Atwasat

فزورة طرابلس وجماعة ألم نقل لكم!

أحمد الفيتوري الأربعاء 05 سبتمبر 2018, 09:44 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
كنتُ متجها إلى درنة لأجل عمل صحفي ولتوصيل العدد الجديد من جريدتي ميادين (يونيو 2011)، وللقاء الأصدقاء هناك، توقفت عند بلدة (قصر ليبيا) لفت نظري مشهد عبارة عن رسم ضخم لعلم الاستقلال وجملة: طرابلس عاصمة ليبيا، كُتبتْ الجملة بخط ساطع على عرض الطريق وبطول يتجاوز ثلاثة أضعاف العرض. وفي درنة أحدهم أخذ يُعلق على ما حدث في طرابلس في 20 فبراير 2011م من مظاهرة ضخمة ضد الديكتاتور القذافي، ثم يوكد ألم أقل لكم، ثم ينتقل إلى واقعة أخرى يوقعها بالتوكيد ذاته، ختم حديثه بتوكيد أخر: طرابلس عاصمة ليبيا!، طبعا هذه التوكيدات جاءت بعد حدوث ما حدث.

طرابلس عاصمة ليبيا في دولة الاستقلال لكن أيضا كانت لليبيا حينها عاصمتان: طرابلس وبنغازي، ثم في فترة أخرى من العهد الملكي كانت البيضاء عاصمة ليبيا، حتى أن المحطة التلفزيونية (ترافل) المختصة في السياحة إلى الساعة في نشرتها الجوية تذكر البيضاء فقط، ورغم أن طرابلس الغرب عاصمة ليبيا فإن القذافي جعل عاصمة البلاد مدينة هون مرة وفي مرة أخيرة مدينة سرت، منكرا بذلك وبغيره أن طرابلس عاصمة البلاد التي طوح كذلك باسمها ليبيا جاعلا أسماها الجماهيرية ثم الجماهيرية العظمى!.
الدولة الليبية في عهدها الملكي والانقلابي العسكري لم تكن طرابلس عاصمة ليبيا في كثير من الأحيان. طرابلس العاصمة كانت مقرا لكل أو لأكثر مؤسسات البلاد كما هي مقر القائد الأممي المفكر الثائر العقيد معمر القذافي منذ انقلابه حتى مقتله!، رغم هذا لم يكن للمدينة العاصمة - ووكر الزعيم (باب العزيزية)- بنية تحتية حتى تصل درجة أنها المدينة/ العاصمة التي لا مواصلات فيها.

2-
أثناء ثورة (فبراير) وبالتحديد في أغسطس 2011م بعد دخول الثوار طرابلس وهروب القذافي، شاع مصطلح تحرير طرابلس ووكدت محطة الجزيرة أن (عبد الحكيم بالحاج) قائد ثوار طرابلس أي القائد المحرر!، التبس الأمر منذها حول قيادته في تلكم الأيام، كما التبس أمر العاصمة بعد سيطرة فجر ليبيا - التحالف الذي (ثوار طرابلس) طرف فيه - على طرابلس، وقد بدأ في عُرف الكثيرين أن ما حدث في نهاية عام 2014م من قتال نتج عنه الاستيلاء على طرابلس وأن العاصمة في الأسر.
وقد بدأت منذها حالة طرابلس محيرة، تحالف (فجر ليبيا) لم يتضح جليا مما يتكون وجُلّ ما قيل في الخصوص ترجيحات، عليه هناك حقيقة مُغيبة: أن التحالف في الحقيقة غير محدد حتى عند أطرافه، وأن المدينة يحوزها أطراف عدة لهم أهداف مختلفة، وبالتالي لم يتم التمكن من حسم أمر طرابلس عاصمة ليبيا.

