Atwasat

تعزيز الصحة النفسية في العراق لا يزال تحدياً بعيد الأمد

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 17 نوفمبر 2023, 02:22 مساء
WTV_Frequency

وصلت رحلة بحث رغد قاسم عند معالج نفسي في بغداد إلى طريق مسدود، فلجأت أخيراً إلى استشارات عبر الإنترنت،

في بلد استنزفته النزاعات، لا يزال الاهتمام بالصحة النفسية محدودا والوصمة قائمة، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بنظرة المجتمع،

تتكلّم الأرقام عن نفسها: يوجد «عاملان في مجال الصحة النفسية لكل مئة ألف شخص» في بلد يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، أي دون المعدّل العالمي بكثير، وفق منظمة الصحة العالمية.

تقول رغد (34 عاماً) الناشطة في مجال حقوق المرأة لوكالة «فرانس برس» إن ملف الصحة النفسية «مهمل» في العراق من السلطات المتعاقبة، ولذلك «فالمجتمع غير مدرك له»، وتضيف أنها وصلت «حتى الثلاثينات من العمر» لتبدأ بإدراك أهمية الموضوع. 

وتضيف «بدأت أتعرف على أعراض الاكتئاب» خلال فترة الحظر المرتبطة بوباء كوفيد وما رافقها من حملات توعية حول الصحة النفسية على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وقد فقدت عملها. 

تلوث الهواء يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب
العناق «المرغوب» يحسن الذاكرة والصحة النفسية
نسبة الطلاق ترتفع في العراق لكن «وصمة العار» تلاحق النساء فقط

تكمل رغد «حاولت أن أجد طبيباً في بغداد، لأنني أحب أن يكون الشخص أمامي حين أتكلّم»، مضيفةً «سألت كثيراً، وأعرف أصدقاء راجعوا أطباء نفسيين في بغداد، لكن عالجهم بالدواء، وأنا لا أحبّ أن أتناول الأدوية، قد لا أكون بحاجة إليها». 

بعدما فقدت الأمل من إيجاد معالج نفسي في بغداد، لجأت إلى معالجين عبر الإنترنت، من بينهم معالجة نفسية لبنانية بدأت تكتشف معها خلفيات الاكتئاب. 

وتقول رغد «عرفت منها أن التراكمات ناجمة عن الحرب وفترة الحرب... والخوف والقلق الذي شعرنا به في العام 2003 وما بعد ذلك»، في إشارة إلى الغزو الأميركي للعراق الذي أطاح صدام حسين، وتلته مرحلة دامية في تاريخ العراق. 

الحرب في غزة فاقمت الصدمات النفسية
وأعادت الحرب المتواصلة منذ أكثر من أربعين يوما في قطاع غزة والتي أوقعت آلاف القتلى، إحياء الصدمات النفسية، وهي حالة باتت شبه ملازمة للعراقيين.

فقد خلّفت عقود من النزاعات، ومن بينها الانتهاكات التي ارتكبها تنظيم الدولة الاسلامية في السنوات الأخيرة، صدمات وأمراضا نفسية عميقة، ولا تزال الحاجة في مجال الصحة النفسية، كبيرةً جداً، فيما الاستجابة والقدرات أدنى بكثير من التوقعات. 

في بغداد، يستقبل مستشفى الرشاد التعليمي مرضى مصابين بأمراض عقلية مزمنة وخطيرة مثل الانفصام بالشخصية، ويوفّر المستشفى خدمات استشارية خارجية لأشخاص يعانون من الاكتئاب والقلق أو اضطراب ما بعد الصدمة. 

في أروقة المستشفى الذي تأسس في 1950، يسير معظم المرضى بهدوء، وعلى وجوههم نظرات تائهة، منهم من يرقد هنا منذ عقود.

وكما يوجد نقص في الأطباء والمعالجين النفسيين عموماً في العراق، تكمن المشكلة الأساسية بالنسبة للمستشفى في النقص في «القوة البشرية»، كما يقول مديره فراس الكاظمي، الذي يشرح لفرانس برس كيف يعانون «شحاً في أطباء الاختصاص» «لدينا فقط 11 طبيباً نفسياً، بينهم أنا، مدير المستشفى»، فيما عدد المرضى الموجودين 1425 مريضاً، ثلثان منهم رجال وثلث نساء، تتراوح أعمارهم بين 18 و70 عاماً. 

ويضيف «لا أعتقد أنه يوجد طبيب في العالم بعهدته 150 مريضاً لمدة 30 يوماً في الشهر و365 يوماً في السنة، هذا رقم ضخم جداً». 

بالإضافة إلى ذلك، يعمل في المستشفى خمسة باحثين نفسيين فقط كمعالجين نفسيين، يستقبلون المراجعين في غرفة صغيرة يتناوب عليها ثلاثة منهم، وهو عدد قليل جداً إذا ما قورن بنحو مئة مراجع يزورون المستشفى يومياً. 

ويضمّ المستشفى قسماً تأهيلياً يمارس فيه المرضى هوايات مثل العلاج بالمسرح والموسيقى والرسم. 

في غرفة تضم منصّة وعدداً من المقاعد الحمراء، وقف ثلاثة رجال من مرضى المستشفى، كبار في السنّ، يتدربون على مشهد مسرحي أعده لهم مدربهم الذي كان رئيساً للقسم التأهيلي وتقاعد، مع ذلك يأتي لمد يد المساعدة.

أصبح الاعتراف بالمرض أكثر قبولاً
على الرغم من ذلك، لحظ الكاظمي في الآونة الأخيرة «تزايداً بأعداد المراجعين في العيادات الاستشارية». ويقول إنه في الماضي «كان الأمر يعتبر محرجاً، أن يقول الشخص أنا عندي مشكلة نفسية»، لكن الموضوع بدأ يصبح «أكثر قبولاً» في المجتمع. 

منظمة «أطباء بلا حدود»
في مركز منظمة «أطباء بلا حدود» في بغداد، تقدّم جنباً إلى جنب مع خدمات العلاج الفيزيائي، خدمات العلاج النفسي للمرضى.

بالنسبة للطبيبة النفسية زينب عبدالرزاق التي تعمل في المركز، «وصمة» الطب النفسي موجودة في العراق كما في كل أنحاء العالم، لكنها «في السنوات الأخيرة بدأت تتراجع.. فالناس أصبح لديها نوعاً ما تقبّل أكثر للطبّ والعلاج النفسي». 

من بين مراجعي مركز «أطباء بلا حدود» من لم يكن يعرف ما هو العلاج النفسي أساساً، مثل زينب عبدالوهاب ذات الثلاثين عاما، التي تعاني شلل الأطفال وتعرضّت لكسر في الحوض بعدما سقطت، فجاءت إلى المركز لتلقي علاج فيزيائي، لكنها في الوقت نفسه تعرّفت على العلاج النفسي بعدما مرّت بالكثير من التجارب الصعبة كوفاة والدتها ومرض والدها. 

وتقول «لم يكن لدي فكرة عن العلاج النفسي.. تعرّفت على الأمر هنا، لا يوجد علاج نفسي في العراق»، وتكمل «رأيت أن التجربة جميلة، ولاحظت تغيّراً جذرياً في نفسيتي». 

وتضيف «أدركت هنا أنه ليس فقط الشخص المجنون هو الذي يحتاج إلى علاج نفسي، المجتمع يفهم الأمر بشكل خاطئ، هو فقط شخص تتكلّم معه، تخبره عن يومك، وأشياء ربما لا ترغب في مشاركتها مع أشخاص مقربين».

كلمات مفتاحية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
دراسة: الذكاء الصناعي قد يساعد على تعزيز انتشار أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي
دراسة: الذكاء الصناعي قد يساعد على تعزيز انتشار أجهزة التصوير ...
«زيت الزيتون» وراء صحة سكان حوض المتوسط (دراسة)
«زيت الزيتون» وراء صحة سكان حوض المتوسط (دراسة)
تراجع الاهتمام بدراسة التمريض في بلدان منظمة التعاون والتنمية
تراجع الاهتمام بدراسة التمريض في بلدان منظمة التعاون والتنمية
المجلس الوطنى للمرأة يشارك في أعمال المؤتمر العلمي الأول لطب العيون
المجلس الوطنى للمرأة يشارك في أعمال المؤتمر العلمي الأول لطب ...
وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدل وراثيًا
وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدل وراثيًا
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم