Atwasat

من الفيضانات إلى الزلازل.. الكوارث تفاجئ الليبيين وأجهزة الرصد المعطلة

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 15 أكتوبر 2023, 07:40 مساء
WTV_Frequency

أظهرت الأحداث الأخيرة في ليبيا أن البلاد غير مستعدة لمواجهة كارثة أخرى من حجم «دانيال» أو زلزال المرج، بعد تكرار الأخطاء نفسها في عدم رصد الكوارث الطبيعية بسبب تعطل أجهزة الاستشعار، وهو ما يثير مزيدًا من المخاوف بشأن توقعات بحدوث هزات أرضية أو فيضانات مدمرة يعتقد العلماء أنها ستتفاقم في عالم يزداد حرارة.

وبعد مضي أكثر من شهر على كارثة درنة حول الاستعدادات الاستباقية لتجنب سيناريو مماثل، خاصة في ظل التغيرات المناخية المتطرفة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أثار المختصون تساؤلات حول قدرة ليبيا على التنبؤ ورصد الكوارث الطبيعية قبل وقوعها، لتجنب مزيد من الخسائر البشرية.

محطات رصد الزلازل معطلة بسبب عدم سداد اشتراكاتها السنوية
«التنبؤ بزمن أو مكان حدوث الزلازل في علم الغيب، الله وحده يقدرها كيف يشاء»، كان هذا هو رد المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، في منشور عبر صفحته بموقع «فيسبوك» في السابع من فبراير الماضي، بعد انتشار تخوفات من حدوث زلزال قوي في ليبيا.

وقتها أكد مدير الشؤون العلمية والفنية بالمركز امحمد عبدالله، تعطل خمس محطات لرصد الزلازل؛ بسبب عدم سداد اشتراكاتها السنوية للشبكة الوطنية المربوطة بالأقمار الصناعية منذ العام 2015، لافتًا إلى أن قيمة الاشتراك للمحطات الخمس، وهي: غدامس وطبرق والمرج وأجدابيا ومصراتة لا تتعدى 20 ألف دولار لكل محطة سنويًا.

وأظهرت بيانات مصرف ليبيا المركزي إنفاق المركز الليبي للاستشعار عن بعد أكثر من 3 ملايين و780 ألفًا و413 دينارًا ليبيًا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

وتعرضت ليبيا لهزات أرضية خلال الأسابيع الأخيرة، مؤكدة غياب أبسط الأجهزة المتخصصة في رصد الزلازل. وقال المركز الوطني للاستشعار عن بعد إنه لم يتمكن من تسجيل الهزة الأرضية التي وقعت الخميس 12 أكتوبر؛ بسبب توقف محطات شبكة الرصد الزلزالي التابعة له.

- مركز «الاستشعار»: 5 محطات لرصد الزلازل متوقفة منذ 2015
- مركز الاستشعار عن بعد: لا يمكن التنبؤ بالزلازل
- «نسخة إلى الرأي العام»: ليبيا والزلازل: هل نحن مهددون؟ هل مستعدون؟
- «رؤية لعلوم الفضاء»: هزات المرج لم تسجلها محطات رصد الزلازل

مركز الرصد الليبي يستنجد بمراكز أجنبية لتحديد موقع وشدة الزلازل
وأضاف المركز في بيان أنه تواصل مع مراكز دول الجوار؛ حيث أكد المعهد الوطني للرصد الجوي بتونس حدوث هزتين داخل الأراضي الليبية الخميس الماضي، الأولى بقوة (4.9) على مقياس الزلازل وبعمق 230 كيلومترًا، وقعت بالمنطقة الواقعة بين جنوب سرت ومدينة ودان ولم يشعر بها أحد نظرًا لعمقها الكبير، والثانية بقوة (4.2) على مقياس الزلازل وهو زلزال سطحي بعمق أقل من 10 كيلومترات تقريبًا، وحدث بالمنطقة الواقعة بين مدينة درج ومدينة القريات وهذا ما شعر به أغلب سكان المنطقة الغربية.

