Atwasat

البدري في أطروحة جامعية

أمين مازن الأحد 16 يونيو 2024, 10:14 مساء
أمين مازن

لم أستغرب كثيرًا الاتصال الهاتفي الذي خصّني به الدارس الجامعي ناصر البرغثي أحد مواطني بلدة توكرة والمقيمين بها والمنحدرين من مُكوَّن البراغثة، مُرجِعًا داعي اتصاله إلى اعتزامه إعداد رسالة جامعية لنيل درجة الماجستير، اختار لها موضوعًا شخصية السياسي الليبي الشهير عبدالقادر البدري أحد رؤساء الحكومات في العهد الملكي والذي رافق الدولة الليبية من مدخل مجلس النواب بداية من مجلس حكومة برقة الذي انتُخِبَ عقب الاستقلال مباشرة ليكون ضمن آخر مجموعة عينها الملك إدريس.

في آخر مجلسٍ للشيوخ زيدَ ثمانية عشرة من أعضائه في مرسوم وقعه إلى جانب الملك رئيس الوزراء عبد الحميد البكوش، تلك العضوية التي لم يُخف الشيخ عبد الحميد العبّار تحسسه منها إذ رآها منذِرة باحتمال تولية رئاسة المجلس المذكور للسيد البدري بوصفه يماثل العبّار في الإقليم البرقاوي والمكون العقوري ويزيد عليه أهلية بالقدرة العمرية، وفي صفحة البيانات برئاسة الوزراء وقبلها مجموعة الوزارات التي حمل حقائبها منذ الستينيات لولا أن الملك الذي بلغ به اليأس أقصى درجاته، فعجز عن استيعاب يقظة البكوش وقبل ذلك شجاعة البدري في حفظ الأمن بقوة السلاح، فترك الجميع وفضّلَ إجازة الصيف التي استمرت شهورًا ومُدُنًا ودولًا، ورئيسًا للوزراء مثالًا للأخلاق والصدق والإدارة، لولا أن مصائر الشعوب لا تُصان بالأخلاق بقدر ما تحتاج للشيطنة والمقدرة على التحرك.

 وليس العجز الذي جعل العبّار يحفظ استقالة الملك بين جلده ولحمه كما يقولون، فيما تكفّل فهم وهدوء وصمت ونيس القذافي أن يضمن له كشخص في آخر لحظة القفز من العربة وهو الجدير بكل خير من مفارقات ذلك اليوم الذي أصبح فيه عاليها سافلها، والمعنى هنا، العالي لا يعني المرتفع كما أن الأسفل ليس بالضرورة المنخفض، وأعود إلى السيد البدري فأؤكد أن ما نشرتُ عنه كان عن متابعتي لأعمال مجلس النواب ونشاطه الظاهر في الأسئلة والمناقشة، حتى إنه كان أحد الذين تبنوا مطلب الاعتراف بالصين الشعبية وأحد الذين لهم موقفهم مما فاح عن «مشروع طريق فزان» من روائح غير طيبة انتهت بسقوط الحكومة وتشكيل محمد بن عثمان الصيد الذي احتل فيها مكانة مرموقة ليس بالحقيبة الوزارية.

وحسب وإنما قوة التواصل مع مختلف الأطياف وتعاطفه الجيد مع الحرفيين عندما حمل حقيبة الصناعة واشتهر بحض أصحاب المشاريع على توسيع نشاطهم مبديًا استعداده لتمكينهم من القروض الصناعية التي بدأ العمل بها وساعدت على تطوير إمكانات الكثير من رجال الأعمال، هي تصرفات كنا نرصدها في نشاطنا الصحفي الذي لم أكن شخصيًّا متفرغًا له إلا أن عمق العلاقة مع الراحل فاضل المسعودي وسعة المساحة في جريدته «الميدان» جعلني أحضر باسم الجريدة لأستمع وأسأل وأُعلّق، الأمر الذي لم يرق لبعض الذين يخلطون بين المنافسة والسلطة وقد أقول الغيرة، فكان أن تلقيت رسالة لفت نظر لحضوري اللقاءات التي نظمها البدري وشرح فيها أعماله.

إنها الرسائل التي لم أُتلِفها ولم أُظهر عليها مكتب الادعاء العام عند فتح ملف تضليل الرأي العام، فأتخذُ منها مستمسكًا لتصفية الحسابات وربما خيّلَ للبعض أن تكون ضمن ما يوضع تحت تصرف العهد الثوري، عندما فاتهم أن الخلاف شيء والشماتة شيء آخر، وبالجملة فإن شخصية مثل عبد القادر البدري جديرة بالدراسة لنيل الماجستير وحتى الدكتوراه إذا ما مُهّدَ لها بتناول المرحلة والوسط والأطراف المجاورة والصراع الدائم حول الأرض والسلطة والجهاد والصلح والهجرة والعودة، فقد اجتهد وربما أصاب ليستحق الأجرين، وربما دون ذلك فله أجر واحد.