Atwasat

قهوة مدفوعة وبيتسا بالدين

محمد عقيلة العمامي الإثنين 04 مارس 2024, 02:00 مساء
محمد عقيلة العمامي

إيزابيلا كاميرا دافليتو (1948) أكاديمية مستعربة ومترجمة إيطالية، وتعد واحدة من أبرز من هم في تخصصها بإيطاليا، وهو تدريس الأدب العربي الحديث في جامعة «لا سابينزا» في روما، ولها العديد من المؤلفات، وتشرف على سلسلة الكُتاب العرب المعاصرين التي تصدرها دار «جوفينس» في روما. كما أنها أشرفت على ترجمة أكثر من 40 عملًا أدبيًا عربيًا كبيرًا حتى الآن، ونالت جائزة «غرينزان كافور» العام 2006. كما شاركت في لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية.

قرأت لها مؤخرا مقالا، نُشر منذ أكثر من عشرة أعوام، وجدته في مجلة «الدوحة» مركونة مع اوراق قديمة - العدد 71 سبتمبر 2013، عنوانه «القهوة مدفوعة والبيتزا على ثمانية»، تقول فيه: «في أيامنا الحالية، حيث لا يفتأ الجميع ينددون بالافتقار إلى التضامن الإنساني، ولا سيما في الغرب (البارد)، يظل من دواعي سروري أن أعود بذاكرتي إلى عادة تنتمي إلى الماضي، ولكنها عادت لكي تصبح موضة في السنوات الأخيرة.>>.

و«القهوة المدفوعة» هي عادة، كانت في نابولي، حيث يطلبها الزبون من عامل المقهى، لكنه يحاسب على قهوتين: واحدة يتناولها، في الغالب دفعة واحدة، وهو واقف أمام نضد التقديم، والثانية لأي شخص يدخل المقهى، ويريد قهوة لا يملك قيمتها. والقهوة المدفوعة هي لأي شخص يقترب بهدوء من مُعد القهوة، ويسأله، بأدب جم، ما إذا كان لديه «قهوة مدفوعة؟»، وهي تشبه إلى حد كبير ما يقوم به الجالس في المقهى الليبي بتسديد ثمن قهوة من يأتي بعده. غير أن الاختلاف أنه في الحالة الأولى القيمة مدفوعة لأي أحد لا يملك ثمنها، يعرفه المتبرع أو لا يعرفه. أما في الحالة الليبية، ويمكن العربية أيضا، فهي في الغالب تحية لصديق محدد، وليست لغيره!

حالة «القهوة المدفوعة» عند الطليان، في تقديري، هي أفضل بكثير مما نقوم به، فهي إلى حد كبير سلوك إنساني، فلا أعتقد أننا لا نعرف أن كثيرين في وقتنا الراهن يعجزون عن دفع ثمن قهوة!

المراجع تقول إن المسلمين أول من استعملها ووزعها في أوروبا، إذ انطلقوا بها من ميناء «الموكا» في اليمن، والأرجح أنها جاءوا بها من الحبشة، ومنها اكتسبت قهوة إيطاليا اسم «الموكا» حتى الآن. ولعل انتشارها في العالم الإسلامي، قبل الأوروبي، هو ما جعل فقهاء مكة والمدينة يحرمونها في القرن العاشر الهجري، ولكن هذا التحريم لم يستمر طويلا، وإن طبقت بعض العقوبات على شربها في عدد من المناسبات، ولكن إقرار المنع لم يكون قويا، لأنه لم يكن له سند في النصوص الدينية.

ولعل الإيطاليين أخذوا عادة «القهوة مدفوعة» من عادة سداد الموجود في المقهى قهوة من يدخل عليه، وأذكر «سي عقيلة»، رحمه الله، عندما يقول لأحد سددت قيمة قهوته: «خالصة يا فلان»، ثم يضيف: «عاش من شرب وعاش من (جبا)»، ولكنى لم أجد معني لكلمة «جبا» التي تعني «سدد».

وبحسب علمي، لم أنتبه لهذا السلوك في مقاهي العالم سوى في ليبيا، وها أنا وجدته في إيطاليا. غير أنني أعترف بأن الأسلوب الإيطالي هو الأفضل، فقيمة القهوة مدفوعة لمن لا يملكون ثمنها. أما في بلادنا فهي حالة من حالات التكريم، أو كرم لشخص محدد.

وقد يكون ثمن القهوة في ذلك الوقت مرتفعا، ولا يستطيعه سوى المقتدر، لأن معنى القول: القهوة مدفوعة و«البيتزا» على ثمانية يعني سدادها آجلا لثمانية أيام. فبعد أسبوع، يدفع ثمنها ويبتاع أخرى، لتسدد بعد أسبوع أيضا! ذلك يعني أنه لم يدفع ثمنها مباهاة أو كرما، ولكن قد تكون القهوة، حينها، حاجة يومية، مع العلم أن البيتزا ابتكار إيطالي من نابولي، وأيضا القهوة!.