Atwasat

اطواقة

صالح الحاراتي الأحد 05 مايو 2024, 04:16 مساء
صالح الحاراتي

طَوّقَهُ الشيءَ وبه.. جعله له كالطَّوْقِ حول الرَّقبة، طَوْق: (اسم) والجمع : أَطواقٌ أما "شبَّ عن الطَّوْق" أي كبُرَ واعتمد على نفسه وبلغ مبلغ الرجال.. أما كَسَر الطَّوقَ أي تحرّر وتمرَّد .

وطوْق النَّجاة..عجلة من الفلين أو المطّاط أو نحوهما توضع حول الجسم خشية الغرق.

كما هناك طَوْق الحمامة: وهو ما يحيط رقبتها من ريش يخالف سائر لونها، وهو بالمناسبة عنوان كتاب لابن حزم الأندلسي.

وفى(السياسة) يقال دول الطَّوْق أي مجموعة الدول التي تحيط بفلسطين المحتلة .

بعد هذا التقديم تبدو معظم المعانى التى سبق ذكرها لا علاقة لها بالمعنى المعروف فى لهجتنا المحلية عند ذكر كلمة "اطواقة"، فنحن نقول فلان يطوّق أو فلان طوّاق ونقول "طواقة ع الفاضى".. وهكذا يأتي هذا اللفظ بعدة أحوال، فالطواقة عندنا تعنى حب الظهور والتميز بمظهر لا يعكس الواقع الصحيح والحقيقى للفرد، فصاحب الطواقة يظهر بحال لا يناسب حقيقته ووضعه المادي .. هناك من يسميها "جكترة أو فشخرة" حيث يكون التعامل مع أي شخص يتم على أساس المظهر ولا يهم ما يكونه في دواخله وجوهره. فالمظهر هو المهم. وعادة التقليد أصبحت رائجة، فلو كان ابن الجيران يرتدي أرقى الماركات العالمية من الملابس وباقي المستلزمات فابني ليس أقل منه وهكذا تستمر المقارنات والتفاخر بين الناس، كل ذلك على حساب هدر الوقت والمال والتفكير.

قد نجد علاقة بين الطوق والطواقة فـ"الطواقة" تقيّد صاحبها كما يفعل (الطوق) أو الرباط الذى يتم به ربط الكلب أو الدابة مثلا، وهنا تبرز المقاربة مع المعانى التى ذكرتها فى بداية المقال .

"الطواقة" وحب التفاخر يتجلى فى المبالغة فى حفلات الزفاف وتكاليفه الباهظة لأن صاحبه يحب أن يتكلم كل الأهل والأصدقاء عنه ابتداء من بطاقات الدعوة الفاخرة والهدايا التي تحتويها للمدعوين إلى آخر قائمة مكونات الحفل، حتى أصبحت الظاهرة في الوقت الحاضر لافتة بشكل كبير.

لا شك في أن تأتي الحكمة لإنسان طبيعي، ذلك الذى لديه القدرة على التكيف مع الظروف وتحقيق التوافق المطلوب والعيش بحسب إمكانياته، لأن التكيف مع وضعه المادي يحمي حاضره ومستقبله. إلا أن البعض قد يصاب بحالة نفسية لا يستطيع التفاعل معها مع ما يراه حوله من مغريات ومظاهر ثراء وتفاخر فيصاب بالإحباط والكآبة. ونتيجة لقلة الوعي وثقافة المجتمع التي أصبحت تركز على المظاهر بشكل كبير، يتحول تفكيره نحو البحث عن حلول مؤقتة وتعتبر حيلاً دفاعية حتى يظهر بالشكل الذي يتمناه فيظهر مثلاً كرجل صاحب شخصية مهمة من خلال لبسه وسيارته ورقم موبايله المميز، لنكتشف بعد ذلك أنه شخص مديون ودخله محدود. ولن يحقق هذا الشخص الرضا المطلوب لأن سعادته مؤقتة وسيعيش حالة من التوتر والاضطراب لأنه لا يعيش واقعاً حقيقياً.

الطواقة قد يكون مصدرها ثقافة سائدة تخاطب الجانب العاطفي في الإنسان، كالقبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، وأتصور أنها محصلة لكل الصفات والعناصر السيئة التي تشكل تمايزاً وفروقاً بين الناس وتغييب السلم المجتمعى، كالتعصب والطبقية.. إلخ.
والأخطر من كل ذلك حين يصدق كل طرف ما تمت تغذية عقله به، ويصل الأمر إلى آفة الاستعلاء الذي تتفاوت مفرداتها باللهجة المحلية من الطواقة إلى (التفحيج) و(التكويش) و(التفشيك) وما إلى ذلك من منظومة السلوك غير السوى .