Atwasat

وتغير التمثيل الثقافي للجسد (8)

محمد عقيلة العمامي 4 أيام
محمد عقيلة العمامي

يبدع الأستاذ عبدالله محمد الغذامي في القسم (11) التمثيل الثقافي للجسد، ويثريه بفقرة بليغة تبرز بوضوح التشابك الدلالي في تسمية الأشياء، يقول: «المرأة غزال من حيث تمثيلاتها الجسدية، والكلام عنها (غزل) والغزل والغزال إشارتان متصاحبتان في بلاغة الثقافة وفي فطنتها..». ويزيد عن ذلك، انتقاء، وتوظيف هذا الوصف الذي خلق في خيالي لوحة بديعة ملونة من البيئة العربية التي لا يعرفها سوى راع عربي ذكي وبليغ عندما شبه أنثى باذخة بــ (غزالة) بيت شعري أجاد المؤلف انتقاءه: (يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة *** ولا الصدور على الأعجاز تتكل) بل نافرة نحو السماء، مما جعلتني أضيف، دون إرادتي، فيما: «تَمشِي الهُوَينَا كَمَا يَمشِي الوَجي الوَحِلُ."

والحقيقة، وهي التي أكدها الأستاذ الغذامي، أن توظيف واستخدام الجسد المؤنث بلغ مداه الثقافي في بعده الخيالي، وبالتأكيد اللغوي. مبرزا في الوقت نفسه أن تمثل الأنوثة بوصفها صفحة نقية بيضاء، كأي صفحة مفتوحة والقلم بجانبها جاهزة لاستقبال ما يخطه القلم، وتصبح بالورقة ما يتعين أن ينقل، وقد يثبت ويتوارث فوق ذلك يتوالد! صار الجسد المؤنث صفحات ينقش فوقها، ويكتب عليها وتنقل ما تحمله من دون «تدخل أو تحريف أو اعتراض». وكان قبول المرأة به يبهجها وتتناقله هي وأهلها ورفيقاتها إلى الأجيال بلا تدخل منها أو اعتراض!.

إن الجسد المؤنث يتعين أن يكون، في أي موقع عام، نظيفا أنيقا جميلا، وهي بالضرورة تعمل جاهدة على تقديمه بهذه الكيفية، وفي الغالب هذه الكيفية والصورة ليست تلك الطبيعية التي ولدت بها، ولكن بمحسنات، ومواصفات صنعتها ثقافة المجتمع – على سبيل المثال لم تولد أنثى بوشم أخضر براق، ولكنها ثقافة رأت أن يزينها ويزيدها قبولا عند الذكر. وكذلك الحلي والملابس والألوان والحناء والكثير من أدوات الزينة. أصبح الجسد يتحرك ويتنفس وفق الجمال الصناعي، وحسب «مواصفات الحس البلاغي». إذ تدخل الحريصون على رونق الأنثى، واعترضوا على توصيف الشاعر القطامي مشية أنثاهم وأكدوا أنه لو جعل وصفه للنساء دون النوق لكان أفضل، مع أنني أراه شخصيا غاية في دقة التوصيف!

والحقيقة أن شعراء، ذلك العصر، كانوا يصفون ويقارنون بما يرونه ببيئتهم، ومما لا شك فيه أن في عصرنا الراهن الكثير من التشبيهات تتأسس على جماد ونقبلها، فالحقيقة في كل الأزمان هي أن التمثيل الثقافي للجسد، مخصص للمرأة، وفق معايير الجمال في وقت التوصيف، فمن يصف، على سبيل المثال، في هذا الزمن أنثاه بخرساء الأساور؟ فلقد أصبحت الجميلة الفاتنة في هذا الزمن هي تلك الرشيقة، التي تتحرك بخفة وسرعة ورشاقة من فوق كعب طويل وساق رقيق، وليس كتلك التي تمشي الهوينا بأساور ملتصقات بذراعيها لا تتلامس ولا يصدر عنها أي رنين، يعلن قدومها.