وفي نهاية عام 2015م ازداد حال طرابلس غموضا، ذلكم عقب (اتفاق الصخيرات) الذي أحدث انقسامات بينة في مجلس النواب وفي تحالف فجر ليبيا... وهلم، بالعودة الميمونة إلى طرابلس من قبل رئيس مجلس رئاسة الوفاق اختلط الحابل بالنابل، ورسخ الاعتراف الدولي والإقليمي بمجلس الرئاسة الحال على الأرض في طرابلس أي بقي الحال على ما هو عليه: حالة الفزورة، من يحكم المدينة حقا؟ لا إجابة.

أحدهم أخذ يعلق على ما حدث في طرابلس نهاية 2014م ثم يوكد ألم أقل لكم، كما أعاد هاتيك الجملة عام 2015م، وسيعيدها عام 2017م لكن بعد حدوث ما حدث!.

عام 2017م وفي شهر الصيام اندلعت معارك في طرابلس ودامت أياما بخسائر جمة، بان المفعول لكن الفاعل لم يبَن ولم تزودنا الأيام بذلك، قتال تنقل وسائل التعمية المسمى الإعلام تفاصيل تفاصيله لكن تبات جوعان للمعلومة رغم التخمة التي أصابتك، حقا من كان ضد من في قتال 2017 رغم أن النتائج كانت محققة وحينها بدأ مجلس الرئاسة وخاصة رئيسه كما الأبله لكن البلهاء كنا ومازلنا.

ما حدث آنذاك لم يبَن ولا حسم مراده هذا يبينه ويستعيده ما يحدث الآن 2018م، ولاعتبار آخر أن الحرب مسألة عسكرية أمنية ما يرى منها كما جبل الثلج، طبعا الحرب حالة فوضى تصيب كل شيء حتى العقول.
لكن على هذا الأساس: ما هو دور المسئول الأمني في بعثة الأمم المتحدة لليبيا المسئولة عن تطبيق اتفاق الصخيرات باعتباره من مخرجاتها، لماذا يبدو هذا المسئول لا وجود له وما الذي يفعله في طرابلس وووو؟، هذا متن لهامش مُبعد من الإعلام الأعمى في المسائل العسكرية والأمن.

3-
خلال الأيام الأخيرة من أغسطس وبدايات سبتمبر 2018م أندلع قتال في طرابلس، وطفا في الأخبار طرف كما غازي طرابلس يُدعى (اللواء السابع) الذي نُسب لمنطقة ترهونة ما تبعد عن طرابلس 90 كم تقريبا لكن بدا كمن سقط من السماء، أما هذا الجحفل! فينسب نفسه لجيش ليبي لم يحدد قيادته ويخوض قتالا ضد مليشيات لم يسمِها تفصيلا، وكلما تدحرجت كرة ثلج الأخبار والأيام بدا أن ما يحدث في طرابلس فزورة ولعبة غُميضة فيها هذا المحارب العُتل الزنيم! ما يدعى (اللواء السابع) لا كُنْه له، كما شبح يخوض قتالا لا يسمه أحد، وكأن مجلس الرئاسة وتوابعه يلعبون معنا اللعبة الليبية الشهيرة يا حزاركم سمي وخوذ بلاد.

والظاهرة اللافتة أن القتال يستشري حينا ويهدأ حينا خلال أكثر من أسبوع، والأمور الاعتيادية تسير على ما يرام في طرابلس لمجلس الرئاسة ومندوبية الأمم المتحدة وسفراء الدول المختلفة، فمثلا وزير الحكم المحلي يلتقي في مكتبه في طرابلس بسفير تركيا لمناقشة عودة الشركات التركية العاملة بليبيا لسابق عملها.

كل شيء يسير كما معتاد في طرابلس عاصمة ليبيا، أما التضارب حول هوية وأهداف ما يحدث فيبدو كما أمر اعتيادي يستدعي من سيقول ولكن بعد فوات الأوان: ألم أقل لكم.
ملاحظة: الرجاء الانتباه إلى أنه خلال المرحلة التي تناولها المقال، تم تغيير المسئولين المحليين والدوليين في ليبيا باستثناء الصديق الكبير مدير البنك المركزي الليبي!.