وأشار المركز إلى أنه لم يتمكن من تحديد مركز الهزة بدقة نظرًا لأن التسجيل جرى بواسطة محطتين فقط من خارج الأراضي الليبية، موضحًا أن محطات شبكة الرصد الزلزالي متوقفة عن العمل منذ سنوات، وأن المهندسين في مكتب علوم الزلازل لم يتمكنوا من متابعة النشاط الزلزالي اليومي وتسجيل هذه الهزة. وأضاف المركز أنه خاطب الجهات المسؤولة لإعادة تركيب وصيانة محطات الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي لكنه لم يحصل على الدعم.

ويوم 20 سبتمبر الماضي حدد المركز الأوروبي المتوسطي لرصد الزلازل موقع هزة أرضية بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر في منطقة بالبحر المتوسط، وتبعد نحو 70 كيلومترًا عن مدينة طبرق على عمق عشرة كيلومترات، دون أن يرصدها المركز الليبي. كما شعر سكان شرق ليبيا بهزات أخرى منذ بداية العام الجاري وحتى شهر فبراير في مدينتي المرج ودرنة في الجبل الأخضر.

ونظرًا لهشاشة البنية التحتية ووقوع ليبيا فوق خط الصفيحة التكتونية، يثير خبراء الجيوفيزياء مخاوف من وقوع زلازل بقوة أشد، خاصة أن المرج سبق أن ضربها في 21 فبراير 1963 زلزال بقوة 5.3 درجة على مقياس ريختر وبلغ عدد ضحاياه نحو 240 شخصًا إضافة إلى آلاف المصابين.

سنوات الصراع دمرت شبكة مراقبة الطقس
وفي العاشر من سبتمبر الجاري وصلت العاصفة دانيال إلى الساحل الشرقي لليبيا، وضربت مدينة بنغازي قبل أن تتجه شرقًا نحو عدة مدن مثل البيضاء ودرنة التي كان عدد سكانها قبل المأساة 100 ألف نسمة، وفي ليلة واحدة انهار السدان الموجودان على وادي درنة، واللذان يحتفظان بمياه الوادي الذي يعبر المدينة، وجرفت السيول القوية أحياء بأكملها بسكانها على جانبي الوادي، قبل أن تتدفق إلى البحر الأبيض المتوسط.

وقال رئيس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الأممية بيتيري تالاس إن معظم الوفيات «كان من الممكن تجنبها»، معتبرًا أن سنوات الصراع في ليبيا «دمرت إلى حد كبير شبكة مراقبة الطقس» وكذلك أنظمة الحواسيب.

ويؤكد الخبراء أن البنية التحتية المتداعية والإنشاءات المخالفة لقواعد التخطيط الحضري على مدى العقد الماضي، وعدم الاستعداد لهذا النوع من الكوارث، هو ما أدى إلى تحويل درنة لمقبرة بالهواء الطلق.

وقال النائب العام المستشار الصديق الصور، الذي فتح تحقيقًا في الموضوع، إن السدين اللذين أديا لوقوع الكارثة يعانيان من تشققات منذ عام 1998، وقد بدأت الأعمال فيهما عام 2010 من قبل شركة تركية بعد سنوات من التأخير، ولكنها توقفت بعد بضعة أشهر في أعقاب ثورة 17 فبراير عام 2011، ولم تستأنف منذ ذلك الحين.

ظاهرة «مديكين» تزيد المخاوف بشأن ليبيا
ويشير المختصون في تتبع الفيضانات الضخمة في ليبيا إلى ظاهرة «مديكين/الإعصار المتوسطي» وهي ظاهرة مناخية نادرة لكنها مدمرة يعتقد العلماء أنها ستتفاقم في عالم يزداد حرارة، ومع أن هذا المصطلح غير معروف لدى عامة الناس، غير أنه يستخدم بانتظام من قبل العلماء وخبراء الأرصاد الجوية وهو منحوت من كلمتي «متوسط» و«إعصار» بالإنجليزية.

