توصل تحقيق أجرته جريدة «ذا غارديان» البريطانية إلى مسؤولية خفر السواحل اليوناني عن غرق مركب صيد خشبي في البحر المتوسط بعد انطلاقه من ليبيا، منتصف يونيو الماضي، وفقدان أكثر من 500 مهاجر غير شرعي كانوا على متنه.

وذكرت الجريدة، أمس الإثنين، أن محاولات الخفر جر مركب صيد يحمل مئات المهاجرين تسبب في انقلابه، وقد أجرت الجريدة أكثر من 20 محادثة مع ناجين من الحادث، كما اطلعت على وثائق المحكمة وشهادات من خفر السواحل، لبناء صورة كاملة لأسباب غرق القارب الذي يعد المأسأة الأكثر دموية في البحر المتوسط منذ العام 2017.

وذكرت «ذا غارديان» أنها استعانت بوكالة «Forensis» للأبحاث في برلين، لبناء نموذج تفاعلي ثلاثي الأبعاد للقارب قبل غرقه على بُعد 74 ميلا من سواحل جزيرة ميلوس اليونانية.

رفض اليونان نداءات لإرسال سفن إنقاذ
كشف التحقيق أن اليونان رفضت إرسال سفينة لخفر السواحل، كانت راسية في ميناء أقرب، لإنقاذ المهاجرين. كما رفضت ثلاث مرات، وليس مرتين كما ورد في السابق، الرد على نداءات الاستغاثة التي أطلقتها الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس).

وقد وضعت «Forensis» تصورا للساعات الأخيرة قبل غرق مركب الصيد، معتمدة على بيانات خفر السواحل اليوناني، وشهادات الشهود، وبيانات المسارات البحرية، وصور القمر الصناعي، ومقاطع مصورة التقطتها سفن تجارية كانت قريبة من موقع الحادث.

وتوصلت إلى أن تحركات قارب الصيد الأخيرة تتناقض مع الرواية اليونانية للأحداث، بما في ذلك اتجاه سحب المركب وسرعته.

وأظهر التحقيق بشكل حاسم أن «مركب الصيد المكتظ بدأ التحرك غربا عند مقابلة سفينة خفر السواحل اليوناني التي جرى إرسالها إلى مكان الحادث، وأخبر خفر السواحل المهاجرين أنه سيقودهم إلى إيطاليا، وهو ما يعد تعارضا مع الرواية الرسمية بأن سفينة الصيد بدأت تتحرك غربا من تلقاء نفسها. السفينة تحولت إلى الجنوب، وكانت شبه متوقفة ساعة على الأقل، حتى حدثت محاولة جر ثانية ومميتة».

محاولات جر مركب الصيد انتهت بغرقه
قال أحد الناجين من الحادث في شهادته إنه «سمع أصوات صراخ حول حبل جرى ربطه بمركب الصيد من قِبل القوات اليونانية. جرى جر المركب لعشر دقائق إلى الأمام قبل غرقها».

واسترجع الشاهد ذكريات الحادث الأليم قائلا: «أعتقد أنهم كانوا يحاولون إخراجنا من المياه الإقليمية لليونان، لإنهاء مسؤوليتهم». وكشف ناجون آخرون كيف جرت مصادرة الهواتف الخاصة بهم من قِبل السلطات اليونانية، حيث إن بعضهم التقط مقاطع مصورة قبل دقائق من غرق المركب.

- «فرونتكس» تكشف تقاعس اليونان عن مساعدة مركب المهاجرين قبل غرقه
- بعد غرق مهاجرين قبالة اليونان.. إسلام آباد تفكك لغز مسار وصول الباكستانيين إلى ليبيا
- «ذا غارديان»: مأساة قارب اليونان تعكس خطورة فراغ السلطة في ليبيا
- قدموا من ليبيا.. مصرع 78 مهاجرا جراء غرق زورقهم قبالة اليونان

وقال خفر السواحل اليوناني، في تصريحات رسمية، إن العملية لم تُسجل، لأن الطاقم كان يركز على الإنقاذ. لكن مصدر في خفر السواحل أوضح أن الكاميرات لا تحتاج إلى تشغيل يدوي، فهي موجودة على وجه التحديد لالتقاط مثل هذه الحوادث.

إلى ذلك، تحدث ناجون عن مشاهدة رجال ملثمين ربطوا قارب الصيد بالسفينة اليونانية، فيما يبدو أنهم عناصر تابعة لوحدة «KEA» للعمليات الخاصة، في واقعة غير اعتيادية بالنسبة إلى عمليات الإنقاذ الإنسانية.

من غير المعتاد اللجوء إلى هذه الوحدة في عمليات الإنقاذ بالبحر المتوسط، لأن الاستعانة بها مقصورة على مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات في البحر. وقال مصدر إنه بالنظر إلى وضع المركب، فإن وجود قوات «KEA» يؤكد أن اعتراض المركب كان لأغراض أمنية فقط، وليس لغرض الإنقاذ.

التلاعب في شهادات الناجين
اشتبه تحقيق «ذا غارديان» كذلك في وجود تلاعب في بعض شهادات الناجين، لافتا إلى أن اثنين من الناجين قدما شهادتين متطابقتين تقريبا أمام المدعي العام اليوناني، واستخدما الكلمات نفسها: «كنا كثيرين على متن القارب الذي كان قديما وصدئا. لهذا السبب انقلب وغرق في النهاية».

وقد طالبت المفوضية الأوروبية اليونان بإجراء تحقيق شفاف ومستقل في غرق مركب الصيد، في الوقت الذي تزايد فيه الغضب داخل «فرونتكس» التي عرض مسؤولوها إرسال طائرة إنقاذ مرتين، وإرسال طائرة مسيّرة مرة ثالثة، لكن قوبلت العروض بالرفض من قِبل أثينا.

وألقت السلطات اليونانية القبض على تسعة مصريين بتهم إدارة شبكة لتهريب المهاجرين في البحر المتوسط، والمسؤولية عن غرق القارب وفقدان المئات.