Atwasat

قبيل صلاة العصر

محمد عقيلة العمامي الإثنين 01 أبريل 2024, 01:40 مساء
محمد عقيلة العمامي

يُبدي اليونانيون إعجابهم، ويعبرون عن بهجتهم، بتكسير الصحون تحت أقدام المغنين والراقصين على أنغام آلة (البزوكي) وإيقاع موسيقاهم الوترية، التي اشتهرت كثيرًا، بعد فيلم (زوربا) المأخوذ عن رواية كنزنتزاكس الشهيرة. وتبلغ سعادتهم ذروتها عندما ينهضون، ويشكلون دائرة ليرقصوا متشابكين فوق شظايا تلك الصحون حتى بزوغ الفجر!

عِشق اليونانيين للسهر، وحبهم للرقص والحفلات، والراحة جعل مجموع عطلاتهم السنوية تبلغ 174 يومًا في السنة! ولكنهم، وعلى الرغم من حبهم للفن، والشجن والرقة، لا يترددون أبدًا في تكسير صحون بيتهم فوق رأس من يزعج قيلولتهم!

القيلولة، وقت مقدس في اليونان.. لدرجة أن القانون يحمي هدوءها. كل شيء يكاد يتوقف تمامًا خلالها: لا ضجيج أطفال، ولا إذاعة، ولا جارة تستعير بخورًا، أو صابونًا سائلًا، أو قرص (بانادول) وتتوقف ـ بالضرورة - أعمال الصيانة إن كانت قائمة في شقة من شقق العمارة، أو في الشارع.. بل حتى حركة الحافلات تنخفض إلى حدها الأدنى!

والقيلولة مقدسة أيضًا في بلادنا، ولكن من دون قانون يحميها.. بل حتى أعرافنا الاجتماعية تتجاهلها، على الرغم من اتفاقنا جميعًا على متعتها وأهميتها والحاجة إليها بسبب طقسنا الصيفي، ولعل اتفاقنا مع اليونانيين في أهمية القيلولة مرجعه أننا نكاد نكون على خط طولي واحد!

بطاقة الدعوة لحضور عقد قران، هي في الواقع العدو المزعج للقيلولة الليبية! هذه البطاقة لها قدرة خارقة على رفع ضغط دم المرء حال استلامها! فهي إن وصلته تضايقه لأنها تحرمه من سلطنة القيلولة الممتعة، وإن لم تصله تُثيره لدرجة الحنق، فيتذكر، كل شيء رديء عن صاحب المناسبة، لأنه أسقطه من اهتمامه! وقد يصل الأمر للتذكير بتاريخه المشبوه أمام معارفهما المشتركين حتى يصل تذمره لتتساوى الإساءة!

وكنت قد تساءلت: لماذا لا يقام هذا الحفل تحديدًا بعد صلاة المغرب مثلًا؟ بل لماذا نتجاهل - في ليبيا - هذا الاختراع الإنساني البديع، الذي يقسم الحياة إلى ساعات ودقائق وثوانٍ، لدرجة أن العالم كله يسير وفقه؟ ونُصر على توظيف مواقيت صلاة العصر بدلًا من الساعة التي يتفق العالم عليها؟!

هذا تساؤل كتبته، في مقالة نشرت من نحو خمسة عشر عامًا، مضت، وأضفت إليها أن أمر هذه (الفاتحة) لا يحتاج إلاّ لوكيلي العروسين، وطابع دمغة، وتحرير عقد رسمي موثق من محرر عقود، وما من حاجة لإقحام توقيت صلاة العصر!

وغبت سنوات عن ليبيا، وانتبهت إلى أن الناس وجدوا حلًا لمشكلة القيلولة وتوقيت (الفاتحة) وتوقيت صلاة العصر. ولعل الأسبوع الأول من عودتي وصلتني دعوة (فاتحة) لم يذكر فيها العصر لا من بعيد ولا من قريب! كانت الظهر، يعني قبل القيلولة المباركة، ففرحت بالدعوة وتوقيتها الجديد! ولكنني صدمت بأن الناس اجتمعوا للمشاركة في (فاتحة) تكلفتها عرس (مقنط)، كامل بالغنايات، والدرابيك، وبالصداق أيضًا وجزء من (مقدم) الذهب! حاول (العصر) أن يستفزني، ولكنني لم أعبأ به، فلقد كانت الأطباق باذخة! وسويعات القيلولة لا يقطعها الأذان لصلاة العصر. أما كيف تدبر العريس أمر ذلك؟ فهذا بالتأكيد لا يعنيني.