Atwasat

إسرائيل بيمارستان كبير

علي المجبري الخميس 13 يونيو 2024, 08:14 مساء
علي المجبري

تقول جريدة هآرتس إن نظام الصحة العقلية في إسرائيل يواجه خطر الانهيار بسبب حرب غزة. وإن رؤساء مراكز الصحة العقلية أرسلوا رسالة إلى مراقب الدولة يحذرون فيها من أن نظام الصحة العقلية في إسرائيل يقترب من الانهيار الكامل: «سيد متانياهو إنغلمان: نتوجه إليك بصرخة ويأس، بشأن الوضع الصعب لنظام الصحة النفسية»!

فإسرائيل ما زالت مصدومة من شدة المقاومة وقوتها ومن مجابهة جيل عربي جديد لا ترهبه إسرائيل وهمجيتها في القتال. فمنذ أكثر من ثمانية أشهر تتعرض إسرائيل لضربات المقاومة وكمائنها وقتل جنودها وأسرهم وتحييد سلاحهم من «النقطة صفر»!

.. فقد أحست، بعد 75 سنة من التفوق الموهوم وأكلها الثورين الأبيض والأحمر، أنها ستأكل الثور الأسود، لكنها واجهت جيلاً جديداً من المقاومين، لم تتمن إسرائيل مواجهته!
فإسرائيل التي بنت نفسها على قواعد من الدعاية والادعاء والتظاهر، وجدت نفسها عارية تماماً أمام ضربات لم تستطع الرد عليها إلا بقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.

أما الحقيقة التي لا مفر منها، فهي يقين الإسرائيليين بأنهم أصيبوا في كبريائهم ونفسيتهم وعقلهم إصابات غير مسبوقة ولم يختبروها طوال تاريخهم الحديث. وهذه الانتصارات التي يحققها رجال المقاومة جعلتهم ينتهون في المصحات النفسية والعقلية التي اكتظت بهم في تل أبيب والقدس المحتلة وأسدود وحيفا ومدن أخرى.

فضربات حماس التي وجهتها ضد الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر، وهجماتها داخل وخارج قطاع غزة وفضح قدرات إسرائيل العسكرية، جعلت الآلاف من الجنود يعانون الصدمة، ويدخلون - كما قالت هيئة البث الإسرائيلية - في حالات من البكاء والكوابيس والانهيار.

ففي شهر أكتوبر كشف الجيش الإسرائيلي عن أن نحو 30 ألف جندي اتصلوا بالخط الساخن للصحة النفسية «غيتي»، فُحص منهم عدد 3000 جندي نظامي واحتياط عن طريق ضباط الصحة العقلية.

وقد أعلنت جريدة «يديعوت أحرونوت» لاحقاً أن 2800 منهم دخلوا إلى قائمة إعادة التأهيل النفسي، بينهم 3% يعانون من حالة خطيرة، و18% من مشاكل عقلية بسبب «إجهاد ما بعد الصدمة».

ووفقاً للأرقام الإسرائيلية فإن نسبة تشخيص اضطرابات القلق بين الإسرائيليين زادت عما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، نحو 50%، في ما شهد تشخيص «ما بعد الصدمة» زيادة بنسبة 45%، وارتفع استخدام الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب وأدوية النوم بين الإسرائيليين بنسب مقلقة.

وقد أكد مدراء المراكز الطبية في رسالتهم الصادمة الموجهة إلى هيئة البث الإسرائيلية بتاريخ 31 /12/ 2023 على أنه يوجد 300 ألف إسرائيلي يعانون من مرض نفسي، وأن «عملية طوفان الأقصى» ستضيف لمن يحتاجون إلى العلاج النفسي 300 ألف شخص جديد!

كما اعتبرت الهيئة تزايد حالات الانتحار بين الجنود واضطرابات - ما أطلقت عليه تسمية- «متلازمة الأنفاق» بأنها بيانات كارثية من العسير تجاوزها. إذ قفزت إسرائيل إلى المرتبة الرابعة في معدلات الانتحار أثناء أو بعد الاستشفاء النفسي، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ونقلًا عن الهيئة الطبية الإسرائيلية، فإن 9000 جندي تلقوا علاجاً نفسياً خلال الأشهر الأولى للحرب، منهم نحو 1700 جندي بحاجة للمتابعة بصورة دورية، ووفقاً لرئيس قسم الصحة النفسية في الجيش الإسرائيلي لوسيان ليئور إن نحو 1600 جندي عانوا صدمات الحرب وأعراض التوتر، موضحاً أن ربع الجنود الذين تلقوا العلاج النفسي لم يعودوا إلى القتال في غزة.

كما كشف تقرير صادر عن «المعهد الوطني لأبحاث السياسات الصحية» في إسرائيل عن تخوف من الآثار النفسية على عقول الجنود الذين تأثروا بالمعارك من «النقطة صفر» مع مقاتلي حركة «حماس».

ووفقاً للمجلس الوطني الإسرائيلي للصدمات، وتقرير «ماكينزي» الصادر عنه، قد يصاب ما بين 60 و80 ألف شخص بأعراض تخلف عقلي، بسبب الصدمة من الهجوم المفاجيء والحرب، كما سيصاب ما يصل إلى 550 ألف شخص بأمراض وأزمات نفسية متفاوتة.

واستعرض رئيس جمعية الصحة العقلية في المجتمع الإسرائيلي إيدو لوريا بيانات تتوقع أن يعاني ما يصل إلى 625 ألف شخص في إسرائيل من أضرار نفسية، نتيجة هجمات «حماس» والحرب التي أعقبتها على قطاع غزة. ووصف هذه التداعيات النفسية والعقلية، بأنها تجري في إطار حدث فريد من نوعه، وهو هجوم ضخم، لم تستوعيه إسرائيل.

وكانت جريدة «هآرتس» حذرت - في تقرير لها أصدرته بداية العام - أن نظام الصحة العقلية في إسرائيل يواجه خطر الانهيار، لا سيما مع مغادرة عشرات الأطباء النفسيين إلى بريطانيا، بحثاً عن ظروف حياة أكثر استقراراً، وبسبب ارتفاع أعداد الإسرائيليين الذين يعانون من أمراض نفسية، وعجزهم عن التعامل مع الأعداد الهائلة من المرضى التي وصلت إليهم بعد السابع من أكتوبر الماضي؛.. فإسرائيل تحتاج اليوم إلى إضافة 1000 طبيب نفسي وعقلي، وبشكل عاجل!
وتشكل هجرة الأطباء النفسيين حالياً ضربة كبيرة تؤخر -أو تمنع- إعادة الجنود المصابين إلى ساحات القتال. الأمر الذي جعل إسرائيل -وفق تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية- تستعين بمتطوعين لتلبية الاحتياجات المتزايدة في علاج المرضى النفسيين من الجنود والجمهور.
وقد فاقم هذا الأمر تجنيد أكثر من ربع موظفي المستشفيات النفسية والعقلية المهنيين في قوات الاحتياط، كما أن أجنحة مستشفيات الأمراض النفسية أصبحت مكتظة ومثقلة بالأعباء، مما فاقم فيها أعمال العنف. وهذا ما لاحظه ونوه عنه البروفيسور غيل سالزمان، مدير مركز غيها للصحة النفسية في كلاليت: «في الجناح المغلق، الاكتظاظ يساوي العنف بين المرضى، أو بين المرضى والموظفين».

وبحسب البيانات التي قدمتها المستشفيات التي تعالج الجنود، فإن عدد الجرحى والمصابين بأمراض نفسية أعلى من العدد الذي نشره «الجيش الإسرائيلي» رسمياً والذي أبلغ عن أرقام أقل بكثير من الإصابات؛ فقد قام الجيش، بتعريف 91% من المرضى على أنهم مصابون بإصابات طفيفة، و6% بإصابات متوسطة و3% بإصابات خطيرة، في حين تقول المستشفيات أن 48% من المرضى أصيبوا في أطرافهم!
وبسبب الضربات التي تلقاها الجيش الإسرائيلي والإصابات النفسية والعقلية المصاحبة لها فقد أطلق الأطباء والخبراء النفسيون مصطلح «متلازمة طوفان الأقصى» على الإصابات النفسية الحادة التي يعاني منها العائدون من غزة. وكان على رأس هذه الإصابات حالة «فخاخ القسّام» التي جعلت جنود الجيش الإسرائيلي يقتلون رفاقهم ويدهسون سيارات جنودهم بالدبابات ويتجاهلون استغاثات الرهائن الإسرائيليين ويقومون بقتلهم خوفا من «فخاخ القسّام»!

فالإسرائيليون يدفعون ثمناً باهظاً في الأرواح والإصابات الجسدية والنفسية، كما ذكر موقع «واي نت» العبري. حيث بلغت خسائر إسرائيل في قطاع غزة، 3 أضعاف خسائرها بحرب لبنان الثانية العام 2006. وقد كشفت أرقام الهيئة الطبية الإسرائيلية تضاعف معدل الوفيات بين الجرحى، وارتفاع نسبة الإصابات الخطيرة بين الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من ساحات المعارك.
فحرب غزة لم تكن نزهة للجنود الإسرائيليين؛ فيجهزون «التورتة» ويدخلون القطاع ويقتلون المقاومين ويفجرون الأنفاق ثم يعودون بعد بضعة أيام برأس «السنوار» وتنتهي حكاية غزة! لقد علموا أن الأمر أكبر بكثير من أحلامهم الوردية وأن النزهة المتخيلة تحولت إلى كوابيس لا تنتهي حتى إننا رأينا جنود لواء غولاني -بعد عودتهم من قطاع غزة- يحتفلون بأنهم ما زالوا على قيد الحياة!
.. لقد تعفنت «التورتة» قبل أن يتمكنوا من اقتسامها احتفالاً بإبادة المقاومة وقطع رأس السنوار!!
فالجندي الإسرائيلي أصبح يتحطم ويتعرى ويهزم في كل ساعة يقضيها داخل أراضي غزة. حتى إن هؤلاء الجنود عجزوا عن التنبؤ ولو بنسبة 1% بزمان ومكان ظهور مقاومي حماس من تحت الأرض والعودة إلى أنفاقهم من جديد. وقال موقع «واللا» الإسرائيلي إن شراسة قتال «حماس» سببت صدمات واضطرابات للجنود العائدين من غزة. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن المستشفيات تحقن الجنود المصدومين نفسياً بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم، كما يتواجد داخل المستشفيات الإسرائيلية جنود ومستوطنون يعيشون في الأغلال بسبب تدهور حالتهم النفسية والعقلية!

وقد ذكرت المصادر الإسرائيلية أن من بين المحتجزين في المستشفيات جندياً من لواء المظليين فتح النار بشكل عشوائي على زملائه بعد استيقاظه من كابوس مروع، وعائداً من غزة أصاب عدداً من الجنود بعد إطلاقه النار في غرفة مكث فيها الجنود في معسكر للجيش في عسقلان. وجندي من الكتيبة 890 استيقظ مذعوراً من كابوس في الليل، وأطلق النار على حائط في غرفة خلال مكوث جنود آخرين فيها، مما أسفر عن إصابتهم بجروح متنوعة.

في حين رصد الكنيست الإسرائيلي حالة انهيار جنود شاركوا في الحرب على غزة، كانوا يبكون ويصرخون أمام لجنتي الدفاع والأمن القومي.

فإسرائيل، التي تشكلت سنة 1947من عصابات مسلحة، وسقطت على يد حماس وانكسرت وتعرت و«انكشف ضعفُها وبان» لم تكن يوماً دولة، كما أن مواطنيها ليسوا إلا «جمهورها» المتعصب الذي يتعالج في 100 مصحةٍ نفسية وعقلية داخل إسرائيل!

فما بين العامين 2023 و2024 فضحت حماس «أسطورة الجيش الذي لا يقهر»، وهزمت وقتلت وأسرت من تراهم إسرائيل «جنوداً من الآلهة»!. أما جمهورها الذي كان يقذف الآخرين بالحجارة والزجاجات الفارغة فقد أصبح يتنقل بين المخابيء والملاجيء بعيون حمراء كالشفق!

لقد أدهشتهم وحيرتهم كتائب «حماس» التي يعلنون كل يوم أنهم قضوا عليها وفككوها؛ ليتفاجأوا في اليوم نفسه بأنها تتصدى لهم قتلاً وأسراً وإرعاباً!.. فهؤلاء لم يدركوا بعد أن كتائب غزة هي «الخالدة»؛ ولم يتصوروا أن «الكتيبة» في غزة لا تنقص أبداً؛ فما إن تفقد مقاتلاً حتى يُستبدل بآخر يُبقي الكتيبة كاملة متماسكة!

وهذه الكتائب «الخالدة»، هي التي حولت إسرائيل إلى بيمارستان كبير، وجعلت «جمهورها»، يقذف حتى نتنياهو وغالانت بالحجارة والزجاجات الفارغة!

هامش:
1- بيمارستان: كلمة من أصل فارسي، كانت تطلق على المستشفيات عامة، ثم أصبحت تعني مأوى المجانين.
2- متلازمة الأنفاق: تسمية لحالة مرضية تصيب الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون في قطاع غزة، ظهرت بعد 7 أكتوبر 2023، وينتح عنها نوع حاد ونادر من الاضطرابات العقلية.