وإلى جانب رياحه العنيفة تصاحب «مديكين» أمطار غزيرة، وقد انهمر ما يصل إلى 170 ملليمترًا من المياه في أقل من يومين على برقة أثناء العاصفة «دانيال» شمال شرق ليبيا، حيث يندر هطول الأمطار هذا الموسم.

وأفاد خبراء في شؤون البيئة بأن «حدثاً متطرّفاً مثل الذي سُجّل في ليبيا صار أكثر احتمالاً بما يصل إلى 50 مرّة» و«أكثر شدة بنسبة تصل إلى 50%» مقارنة بمناخ أكثر برودة بمقدار 1.2 درجة مئوية، في إشارة إلى العاصفة دانيال التي تسبّبت في فيضانات مدمّرة.

وأوضح الخبراء في دراسة لمبادرة «وورلد ويذر أتريبيوشن» أعدّها باحثون من اليونان والولايات المتحدة الأميركية وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة أن تغيّر المناخ أدى إلى ارتفاع في معدلات هطول الأمطار أوائل شهر سبتمبر الجاري، الأمر الذي أسفر عن تأثيرات واسعة النطاق على منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وحسب دراسة سابقة بعنوان «تغير المناخ يهدد التنمية الاقتصادية والاستدامة في ليبيا»، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من خطورة التغافل عن الخطر المناخي الذي يواجه البلاد، مؤكدًا أن الذين يعيشون في ظروف هشة مثل ليبيا يشعرون بتأثيرات التغير المناخي بشدة.

المناخ المتطرف ليس المتهم الوحيد
ومع أن تغير المناخ بإمكانه أن يؤدي إلى ظواهر جوية متطرفة تحدث بشكل متكرر، غير أن العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لها دخل كبير؛ إذ إن عدم الاستقرار السياسي يطرح تحديات أمام تطوير استراتيجيات التواصل بشأن المخاطر وتقييمها وتنسيق عمليات الإنقاذ مثلما هو الحال في ليبيا خلال العقد الأخير.

وحذر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال كلمته بمؤتمر المناخ «كوب 27» الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ بمصر العام الماضي من أن ليبيا «تعد من أكثر الدول حساسية للتغيرات المناخية». لكنه لم يتحدث عن تطوير وتنفيذ استراتيجيات أو خطط محلية للحد من هذه المخاطر أو التكيف مع تغير المناخ.

وجرى إنشاء لجنة وطنية للتغير المناخي عام 2021 لكن لا تتوفر أي معلومات عن نشاطاتها وأعمالها بعد. ووقّعت ليبيا على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 2015، كما صدقت على اتفاق باريس للمناخ في عام 2021، غير أنه لم يجر تقديم المساهمة الوطنية المحددة أو خطط التكيف أو الاتصالات الوطنية.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«وسط الخبر» يناقش: روسيا تعزز وجودها في ليبيا.. فما هو القادم؟
«وسط الخبر» يناقش: روسيا تعزز وجودها في ليبيا.. فما هو القادم؟
إردوغان والكبير يبحثان زيادة التعاون في المجال المصرفي
إردوغان والكبير يبحثان زيادة التعاون في المجال المصرفي
ورقة الخمسين دينارًا تربك الأسواق.. والمواطنون يشتكون
ورقة الخمسين دينارًا تربك الأسواق.. والمواطنون يشتكون
شاهد في «هذا المساء»: ماذا وراء زيارة الدبيبة إلى إثيوبيا؟
شاهد في «هذا المساء»: ماذا وراء زيارة الدبيبة إلى إثيوبيا؟
تحقيق لقناة «الوسط»: مقاطعة السلع.. سلاح أم اضطرار؟ (فيديو)
تحقيق لقناة «الوسط»: مقاطعة السلع.. سلاح أم اضطرار؟ (فيديو)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم