Atwasat

حرب التوافـق

محمد اقميع الخميس 24 ديسمبر 2015, 04:26 مساء
محمد اقميع

بسم الشعب يتم توقيع الاتفاق...، وبسم الشعب يتم رفض نفس الاتفاق...! المثير للشفقة فعلاً، هو هذا الشعب المتوسل للسلام والأمان؛ والمتمرد الرافض لأي اتفاق سلام رغم أنفه...! ودائماً، باسمه تشن الحروب وتندلع الثورات، وباسمه تعلن اتفاقيات السلام الدولية والحكومات التوافقية، وباسمه أيضاً تنطق دار الإفـتاء لتعــلن بطلان التوافق وبطلان السلام لأن شرعية ذلك الاتفــاق لم تستمد من«الشعب»! ويظل ذلك الشعب الذي باسمه يحدث كل شيء مجرد كائن افتراضي أخرس، لا يسمع،لا يرى، ولا يتكلم! وإذا ما تجرأ على المُعَارضة والتظاهر سيكون مصيره القتل أو غياهب السجون...!

ولكن، يبقى حضوره في كل تلك المحافل والبيانات الرسمية مهما وأساسيا لتمرير كل الصفقات ولاستمرار الفوضى والنزاع وكسب مزيد من الوقت لنهب وسرقة ما بقي في خزائن أموال ذلك الكائن الخرافي المُسمى«الشعب الليبي» ... فذلك«الشعب» بكل هيبته وقداسته أصبح كآلهة الإغريق القديمة، متخيلة وافـتراضية، ولكـن، لا تكتمل أساطير الحرب والسلام بدونها...!

من الواضح أن أمراء الحرب في كل من المؤتمر والبرلمان لا يبحثون عن اتفاق بديل للصخيرات بل الحفاظ على الوضع الراهن على ما هو عليه

حكومة رابعة ينتظرها الشعب الليبي برعاية خليجية، سيكون مسقط رأسها"مسقط" العمانية هذه المرة، لتنظم إلى تشكيلة الحكومات الليبية السابقة، إمعانا في مسلسل الفوضى والعبث بمصير البلاد والعباد، وليدخل على خط الأزمة السلطان قابوس بعد أن نفد أخيراً صبر الحيــاد والاتزان العماني، وسأم مقاومة إغواء ممــارسة بعض العبث في المستنقع الليبي أسوة بجيرانه...! وكذلك الفحل الروسي الذي يطلب مزيدا من الوقت لاختبار مؤهلات الإغواء الليبية من الطرفين...!

ما الفرق بين أن تولد حكومة برعاية ووصاية خليجية وفي مسقط العمانية وبين أن تكون برعاية دولية ومغربية في الصخيرات ولماذا الافتراض بأن حكومة"مسقط" وطنية وليبية، والحكومة الأخرى هي حكومة"عميلة" و"خائنة" و"حكومة وصاية أجنبية"- حسب وصفهم؟ ومن يضمن عدم ظهور فريق مليشياوي آخر ويعلن حكومة خامسة من طرابلس أو بنغازي، أو من أي مكان آخر من ليبيا، ويصف كل الحكومات السابقة بأنها جميعها خائنة وعميلة وتحت الوصاية الأجنبية؟ وهذا ليس مستبعدا أبداً، بل ربما، هذا هو الهدف الأساسي من نسف اتفاق الصخيرات...!

من الواضح أن أمراء الحرب في كل من المؤتمر والبرلمان لا يبحثون عن اتفاق بديل للصخيرات، بل الحفاظ على الوضع الراهن على ما هو عليه. وما هذا التحول والانقلاب المفاجئ من حالة العـداء والاقـتتال ما بينهما إلى حالة من فائض العشق والمحبة؛ إلا دليل على أنهما لم يكونا يوما طرفي نزاع واقتتال، بل مجرد موظفين مخلصين يؤدون واجب حراسة الفوضى والخراب واستمرار مسلسل الاقتتال والتناحر بين أبناء هذا البلد المنكوب بأمثالهم.

وما معارضتهم الهستيرية لحكومة التوافق المعلنة في الصخيرات إلا استمرار لنفس الدور الذي يلعبه كل من المؤتمر والبرلمان في تأجيج الفوضى وعرقلة أي مساعٍ محلية أو دولية لإنهاء الانقسام والنزاع وإيقاف مسلسل الحروب العبثية التي يغذيها الطرفان.

ما ينتظره الشعب في نهاية المطاف ليس مزيد من اسهال الحكومات التوافقية ومن وراءها هؤلاء المتورطين في دماء الليبيين واشعال الحروب فيما بينهم، بل عزل ومحاكمة كل قادة المؤتمر والبرلمان وحكوماتهم المتعاقبة وكل من تصدر المشهد السياسي وأمراء الحرب أمام محكمة عادلة ... ليسدل الستار على هذه المهزلة المأساوية بتلاوة منطوق الحكم العادل بسم الشعب الليبي المنكوب بحكامه منذ الأزل...