Atwasat

عندي حب.. (ديوان الأغنية الليبية)

أحمد الفيتوري الخميس 15 أغسطس 2019, 11:29 صباحا
أحمد الفيتوري

عندي جرح:
عندي عين تسهف عالبكا / وعندي قلب يطرب للوجع/ وعندي نفس دوارة شقا/ وعندي جرح يدلع دلع/ وعندي بال ما عمره صفا/ وعندي صفن ما يوم انقشع/ وعندي روح مارامت وطا/ وعندي عقل شارد ما قدع / وعندي ليل يعارك في الهنا/ وعندي دمع عقده ما انقطع / وعندي آآآآآآآه ترقى للسما / وعندي هم ساكن ما نتزع/ وعندي نار ما تعرف اطفا / وعندي صبر في صبري طمع / وعندي قهر جون في الحشا/ وعندي فرح نسمع به سمع/ وعندي آمل والف عالرجا/ وعندي نجم ما ريته لمع/ وعندي وطن غطنه ادما/ وعندي شعب من أرضه طلع / وعندي ناس تموا في صغا / وعندي بشر خافيهم سطع / وعندي عين تسهف عالبكا / وعندي قلب يطرب للوجع/ وعندي نفس دوارة شقا/ وعندي جرح يدلع دلع .....
فتحي بالتمر

• السلف الجميل!
لم أكن وعيد الأضحى أصحابا، منذ الطفولة، حين جلب أبي كبش العيد، وكان لدي غزال، هدية من صديق أبي، من اصطاده أثناء سفره، بسيارة النقل إلى الصحراء، وعشية العيد نطح الكبش غزالي، ما خاف أبي أن يموت فذبحه، وأكلت شواء يوم الوقفة، دون أن أعلم أنه كبد غزالي، مرضت لما علمت، وقد بت على عداء مع عيد الأضحى، فالأضحية ودمائها وشوائها، واتخذت منذئذ الكتاب بقوة، ما أمسى الترس، الذي ألوذ إليه وبه.. أضحى عيد الأضحى، مذبحة عندي.
يوم الأضحى ذا العام، وجدت مخطوط العزيز فتحي بالتمر، في جهاز الكومبيوتر، ما عندي دون إسم، فكَنيتهُ (عندي حب)، مستوحيا الكنية من الأغنية المشهورة، المنشورة أول المقالة هذه، المخطوط يضم عددا من الأغاني، ما في الحب، ما في مديح بنغازي، ما يعزز الأمل في النفوس المكلومة، وبالوطن الجريح... وعلى هذا المنوال.

مع (عندي حب)، ذهبت إلى فن الربيع العربي، من الراب والجرافيتي ما سيطرا كفن حداثوي، فكانا صوت الربيع العربي العالي، لكن الأغنية التقليدية والنشيد حاذى الراب، ما لفتني إليه (فتحي بالتمر) في مخطوطه، العودة إلى الماضي، فالأغنية تتغني بما مضي، ما اصطلح على أنه (الزمن الجميل)، فتسربت من ديوان الأغنية الليبية، روح سلفية حتى جثم القديم، فتم استعادة الماضي المجيد، في الإيقاع والصور والمفردات، حتى أن الأغاني، أمست جسدا وروحا ماضوية، تذكر بأغنية سابقة، فتتلبسها روحها وجسدها أيضا، فكأنما الراب خروج متطرف، عن كل ما سلف، فيما الأغنية والنشيد، استعادة متطرفة لما سلف.

ديوان الأغنية الليبية (والعربية) الراهن، يكثف ويبسط فيوضح مسألة السلفية الفنية والثقافية، فالأغنية نموذجها منتج (الزمن الجميل) والشعر منتج (التصوف القصيد والشعر المنثور)، والجرافيتي يحاذي الحروفية وما في منوالها.... أخذت إلى المسألة الأساس، في الثقافة والفكر العربيين، الاستعانة بالماضي في مواجهة حاضر مقلوب، أعلاه سلفي وأسفله ما مضى.

• خاطرة: استعادة الشاعر/ المؤرخ
لفت مخطوط فتحي بالتمر نظري، إلى أن مهمة الأغنية غدت تسجيلية، كما الراب ما في الحقيقة، كما فن مسرحية قراءة الصحف، ما راج في ستينيات القرن العشرين، وبذا الأغنية تؤرخ اللحظة وتعلق عليها، والنشيد يستوحي البكائيات الشيعية، فتشيع روح الماضي الجميل في الدال والمدلول، فيبات كل نسج على ما سلف جميلا، وكلما كان الموضوع لسان حال الحاصل، كلما كانت الأغنية الجريدة الناطقة... وفي أحوال عدة النجاح يوسم كـ (عودة الروح)، لأن ما قائم سفيه ولا محل له من الإعراب.. ومن هذا يتم، تسجيل اللحظة الشعورية، الراهنة المأسورة بالسلف.

لكن الاستعادة عند الدال والمدلول، ليس عطبا ذاتيا، وليس يخص الأغنية دون غيرها، فمدلول (الزمن الجميل) إحالة فاقعة للماضي، وفضح لحاضر غادر، من حيث أنه في المحصلة، مستقبل ذلكم الماضي (الزمن الجميل). كذا اصطلاح الزمن الجميل هجاء مسكوت عنه للماضي، ما هو نهاية التاريخ.

إن الحاضر ابن الماضي فهو كما خلف لسلف، وفي اللاوعي الجماعة، الحسرة على الحاضر، تستدعي الهروب إلى ما سلف، فيكمن السلف في أبسط منتج حتى أعقده، ومن هذا المنتج سلفي باقتدار وإجماع، وحيث وليت وجهك.
هذه الخواطر اجتاحتني مررا، خاصة عند نقد الشيء بأنه تقليدي، فإذا بالناقد ينهج سلفية مفرطة، لتبرير وسمه لمنتج ما بالسلفية/ التقليدية، وهذا يكون عند تناول فن الأغنية دربا سهلا، مع أن كونها كاشفة، لا يمنح للناقد ميزة التبسيط، بل تعقيد المسألة، كان الطفل خاليا، من أي مخاوف أو شوائب، كي يؤشر (الملك عار).

مطلع ستينيات القرن العشرين، كتب صادق النيهوم مقالات ساخرة، تهكم فيها، وأضحك جمهوره من الأغنية الليبية التقليدية، طرح بعض الصور العنيفة، في تصوير الحب، وتسلط على مفردات بعينها، مثل الذبح في: عينك ذبحتني، ومثل قطع في: حبك نار قطع جواجيه...إلخ. انبرى الناقد حسين مخلوف، ليبين خطل نهج النيهوم، دون أن يذكره، فقام بترجمة أغان عن الانجليزية، وأعاد صياغتها باللهجة الليبية، فإذا هناك تطابق لا بأس به، بين الصور والمجاز وما شابه، في الأغنية المترجمة والأغنية الليبية. ما أراده النيهوم في نقده، تبيين خلل محلي وعطب تقليدي، فيما رد مخلوف، بحث في مسألة المشترك بين الفنون عند البشر.

أذكر هذا لأسس لمسألة، أن نقودنا للأغنية الليبية تبدأ من هنا والآن، وتبحث في المشترك بينها والفنون المشتركة وفي الثقافة والفكر العربيين، فاللغة ليست وعاء بل كائن حي ينفعل ويفعل.

في الحقيقة أن فتحي بالتمر، كما يبدو لا يدعي ولا يتملق تجربته، لكن ما جسده منتجه للأغنية، التي أنتجت بما يدعى، بوحي الخاطر في اللهجة الليبية، أي العفوية، ذا ما أتاح لي أن أتأمل، وأنشغل في عصف فكري مع نفسي، حول أن البسيط والعفوي، كثيرا ما يكون نتاج المعقد غير العفوي.