن الدولي)، أمام واحدة من أهم علامات انتهاء دور هذا الأخير بحقبة ما بعد (مأساتي أوكرانيا وغزة).

حيث إنه على الرغم من سوابق واشنطن الكثيرة بممارسة الأساليب المستفزة على المجتمع الدولي بعدد من القضايا الدولية بيد أنه ولا استفزاز واحد من هذه الاستفزازات الأميركية للمجموعة الدولية قد بلغ مستوى الخداع السافر الذي استخدمته واشنطن وغوتيريس بتنصيب ستيفاني خوري على رأس البعثة الأممية في ليبيا، وهو الخداع الذي تجاوز نفسه، إلى دفع المجموعة الدولية إلى الانتباه إلى أن عملية استنساخ تنصيب خوري، لا تنافسها إلا عملية استنساخ النعجة دولي، عند مقارنتها بعملية تنصيب واشنطن بالعام 2018 لمخابراتية أخرى تدعى ستيفاني وليامز على رأس البعثة الأممية في ليبيا.

والتي نفذت بذات الأسلوب الغوتيرشي، ولمرتين متتاليتين، واحدة على حساب اللبناني الفرنسي غسان سلامة الذي استقال بصورة غامضة بررها بمرضه المفاجئ لحفظ ماء وجهه، وأخرى بتدبير واشنطن لأمر طرد مبكر و مهين لمبعوث تشيكي اسمه يان كوبيش، قبل حتى أن يتعود موظفي البعثة علي نطق اسمه، وذلك حين جاءت حاجة الأنجلوسكسون الملحة لإعادة تنصيب وليامز على رأس البعثة الأممية للمرة الثانية، لتنفيذ أمر تخريب الانتخابات الليبية التي كان مقررا إجراؤها بالعام 2021 بصورة عاجلة، فور تأكد واشنطن ولندن من وقوع ما جرت تسميته وقتها بالقوة القاهرة، وهي اقتراب سيف القذافي من لحظة ولوج المنافسات الرئاسية النهائية لتلك الانتخابات المغدورة!

وبعودة الهيمنة الأميركية المنفردة على البعثة من جديد، بإخضاعها بهذا التنصيب الانتهازي لسيدة من سيدات مخابراتها المختصة بإدارة التوحش بمناطق النزاع، تكون واشنطن قد قامرت فعلا بمستقبل البعثة الأممية في ليبيا . حيث إنه، في الوقت الذي ستلجأ فيها واشنطن وحليفتها لندن من الآن فصاعدا، إلى نفس الحيلة التي سبق لهما وأن لجأ إليها بفرض ستيفاني وليامز، وهى عرقلة كل جهد لمجلس الأمن الدولي لإيجاد بديل طبيعي لباتيلي

عبر تصديهما معا لكل محاولة للإطاحة بخوري، والتي تعني احتفاظهما بالهيمنة المطلقة على البعثة حتى يفرغا مما خططا للوصول إليه بتنصيب خوري، فان موسكو أيضا لم تتأخر بالرد على هذا الخداع الذي وصفته وسائل إعلام روسية فور تعيين غوتيريس للسيدة خوري، بالتنصيب المتلاعب بالإرادة الدولية، بل وتلميح احدي الصحف الروسية المقربة من الكرملين إلى طبيعة الرد الذي تحضره موسكو علي تمرير خدعة ستيفاني، وهو أن موسكو قد تجد نفسها بوضع لا يلزمها باي مخرجات للبعثة الأممية! بل إنها قد تغير نظرتها لهذه الأخيرة باعتبارها مجرد قسم من أقسام السفارة الأميركية بطرابلس! بل والتهديد -وهذا ما سبق لموسكو أن لوحت به فعلا بمناسبات سابقة- برفض روسيا، وربما الصين أيضا، التجديد لولاية جديدة لـ«أنسميل» في ليبيا، وهو ما اقترب حلول موعده فعلا!

وإذا ما زدنا على هذه الفوضى الدولية في ليبيا، نجاح موسكو بتنفيذ عملية مافيوزية نقدية كبيرة في ليبيا بطبع أموال ليبية من فئة الـ50 دينار خارج نظام الشرعية النقدية التي تفرضها واشنطن، وتسويقها سرا بالسوق المحلي قبل اكتشاف أمرها من جانب واشنطن والبنك المركزي الليبي، وحصول موسكو من وراء هذه العملية على أكثر من 200 مليون دولار هي ديون شركة فاغنر علي قوات الرجمة وهي الأموال التي قام بوتن بتوجيهها رأسا لتطوير قدرات قوته العسكرية الجديدة في ليبيا وأفريقيا، التي أطلق عليها اسم الفيلق الروسي، الذي تعده موسكو ليكون ند وصنو منافس لجيش «أفريكوم» الأميركي الخائض بالقارة السمراء!

فإن هذا التطور الأخير يكون قد فتح مع جملة الأوضاع الراهنة التي تعصف بليبيا اليوم، بابا جديدا من أبواب جهنم بوجوه الليبيين، حيث إنه ما إن اكتشفت واشنطن سر اللعبة المافيوزية الروسية التي نفذتها روسيا بطباعة أموال ليبية بصورة صحيحة من الناحية الفنية وغير شرعية من الناحية القانونية وفقا للقواعد التي يفرضها الأنجلوسكسون على حاكم البنك المركزي في طرابلس، حتى فتحت نيرانها فعلا على الليبيين غضبا من هذا التمويل المافيوزي الروسي، الذي رأت فيه سخرية مريرة منها بملعب كانت تظن وحتى وقت قريب، أن بنكه المركزي، هو لعبتها الخاصة جدا التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، إضافة إلى تقديرها لخطورة هذا التمويل -الذي قد يمون له ما بعده - بتعزيز قدرات الفيلق الروسي، وبما يشكل تهديدا إضافيا لمتاعبها مع موسكو في ليبيا وأفريقيا، إلى جانب خوفها (أي واشنطن) من أن تحسن قدرات الفيلق الروسي العسكرية قد تزيد من أطماع بوتن في ليبيا وأفريقيا، ما سيدفعه إلى توسيع نفوذه الجغرافي فيهما، وإثارته للمزيد من المشاكل والتحديات للوجود الغربي بكلا منهما.

وكان فعلا أن اتجهت النيران الأميركية التي لم تجد غير الليبيين لتنتقم من موسكو فيهم، نحو إجراءين عاجلين ومتوازيين، انطلق الأول من شقين، قام أوله على توجيه أمر فوري إلى محافظ البنك المركزي بإعلان الحرب الآنية على ورقة الخمسين دينارا الروسية المنشأ، واعتبارها مجرما روسيا فارا من العدالة الأميركية يجب ملاحقته وتصفيته فور القبض عليه، وهو ما خلق وضعا بالغ القهر لليبيين، بانتهاء الأمر إلى فوز موسكو بملايين الدولارات، إلى جانب استخدامها لملايين أخرى من النقد المحلي بشراء كميات ضخمة من الشاحنات والسيارات والآليات والهناجر والبيوت الجاهزة ومعدات الورش وكل تجهيزات الدعم اللوجستي لزيادة قدرات فيلقها، بينما غرق الليبيين بالمقابل بتخبطهم بحصد عواقب ومعاناة (تمرميد) التخلص من ورقة الـ50 الملعونة.

وأما الشق الثاني من الإجراء الأول من عملية الانتقام الأميركي من موسكو في الليبيين، فقامت على تحقيرها العاجل لقيمة الدينار الليبي دون أدنى تقدير أو مراعاة لما سيتسبب فيه هذا التحقير من زيادة الضغوط الاقتصادية على كواهل الليبيين المنهكين أصلا، وظهر الأمر كما هو متوقع فعلا، وهو أن كل مصالح الليبيين مجتمعه لا تساوي عند واشنطن ولا حتى جناح بعوضة، طالما أنها ترى بإجراء تدمير الدينار وخراب بيوت الليبيين معه، هو أضعف وأسرع معالجة عاجلة يمكنها اتخاذها لزيادة الخسائر الروسية تحسبا لأي تخطيط لموسكو لتحويل المزيد من أوراق خمسيناتها المطاردة التي قد تكون ماتزال بحوزتها، إلى نقد أجنبي، أو بحال استمرأت موسكو اللعبة وذهبت باتجاه طباعة أموال جديدة، خاصة مع تسريب المخابرات الأميركية لخبر تشييد الروس لمطبعة نقود بشرق البلاد، والتي لا يعلم احد حتى الآن إن كانت حقيقة فعلا، أم أنها مجرد فبركة مخابراتية لتأليب الليبيين والمؤسسات الدولية التي تدعي الحياد ضد روسيا.

بيد أن خبيرا روسيا تبرع بأحد البرامج التلفزيونية بتوصية بلاده باحتمال بروز حاجتها الاستراتيجية قريبا لمساعدة الدول الأفريقية التي فضلت موسكو على باريس، بطباعة أموالها، وذلك تحسبا لانتقام فرنسا المؤكد من هذه الدول برفض طباعة أي إصدارات جديدة من عملتها (السيفا) التي كانت باريس تفرضها على هذه الدول الأفريقية، التي قامت فعليا بطرد القوات الفرنسية منها وتخفيض مستوي تمثيلها الديبلوماسي معها، بل وتجميد كل اتفاقياتها تقريبا مع باريس فيما يشبه قطع العلاقات معها .

ولأن باريس كانت تهيمن كليا على طباعة عملة هذه الدول بل وتحديد قيمتها، فإنه - وبحسب هذا الخبير الروسي - قد تكون موسكو بحاجة ملحة إلى ضرورة تلبية تطلعات هذه الدول الأفريقية إلى التحرر من الاستعمار النقدي الفرنسي، وهو الأمر الذي عبر عنه فعلا عدد من الزعماء الأفارقة بمهاجمتهم بشدة لعملة السيفا التي تفرضها عليهم باريس.

ولأن الولايات المتحدة وروسيا من الدول التي تعتبر مطابعها النقدية مقار سرية، وبالنظر إلى الخطر الذي يمكنه أن يتهدد مطبعة روسية تطبع نقدا افتكته عنوة من باريس، فإنه من غير المستبعد أن تكون موسكو قد قررت فعلا إنشاء مثل هذه المطبعة بمكان سري ما بعيدا عن الأراضي الروسية.

وكان تولي السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، قيادة تنفيذ إجراءات الشق الثاني من الإجراء الأميركي الأول لاحتواء صفعة ورقة الخمسين الروسية، ولقد جاء هذا الإجراء بانتهاكه الجسيم للقانون والبروتوكولات الليبية اقرب ما يكون إلى التقليب بأحشاء جيفة حيوان نافق. لقد كان ريتشارد نورلاند هو أول من حاول زرع خطاب إثارة الذعر بالراي العام الليبي، حول ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الدينار الليبي، مصورا الدينار زورا وبهتانا، (وفي ظل انعدام وجود أي مبررات لهذه الحملة بحسب مصادر فنيه بينها خبراء نقديين مرموقين و مؤسسات مالية دوليه)، وكأنما الدينار الليبي على وشك الانهيار إلى الحضيض، أو ويكأن البنك المركزي الليبي أضحى على وشك إعلان إفلاسه، بحال لم تتقرر وعلى عجل سياسات إنقاذ عاجلة!

وكان فعلا أن نجح نورلاند بتدبير الأمر برمته خلال نقلتي شطرنج فقط، أو قل لقاءين عقدهما مع شخصين من أشد الموالين لحكومة بلاده، حيث كان لقاؤه الأول مع باتيلي، بينما أجرى لقاءه الثاني مع محافظ البنك المركزي، ليعلن ريتشارد هذا بنهاية كل لقاء منهما، بأنه قد ناقش إجراءات حماية الدينار الليبي، وإعادة تكرار جملته المبتذلة التي ما انفك يكررها وهي (ضرورة الحفاظ على استدامة الموارد المالية الليبية)!

ولم تمضِ إلا ساعات عقب لقاء السفير الأميركي الثاني مع المحافظ، حتى قام هذا الأخير برمي كرة تحقير الدينار إلى وكر عقيلة صالح، الذي كان الأميركيون يدركون أنه كان الأفضل لتحمل وزر هذا التحقير، بل واي وزر آخر مهما كانت عواقب تلطيخه لمقترفه، بسبب تعطشه للتقرب من المحافظ، وتعطشه أكثر لمنافسة الدبيبة على رضا الأميركيين.

ولقد كان هذا ما وقع فعلا، فلقد أسرع عقيلة بتبني تنفيذ أوامر نورلاند التي كانت أقرب إلى تقليب أحشاء كلب نافق، وبسرعة لا سابق لها بتخفيض عملة دولة بهذا التحقير المروع، بإصداره لفرمان تحقير الدينار، بل أن عقيلة لم يكتفِ فقط بإصدار فرمانه القراقوشي هذا، والذي يعد انتهاكا جسيما لاختصاص ليس من شأنه، بل أنه تمادى أيضا إلى كسر كل معايير وقواعد وأصول التشريع لأجل نيل رضا واشنطن والمحافظ، وذلك بإصداره لفرمانه المتعلق بموضوع بخطورة تحقير قيمة العملة المحلية و بفارق كبير لابد وان يدمر المصالح الاقتصادية لآلاف المواطنين المنهكين أصلا، دون إفساح أدني مجال أمام أعضاء البرلمان للقيام بمناقشة مستفيضة للموضوع وإجراء التصويت اللازم على قرار التحقير من عدمه، وذلك لمجرد التعجيل بخدمة واشنطن التي كانت في عجلة من أمرها لرفع كلفة شراء النقد الأجنبي على الروس.

هذا.. ولقد سارت واشنطن بهذا المنحى لبلوغ غايتها بتحقير الدينار الليبي، لأنها كانت تعلم يقينا برفض الأغلبية البرلمانية -بحال عرض عليها هذا التحقير النقدي- لتمرير هذا القرار، لعلم واشنطن علم اليقين أنه قرار غير مبرر أصلا، لا من جهة الصلاحية البرلمانية، ولا لجهة الحاجة لهذا التحقير بالنظر إلى الحالة الحقيقية للدينار الليبي على علاتها، ولكون البرلمانيون الليبيون سيكتشفون وبسهولة أن هذا التحقير المبيت لا يمثل إلا مصلحة أميركية خالصة.

هذا إلى جانب يقين واشنطن أيضا من سهولة الطعن بقرار يصدر بشأن تحقير العملة الليبية عن البنك المركزي صاحب الاختصاص الأصيل بهذه المسألة، وذلك بسبب عدم توفر النصاب القانوني بمجلس إدارة البنك، وهي المؤامرة الأخرى التي دبرتها كل من واشنطن ولندن بوقت مبكر من فوضى فبراير لخلق وضع طارئ مكنهما فعلا ولسنوات طويلة، ولا تزال مستمرة، من إطلاق يد المحافظ، الذي هو وكيلهما الحصري، بالأموال الليبية العامة، وليعبثا هما بهذه الأموال من خلاله كيفما شاءا!

حيث تدرك واشنطن تماما هنا، أن أعضاء البرلمان ما كانوا ليتمسكوا تجاه هذه القضية إلا بالوضع القانوني الصحيح (الذي ترفضه واشنطن ولندن والمحافظ بتطرف شديد).. وهو انحياز البرلمان إلى الرأي (دعونا ننجز ما هو شأننا كبرلمان بتعمير مجلس إدارة البنك المركزي من خوائه برده إلى كامل أعضائه، ولينجز مجلس إدارة البنك المركزي المتكامل شأنه، بإقرار السياسة النقدية التي يراها صالحة للبلاد والعباد طالما أن هذا يمثل اختصاصا أصيلا له!).