Atwasat

مساربُ قطعتُها وأرجو أن أكتُبَها

أمين مازن الأحد 05 مايو 2024, 02:22 مساء
أمين مازن

لم أكن وأنا أتخذ من بيع الشطائر بأحدث شوارع مدينة طرابلس في سبعينيات القرن الماضي أهدف للاحتجاج على الواقع الذي جاء مع نظام سبتمبر كما عبّرَ الصديق الراحل بشير كاجيجي بأسلوبه الساخر مع رفع شعار الاشتراكية رسمياً في البلاد وأبقى أنا كأحد المحسوبين على ذلك التوجه خارج الدائرة أقتات من مثل هذه المهنة.

فقد كنت مقتنعاً باستحالة العيش الكريم على الراتب الحكومي الضئيل الذي لم يعد يمثل شيئاً أمام الموارد العامة الجديدة وما أوجدته من فرص العيش الكريم وبالذات في قطاع الخدمات الذي يقي صاحبه التقرّب من المشتري، سواء للسلطة وما لديها من أوامر الشراء أو الشارين وقدراتهم على تحميل كل من يقترب منهم مذلة العرض ولا سيما إن كان قادماً من قطاع الفكر.

كما لفت نظري يومها الصديق العزيز محمد الصيد صفر أبرز الذين توجهوا مبكراً إلى ذلك النشاط حرصاً على اجتناب مذلة العرض، فأسس وادي الربيع بشارع النصر في محلَِه الذي استأجره منذ أوائل الستينيات.

وهكذا وجدتني ولمجرد تأسيس محل الأصفهاني بجانب السجل العقاري ومسجد السيدة راضية، سريع الاستجابة لما يدعو إليه شباب تلك الأيام الذين تخندقوا في الأسبوع الثقافي وكنّا معشر سابقيهم نُقدّر حماسهم ونراهن على ما يعدون به وإن كان البعض لا يشاركوننا الأمل المبالغ فيه، رغم أننا دُعينا عن طريق المرحوم أحمد إبراهيم الفقيه إلى لقاء في باب العزيزية كَكُتّاب للمطبوعة المذكورة واستمعنا إلى الكثير من الثناء والحث على المواصلة ومضاعفة النشاط وطُلِبَ إلينا أن نقول ما لدينا، فأسهم كلٌ بما استطاع.

وأذكر أننا اقترحنا إصدار مطبوعة تحمل اسم الأسبوع السياسي، ليكون لها حق تجاوز الثقافة إلى العام بالنقد وتناول الإنجازات، ورغم أن الرد جاء فيه ما مجمله يمكنكم الكتابة في كل ما تشاؤون، أما الإنجازات فكل إنسان وضميره.

لم نشعر بأي ضيق من احتجاجنا على رئاسة مجلة الثقافة العربية من طرف كاتب غير ليبي وكذلك الاحتجاج على إطلاق اسم الرئيس جمال عبد الناصر على شارع الفتح لأن اسمه أُطلِقَ على شارع آخر، وكذلك تحذيرنا من أن يترتّب على النقد الموجه إلى الموسيقى الغربية منع الأغاني، إذ كان الرد في الاجتماع أن ما قيل هو وجهة نظر خاصة وإلا لصدرت التعليمات صريحة.

لقد خرجنا في جو غير قليل من الارتياح، خاصة أن الشاعر محمد سعيد القشاط الذي كان قد تسلم شركة مؤسسة الصحافة من السيد عمر الحامدي لمهمة أكبر مسؤولية، أقول إن القشاط أفلح في الرد كثيراً وهو يُسأل عن عمله فقال مازجاً بين المزح والمعنى الأبعد مع ابتسامة عريضة واصفاً حاله بمن كان يعمل مع أحد الإيطاليين ظناً منه أنه معروف وإذا به يُسأل عن اسمه، والحادثة معروفة لدى كل من لديه فكرة ولو قليلة عن معاملة الإيطاليين لليبيين.

والمهم أن الجلسة انتهت قبل الثالثة ظهراً فخرجنا ممتلئين هناء إلا أن المفارقة كانت في جمع الأشرطة من الأسواق اللهم إلا من أخفاها، وإذا كان هذا الحوار قد تلته حوارات أخرى تعددت أمكنتها ومواضيعها، إلا أنها لم تفقد يوماً القدر الوافر من الاحترام الذي لا بد أن نشهد به حين يأتي وقته.

وتبقى الأسبوع الثقافي التي وثّقت صلتي بالثقافة بدل العمل الخاص بما وفرته من المنزلة التي أقرّها عبد الرحمن شلقم وأشرف وأدار حواراً ذا معنى أجرته فاطمة محمود مضيفة عليه من توجهها واختيارها للصورة التي ملأت الصحيفة وأثارت في زمنها أكثر من غيرة، هو ارتباط أسس له صديقنا الراحل عبد الحميد المجراب من رئاسته لهيئة المسرح التي علَت محل الأصفهاني فأتاحت فرصة التوسع والمشاركة في مراجعة النصوص ما حافظ على رابط الفكر والفن، إنها المسارب التي قطعتها وأرجو أن أكتبها وما زخرت به من التفاصيل والمبادرات الطيبة التي لم يبخل بها الكثيرون ولم تزدها الأيام إلا خلوداً.