Atwasat

مصر البهية

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 03 ديسمبر 2014, 11:03 صباحا
محمد عقيلة العمامي

(1)
«يوم 17/1/1869م، وقف الخديوي إسماعيل أمام خيمة تتوسط خيمتين صممت بلمسات أوروبية تتناسب مع مكانة ضيوف تلك المناسبة العالمية. لقد شبك يديه خلف ظهره ومال إلى الخلف مبتهجا عندما اقتربت السفينة الفرنسية (ليجل) التي كانت تقل معشوقته (أوجيني) إمبراطورة فرنسا! في اليوم السابق كانت الاحتفالات بافتتاح قناة السويس قد بدأت، حيث بارك الشيخ إبراهيم السقا المناسبة بدعاء إسلامي، أعقبته مباركة مسيحية ألقاها (المونسيتور برير) واعظ إمبراطور فرنسا.

مال أحد الضيوف الفرنسيين نحو رفيقته قائلا: «أنا لم أر الخديوى مبتهجًا مثلما أراه الآن! أبسبب هذه المناسبة، أم بسبب وصول الإمبراطورة؟» أجابته رفيقته: «إنه الحب! الذي يبدو أنك نسيته؟ الخديوي مغرم بالإمبراطورة، وهي معجبة به»، ثم تنهدت: «آه يا عزيزي. لا شي يبهجنا نحن النساء مثلما يبهجنا مغرم متيم يهيم بنا..» رد رفيقها الذي لا يبدو أن تعليق رفيقته قد أعجبه: «كلهم مثل سلاطينهم تستهويهم النساء.. كل النساء!!»

في تلك المناسبة عبر الخديوي عن هيامه بالإمبراطورة -عمليًّا– بقصر بناه خصيصًا لإقامتها، ورومانسيًّا بالأوبرا لتسليتها، أما هوس الغريزة فقد جسده بمبولة مصنوعة من الذهب الخالص لتتبول فيها بغرفة نومها!! فلم يكن إلحاق حمام ودورة مياه بغرف النوم قد ابتكر بعد. المبولة تتصدرها ياقوتة حمراء وعبارة منقوشة بالفرنسية تقول: «عيناي ستظل معجبة بك إلى الأبد !!».

ضيوف ذلك الحفل من أباطرة، ورؤساء، ووزراء من مختلف أقطار العالم، ولكن لم يكن من بينهم عربي أو مسلم سوى الأميرعبد القادر الجزائري، الذي ألقى سلاحه، وأنهى عداءه للفرنسيين.

لم يكن من بين المدعويين رئيس أو مسئول عربي واحد، لأنه ببساطة شديدة لم يكن هناك قطر عربي أو إسلامي مستقل لا يتبع الدولة العثمانية! باستثناء المغرب التي لم يطلها التسلط العثماني!

عبر الخديوي عن هيامه بالإمبراطورة عمليًّا بقصر بناه خصيصًا لإقامتها، ورومانسيًّا بالأوبرا لتسليتها

(2)
تركت الحرب العالمية الثانية ليبيا مجرد أطلال دكتها قنابل الحلفاء ودبابات المحور، التي زرعت صحراءها بتناوب كرهما وفرهما بألغام قاتلة ما زلت قائمة حتى الآن، كانت ليبيا مجرد حيز أجرد يعبث فيه الفقر والجوع والعراء والمرض، ثم زاد غياب المطر عامين متتاليين من المأساة فعم القحط والفاقة.

في يوم 18/9/1947 م وصلت ميناء بنغازي باخرة مصرية اسمها (فوزية). كانت محملة بالمؤن، والأغطية، والأدوية، يطل من دكتها أطباء شباب تطوعوا لمعالجة إخوانهم الليبيين. لقد استقبلها الأهالي بفرح، صوره شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي، في حفل تكريم الوفد المرافق للباخرة، الذي أقامته جمعية عمر المختار، فقال قصيدته التي مطلعها: عليك يا مصر بعد الله نعتمد أنت الرجاء وأنت الغوث والسند

الحديث عن دور مصرالجبار في حياة هذا الحيز الذي أسميناه العالم العربي، وأيضا الإسلامي، لا يستوعبه عمود محدد بعدد من الكلمات، وإنما يحتاج إلى مجلدات تجيب على عدد من أسئلة بسيطة: عن دورها في التعليم من بعد التجهيل المتعمد الذي تركه الحكم العثماني؟ عن دورها في الاقتصاد الزراعي والخدمي والاقتصادي الثقافي؟ عن دورها في التصدى للتمدد الصهيوني؟ دورها في الفزعة الحقيقية، عند الكوارث التي يمتحن بها الله جيرانها؟ أين نزح العراقيون، والسوريون .. والليبيون ؟ وأين يلجأ الفلسطينيون، واللبنانيون وقت أزماتهم ؟

(3)
فهل بعد ذلك تتصورون أن ثمة حلا لأية أزمة عربية من دون حضور مصر البهية؟

لماذا أقول لكم ذلك؟ لأنه قيل من قبل: «لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سورية» ولكن الصحيح في تقديري أنه لا حرب ولا سلم من دون مصر العظيمة!