Atwasat

السلام المغدور!

أحمد الفيتوري 2 يوم
أحمد الفيتوري

1-
ولدتُ غب الحرب الكبرى الثانية، فكانت حرب السويس 1956م، واحتلال الاتحاد السوفيتي للمجر عقب ثورة بودابست، ثم حرب الجزائر، وغب الثورة حربها مع المغرب!، فالحرب الأهلية النيجيرية (إقليم بيافرا)، ثم حروب شرق آسيا، ما أشهرها حرب الولايات المتحدة مع فيتنام، فحروب الدول الأفريقية، ضد الدولة المُستعمرة، البرتغال، وبلجيكا، وطبعًا، بريطانيا، وفرنسا، والحروب العربية، ضد الدولة الصهيونية، عامي 1967 و1973م، وغيرها من السنوات، فالحرب الأهلية اليمنية، واللبنانية، فالأيرلندية، والباسك في إسبانيا، وما لا حصر لها في أميركا اللاتينية، ثم في دول الاتحاد السوفيتي، والاتحاد اليوغوسلافي، عقب سقوط سور برلين.

منذ عرفتُ، الراديو، الصحف، التلفزيون، الخبر الأول «الحرب»، والكثير مما شاهدت في السينما، وقرأت في الآداب، يدور حول الحرب، منذ حرب البسوس، حتى حرب طروادة، إلى الحربين الكبيرتين الأوروبيتين، حتى يمكنني أن أختزل العمر، في مفردة الحرب، أما السلام، فكان كما الحلم أو الأمنية. وخلال هذا العمر، كثيرًا ما مسني من الحرب مسٌّ ما، كأن ينفجر لغم، من بقايا الحروب الأوربية في بلادي، في أحد الجيران الفقراء، من منهم يتاجر في مخلفات الحرب، أو يحاول الحصول على (الجلاطينا) الديناميت، لغرض صيد الأسماك، وكان بجانب بيتنا، في حي الصابري، مخزن ضخم لمخلفات تلكم الحرب، التي تبادل جيوشها مدينتي بنغازي، أكثر من مرة، مرة يدخلها حلفاء (بريطانيا وفرنسا وأميركا وروسيا)، مرة يستردها المحور (إيطاليا وألمانيا واليابان)، ولقد كانت ليبيا بحكم الجغرافيا، ساحة مميزة لتلك الحروب، خاصة مدينتي بنغازي وطبرق، من ذاقتا الويلات.

2-
الناظر إلى الوراء، يرى أن عقب الحرب الكبرى الثانية، عششت الحرب في الشرق الأوسط ومحيطه. حيث لا تنطفيء حرب صغيرة، حتى تشتعل أخرى كبيرة أو صغيرة. فإذا كانت الحرب الكبرى الثانية توقفت في 1946، وفي الشمال الأفريقي بمعركة العلمين، فقد بدأت حرب فلسطين 1948، التي لم تنته بعد. والمعضلة ليست الحرب فحسب، لكنها حرب متسلسلة، فهي بمعنى ما نتاج الحرب الكبرى الثانية، تلك الحرب ما يحتفل الغرب والشرق، بذكرى توقفها كل عام ومنذ عقود.

ومن جهة أخرى، فإن الحرب الساخنة، إذا تم نوع من الوفاق، تتحول إلى حرب باردة، فحرب فلسطين يمكن التوكيد أنها منذ 1973، اتخذت مسار الحرب الباردة، ما تصنع الحروب الساخنة، وتساهم في تدهور الوضع الأمني في محيطها. كما هو جارٍ في لبنان منذ 1975 ما يتقلب على سطح صفيح ساخن، حيث سخن مؤخرًا في فرن غزة.

هذه الأزمة الكبرى، أن الشرق الأوسط مصاب بداء عضال، فقد بات الوارث غير الشرعي منذ 1946 للحروب الأوروبية، التي تعد القوى العظمى، لوسط الأرض وخصر الأوسط، وهكذا الشرق الأوسط مركز الكرة وعالمها القديم، بات كما ملعب للحروب، الحروب بالوكالة أو بما يشبهها، أو أرض تجارب للمستجد، مثلما الحرب السيبرانية الناشئة.

وهذا نتاج الجغرافيا ما أعتقد أن السرعة كما اللاسلكي تتخطاها، فما بالك بالسيبرانية، ما وكدت أن الحديقة الخلفية لأوروبا ما زالت كذاك، وأن العالم القديم ما زال قديمًا يغوص في أسطورته.

إذا ما قفزنا عن المعضلات البنيوية، فإننا سنجد على طاولة اللحظة الآنية، دعوات لاستقرار المنطقة، ما قلبُها الجغرافي العربي مضطرب، فمتوتر خلال هذه الألفية أكثر من أي مجال آخر، وما يساهم في ذلك اضطراب جواره بؤرة بركان العالم، ما رغم ضآلة حجمهما عظم أمرهما.

وليس ممكنًا البتة استقرار مجال وما حوله غير مستقر، وعلّ استذكار الحال خلال المرحلة الماضية القريبة، يبين أن ما جرى في بؤرة البركان، كان مغذيًا لتصعيد تفاقم الأوضاع المتفاقمة، وكل محاولة جادة، لابد أن تعمل على إطفاء نيران الجيران قبل وبعد.

ومن هذا توسعت الحروب الصغيرة، كحروب أهلية لم تهدد البلاد المندلعة فيها فحسب، فالحرب الأهلية السورية، كانت من خوارزميات غزوة الكابيتول، كما كانت قاعدة غزوة نيويورك الحرب الأفغانية، فالعالم الواسع خرم إبرة، وإن زاد ثقب مفتاح باب.

الوفاق الفلسطيني، ليس من الضرورة دعمه فحسب، بل لابد مما ليس منه بد، فمن فلسطين الشرر ومنها يمكن تحقيق حد أدنى من الاستقرار في الزمان والمكان المعنيين. وإن كان العالم جادًّا في استراحة محارب فلابد من إطفاء الحريق الأكبر حريق الشرق الأوسط. وإذا كان ذلك كذلك فالخطوة، في خارطة طريق الاستقرار، البدء من صغار الشرر.