Atwasat

الولايات المتحدة 2021.. بقاء الكورونا وموت فلويد ورحيل ترمب

نور الدين السيد الثلثي الأربعاء 06 يناير 2021, 03:49 صباحا
نور الدين السيد الثلثي

رافق ولايةَ الرئيس ترمب طيلة عامها الأخير كائنٌ دقيق، ديمقراطيٌّ جداً، يؤمن بالمساواة بين كل الناس والدول. ارتقى مسرح العالم فيروس كورونا. بسببه تضرّرت اقتصادات الدول، وأَغلقت الأسواق أبوابَها والمدارسُ والمكاتب والملاعب ودور العبادة والمطاعم والمسارح، وأفلست شركات، وتحوّل الملايين إلى عاطلين عن العمل. أصاب بوبائه أكثرَ من ثمانين مليوناً من البشر وتسبب في موت أكثر من مليون وثمانمائة ألف، وما يزال عاملاً عبر قارات العالم.

انتشر وباء الكورونا من دون اعتبارٍ لقويٍّ عظيم أو ضعيف صغير، تاركاً للدول وضع الحدود لانتشاره حسبما تملك من مرافق وعلماء، وقدراتِ تخطيطٍ وإدارة، وبانضباط مواطنيها وحِسّهم بالمسؤولية والتزامهم بقواعد المحافظة على الصحة والسلامة. فشلت الولايات المتحدة في إدارة مواجهتها للوباء وكبح انتشاره إلى مستوى يليق بمكانتها المتفوقة بين دول العالم. كان في أدائها ذلك فشلٌ نسبيٌّ كبير أمام دولٍ أقلَّ شأناً‘ مثل كوريا والصين الوطنية ونيوزيلنده، وأمام مدينة ووهان الصينية من حيث انطلق كورونا منذ أكثر من عام، وحيث لم تُسجَّل إصابةٌ بها منذ شهر مايو الماضي.

لم يكن وباء كوفيد 19 الذي سبّبه فيروس كورونا والعواقب الاقتصادية الجسيمة التي ترتّبت على محاولة التغلب عليه قضية عام 2020 الوحيدة في الولايات المتحدة، فقد عادت إلى الظهورقضيةُ حقوق السود، نتيجة مقتل المواطن الأسود جورج فلويد على يد الشرطة.

استدعى صاحبُ المتجر الشرطةَ متّهِماً زبونه الأسودلابتقديم ورقة نقدية مزوّرة. حضرت الشرطة، قبضت على فلويد،وألقته أرضاً. كانت رَقبتُه تحت رُكبة الشرطي وهو يصيح مستغيثاً: «لا أستطيع التنفس». توسّل. طلب ماءً. صرخ علّ أمَّه تسمعه: «أحبّكِ. أبلغي أولادي أنّي أحبّهم. أنا أموت». خفَتَ صوته، ومات. اختلطت المشاعر الإنسانية لموت فلويد بقضايا المواطَنة والمساواة والعدالة وتصاعُد الدعوات لتقييد ممارسات الشرطة. استُدعيَت فصولٌ من التاريخ بما فيه من عنصريةٍ قديمة، وتجارة عبيد، وأبطالٍ قوميين أُعيد اكتشاف عنصريتهم، فأُسقِطَت نُصبٌ وتماثيل وغُيّرت أسماء شوارع ومنشآت. ندّد الرئيس بما سماها الفوضى بدلاً من أن يقف ضدّ إساءة الشرطة لاستعمال القوة، وزاد الغضبَ والانقسام.

أضرّت حادثة خنق فلويد بمكانة الولايات المتحدة التي اكتسبتها بديمقراطيةِ نظامها وسيادةِ القانون فيها وقوّتها. ظهر عمقُ عنصريةٍ لا تزال حيّة، وممارساتٍ لرجال الأمن خارجةٌ عن المقبول في كل عرفٍ وقانون، وكأنّ الإنسانية يتّصف بها لونٌ وتنقطع عما عداه من الألوان. ظهر ذلك في دولة تُلقي الدروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان على الجميع، والتهديداتِ لمن تشاء، في وقتٍ انكشف فيه إنكار حقوق قسم من الناس على أساس العِرق ولون البشرة. ظهرت قضية حقوق السود من جديد لتكون عنصراً آخر في الانتخابات الرئاسية بعد أشهر، إضافة إلى سوء إدارة الحملة ضد وباء كوفيد، وإدارة الرئيس ترمب للحكم على مدى فترة ولايته.

أجريت الانتخابات الرئاسية ليرفضها الرئيس حين أفضت إلى خسارته. لكنّ ديمقراطية الولايات المتحدة، تبقى في مأمنٍ من شطط رئيسها، وإن كان من طينة مستبدّي عالمنا الثالث. تحميها مؤسساتها الدستورية، والقضاء المستقل النزيه تحديداً، كما شاهدنا في أحكام قضايا الطعن في نتائج انتخاباتٍ رفضها الرئيس. ذلك كان موقفَ القضاء وعلى سُدّته ما يقرب من مائتي قاضٍ فيدرالي تم تعيينهم من ذات الرئيس الرافض نتائج الانتخابات.

رحل عام 2020 وبقيت الكورونا. مات فلويد وبقيت قضية الظلم الواقع على السود؛ ورحل دونالد ترمب - إذا رحل - وقد ترك أثراً باقياً في بلاده والعالم، من «الحقائق البديلة» و«الأخبار الزائفة» والكذب والطمع والظلم (وفي الفلسطينيين المثل الأكبر). رحل عام الكورونا تاركاً وراءه عالماً أصغر مما كان، مرتبطاً ببعضه البعض أكثر مما كان؛ وشعوبه أكثر تأثراُ بما يجري في كلّ ركنٍ من أركانه، لا يستطيع شعب منها عزْل نفسه فيه مهما بلغ من القوة والغِنى وآفاق العلوم. ستختلف أساليب العمل وسوقه، والتعليم، وقنوات التسويق، والتنقل، والترفيه، ونشر نتاج الآداب والفنون. الآتي عام جديد من المراجعة والنظر والمضيّ، بسبب الكورونا، نحو مستقبلٍ مختلفٍ عن كل ما سبق.