Atwasat

«الإقامة في الشعر» *

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 16 يونيو 2024, 10:07 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

هذا كتاب فريد، متفرد، فرداني.. وسأضيف، دون تحفظ ودون إحساس بالمبالغة والشطط، عبر العصور وفي جميع اللغات!

كتاب أبدعه شاعران ليبيان مرموقان، هما الشاعر العالمي والمترجم عاشور الطويبي (مما يعرف بجيل السبعينات) والشاعر والكاتب سالم العوكلي (من جيل الثمانينات).

كتاب ينبض بمراسلات تبادلاها عبر سنوات.

وهو كتاب يجيش بالشعر والشعرية في النثر والقصائد، مؤلفة من قبلهما أو مترجمة من قبل عاشور.

كتاب ينطوي على ثروة من الفلسفة والتنظير الأدبي والتأمل الخلاق وأيضا السرد. وقبل ذلك وأثناءه وبعده تُترع أعطافه صداقة راقية وود دافئ حميم وتقدير سخي.

إنه كتاب «أثر الطائر في الهواء»**.

ثمة قانون فيزيائي صيغ بشعرية يعرف بـ «أثر الفراشة» يعبر عن «التفاعل الشامل» الساري في الكون حيث يمكن أن تلعب، في إطار هذا التفاعل الشامل، تأثيرات بسيطة لا يمكن قياسها تأثيرا كبيرا في أصقاع بعيدة، حيث يمكن لرفرفة أجنحة فراشة في ككلة أن تسهم في حدوث عاصفة في نيو زلندا!

فما بالك إذا كنا هنا إزاء طائر يحلق «ضاربا» بجناحيه في الفضاء.

الطائر يعقد صلة بين السماء (معبرا عنها بالهواء أو الفضاء) والأرض. فهو، مهما استغرق تحليقه وعلا، عائد ولا بد إلى الأرض.

يطير في السماء عاليا ليستكف الأرض. علوه هذا يمنحه معرفة، ليس بالسماء، وإنما بالأرض. ثم يحط على الأرض مصدر غذائه وشربه ومحل ومأواه. إنه، بمعنى ما، رسول بين السماء والأرض.. لكنه رسول نفعي مصلحي يأخذ مقابلا على إبلاغ رسائله.

الطائر هنا رمز للشاعر، والهواء رمز لآفاق الخيال. وقد تكون العلاقة هنا تسير باتجاه معاكس لعلاقة الطائر بالأرض والسماء. ذلك أن الشاعر يمتح مفردات شعره من الأرض ويحلق بها في دنيا الخيال ليضعها تحت مؤثرات جديدة تكشف عن أبعادها الشعرية والجمالية الكامنة. إنه «يؤرجحها» في فضاء فسيح ويستنطقها فتبوح له طوعا بمكنوناتها. وهنا أيضا يكون التحليق في السماء (دنيا الخيال) وسيط المعرفة، وأيضا الجمال.

* العبارة كررها سالم العوكلي أكثر من مرة.
** سالم العوكلي، عاشور الطويبي، أثر الطائر في الهواء. رسائل. دار الفرجاني. 2023.