Atwasat

دِفْ تُولع

جمعة بوكليب 2 يوم
جمعة بوكليب

العنوانُ أعلاه تعبيرٌ، أو مثلٌ شعبي ليبي، دخل المعجم اللغوي اليومي بعد انتشار السيارات في ليبيا. والمقصود به أن دفع السيارة من الخلف، إن أبت التحرك، أو توقفت بسائقها فجأة في الطريق، لسبب من الأسباب، قد يؤدي إلى استجابة المُحرك، وعودتها إلى أداء وظيفتها، واستعادة عافيتها والسير على الطرق. الدفع من الخلف (الدف) يتمّ عبر أكثر من شخص في العادة، وأحياناً بشخص واحد. وكل كبير وقدره!

التعبيرُ أو المثلُ أُستعير للاستخدام في الحياة اليومية. وحسب استيعابي الشخصي، يقال من باب التصبير والتشجيع، لدى تعرّض صديق أو زميل أو قريب إلى مشكلة عائلية أو مهنية أو مالية.. إلخ، فيردد على مسمعه المثل، بمعنى أنّه ليس عليه سوى التحمّل قليلاً والتجمّل بالصبر، والأمور تعود بعد وقت إلى سابق عهدها.

في حالة السيارة المتوقفة كميّت، الدفع قد يجدي أحياناً في عودتها إلى الحياة، ولوكان من قبل شخص واحد. وأحياناً لا يجدي ولو كان بفعل عشرة أشخاص. وما ينطبق على السيارة ينطبق على الأشخاص. فأحياناً ينفع التحمّل والصبر في تصريف الأمور، وربما عودة المياه إلى مجاريها، وأحياناً... «فيك ياوادي».

«دِفْ تولع»
الدنيا كما نعرفها لا تتغير. بمعنى أنها لا تخلو، ولن تخلو، من مشاكل. والمشاكل ليس سببها الدنيا، بل سببها أهل الدنيا من البشر. والبشر، أفراداً وجماعات أمماً وشعوباً، لا يستطيعون العيش في سلام وتعاون وتآخ وحبّ طوال الوقت. فالحياة الدنيا، كما نعرف، ليست فردوساً أرضياً. وأحوال أهل الدنيا، كما تقول أغنية شعبية مصرية، «حبة فوق وحبة تحت». والمشاكل والأزمات تنفجر حين يكون البشر في وضعية «حبة تحت». والتحتُ تحتان: بسيط ومعقد. الفرق بينهما أن البسيط قد «يولع بالدف»، والمعقد لا ينفع فيه دف. والمعنى، «حصلتك يابوالعمايل» إذا كانت مشكلتك من النوع الثاني.

«دِفْ تُولع»
ولو ما ولعتْ، حاول من جديد. فأنت بطبعك البشري لا تستطيع التوقف أمام باب مغلق. إذ لا بد أن تحاول فتحه. تبدأ أولا بالطَرق عليه، وانتظار أن يفتح لك مَنْ بالداخل. وحين تملّ من الانتظار، تبحثُ عن حلول أخرى. وتنتهي أخيراً بمحاولة فتحه باستخدام القوة، والدخول. في تلك اللحظة، تجد نفسك في وضعية غير قانونية، تعرضك لعقوبات القانون والتقاليد والأعراف. وإذا كنتَ صاحبَ حقّ تُضيّع بفعلك ذاك حقك. وتكتشفُ أن البشر من حولك تحولوا إلى حكماء، هكذا فجأة، وفي أقل من رمشة عين. تراهم يهزّون رؤوسهم تأسفاً على ما فعلت. ومهما حاولت أن تشرح لهم الأمر، وأنك استخدمت كل الطرق القانونية والمشروعة، ولم يفتح لك الباب، لكنهم لا يسمعونك. بل يواصلون هزّ رؤوسهم الغبيّة تأسفاً مزيّفاً.

«دِفْ تُولع»
ولو ما ولعتْ؟ اتركها على الطريق وتوكل. فلكل حبة فول مسوّسة كيال أعور. وواصل رحلتك من دونها. حتى وإن كانت نقطة الوصول بعيدة. أنت ملزمٌ بالوصول إلى نقطتك/ هدفك، وليس مهماً نوعية الوسيلة. هذا ما فعله الأنبياء من قبل، وهذا ما تركه لنا العظماء من حكم وتجارب وخبرات.

التوقفُ في المكان يعني الموت. العودةُ إلى الوراء تعني تضييع وقت ثمين لن يعوّض في مسيرتك الحياتية، ويحول بينك وبين تحقيق الهدف. فقط واصل السير على قدميك. حتى وإن كنت مرهقاً تعباً. المشكلة الوحيدة العصيّة هي إذا توقفت بك السيارة في الطريق، ولم يكن معك رفيق، وكنتَ مثلي قد بلغت سن الشيخوخة. هناك لا أحد بمقدوره التبرع بنصيحتك لما يجب عليك فعله، إلا إذا كان في عمرك، وعاني ما عانيت، ويقود سيارة في عمر سيارتك، وأكل من مقالب بائعي السيارات ما يكفي.

«دِفْ تُولع»
وإذا لم تجد من يتبرع بدفّها؟

عليك أن تجد حلاً، إذا أردت مواصلة الرحلة. والحلول قد تكون متوافرة، لكن ارتباكك وانقطاعك في الطريق، يؤثر سلبياً على تفكيرك. فكن حذراً من الارتباك. الطرقُ صممت وعُبدت لتعبر فوقها السيارات والبشر. حتى في أكثر الطرق انقطاعاً عن الحياة، إذا اخترت الانتظار، بعد فشل كل محاولاتك، فإن أحداً ما سيمر بك في سيارته، أو على قدميه. فأنت لن تكون وحدك على الطريق كل عمرك. هناك مسافات تقطعها وحيداً، ولا مهرب لك منها. «وزي الناس لا بأس».

«دِفْ تُولع».

«وكان ما ولعت؟»
«أجعلها ما ولعت»

اتركها وامضِ. فحين جئتَ إلى الدنيا لم تكن تقود سيارة. وما ولدتَ دونه تستطيع العيش دونه. ولا بأس أن تخفف من غضبك وإحباطك بلعن الذي باعك إياها. ولا تنسَ أن تلعن نفسك أيضاً، لأنّك، بغباء لا يُصدق، منحته ثقتك. وواصل الرحلة وحيداً سيراً على قدميك، أو حبوّاً على أربع، لكن لا تلتفت للخلف مطلقاً.