Atwasat

المتحولون

منصور بوشناف الخميس 13 يونيو 2024, 10:00 مساء
منصور بوشناف

تقدم وسائل الإعلام الأوروبية والأميريكية «إيان هرديز علي» كمثقفة وناشطة حقوقية جاءت إلى أوروبا من الصومال هاربة من الاضطهاد والحرب، وتلك سيرة عادية ومعتادة، فقد كانت أوروبا ملاذا للمضطهدين من بلدان العالم الثالث، وكان للصوماليين النصيب الأكبر في ذلك الملاذ نتيجة للحرب الأهلية ولسيطرة الإسلام المتطرف على البلاد.

«إيان علي» جاءت من خلفية قبلية إسلامية، تضطهد المرأة وتربي أبناءها على كره الآخر وخاصة اليهود، كما تقول. انتمت لحركة الإخوان المسلمين وتنقلت قبل أن تصل إلى هولندا بين السعودية والسودان دون أن تجد الأمان ولا القدرة على أن تعيش حياتها مستقلة.

في هولندا، تقول إيان علي «وجدت مجتمعا رائعا ولم أشعر بأي تمييز عنصري ولا جندري بل انطلقت للحياة في هولندا كمهاجرة صومالية مسلمة، أحافظ على هويتي الإسلامية حتى الحادي عشر من سبتمبر، حين ضرب بن لادن أميركا، بعد تلك الضربة بدأت أفكر وأتساءل عن هذا الدين الذي يرسل الموت والإرهاب ويهدد السلام العالمي».

«إيان» تحولت إلى الإلحاد معتبرة الأديان، وعلى رأسها الإسلام، خطرا على الإنسانية، ولكن ذلك الإلحاد لم يستمر طويلا فقد اقتنعت بأن المسيحية واليهودية ليستا كذلك واعتنقت المسيحية، ليظل الإسلام الخطر الوحيد على الحضارة الأوروبية، كما تقول، فهو الدين الوحيد من بين الأديان الذي يزرع في أتباعه عداء السامية وعداء الآخر ويبشر أتباعه بالجنة عبر قتل الآخر (الكافر).

«إيان علي» تواصل تحولها الماراثوني كمسيحية ليبرالية كما تقول، لتكون محطتها الأخيرة «الصهيونية» واليمين المتطرف، تتنقل من تجمع صهيوني إلى آخر يميني «فاشي» داعية في محاضراتها وحواراتها إلى تغيير قوانين الهجرة وحرية الاعتقاد والتعبير وفرض «الإيمان» بالقيم الأوروبية «المسيحية» ومنع أي معتقد يخالفها.

«إيان علي» تدعو صراحة إلى إقامة محاكم تفتيش دفاعا عن ليبرالية اليمين المتطرف، فخطر الإسلام على أوروبا وأميركا مخيف كما ترى، فلقد اخترق الإسلاميون الجامعات الأميركية والأوروبية العريقة وحولوا طلابها إلى أعداء للسامية ومؤيدين لحماس ويرفعون شعارات «فلسطين من البحر إلى النهر».

«إيان علي» تردد هذه الأيام الرواية الإسرائيلية عن حرب غزة، فالنساء الإسرائيليات تعرضن للاغتصاب والقتل وقطع رؤوس الرضع وخطف النساء والأطفال وسبب ذلك، كما ترى «إيان علي» هو العقيدة الإسلامية التي تزرع في أتباعها أن تلك الأفعال هي الطريق إلى الجنة.

تحولات «إيان علي» المتعددة والمتناقضة تمثل حالة متطرفة وحادة لتحولات أبناء العالم الثالث المهاجرين الذين عانوا الاضطهاد والتطرف في بلادهم، إلى جانب الفقر والحرمان، حيث يصدمون بمجرد اندماجهم في المجتمع الجديد بتخلف ولا إنسانية مجتمعهم الذي فروا منه، بل وتوحشه.

قتل الذات الأولى التي تشكلت في مجتمعهم القديم للاندماج في مجتمعهم الجديد تظهر في الكثير من حالات المهاجرين على نحو حاد ومتطرف فيكفر الكثير منهم بكل قيم المجتمع القديم ويبدأ في خوض جهاده الوجودي ضد ذاته القديمة ليصل إلى ما وصلت إليه «إيان علي» من عداء لكل ما يمثل مجتمعها القديم، ودعوتها لحرب إبادة ضد الإسلام والمسلمين أخذا بثأرها من بني جنسها ولونها ودينها.

«إيان علي» تجد المنقذ لها وشريكها في جهادها ضد بني جنسها ولون بشرتها ودينها في «الصهيونية» واليمين الأوروبي المتطرف، بل وتعبر عن رعبها وإحساسها بأن الدين الذي هربت منه يطاردها في أوروبا لتصبح أداة ممتازة للدعاية الصهيونية ضد المسلمين والفلسطينيين هذه الأيام.

قد لا تبدو حالة «إيان علي» غريبة تماما نظرا لما تعرضت له من اضطهاد باسم الإسلام في مجتمعها، ولكن حالات المتحولين إلى «إيان» الذين لم يعانوا الاضطهاد ولم يهاجروا، بل يعيشون ويحكمون في بلداننا العربية والإسلامية ويتحولون إلى صهاينة متطرفين ضدنا هي الحالات الأغرب والأكثر رعبا.