Atwasat

الكوني وجائزة نوبل للآداب

محمد قصيبات الأحد 08 أكتوبر 2023, 05:59 مساء
محمد قصيبات

يعتقد البعضُ أن من شروط الحصول على جائزة نوبل للآداب هو الولاء للغرب. لا أعتقد أن الولاء للغرب شرط من شروط الحصول على الجائزة. بالطبع يحدث أحيانا أن تُمنح نوبل لأسباب سياسية، خاصة جائزة نوبل للسلام. أما في الأدب فالأمر نادر نسبيا، حيث تحصّل عليها السوفيتي المعارض «سلجنتسين» قبل انهيار جدار برلين، وكذلك الحال مع «بسترناك» صاحب رواية «الدكتور زيفاغو»، والشاعر بابلو نيرودا، الذي وقف ضد الديكتاتورية في تشيلي، بينما حُرم في المقابل بعض الكتّاب الكبار من تلك الجائزة بسبب مواقفهم المؤيدة للفاشية مثل الشاعر الأمريكي عزرا باوند، والروائي الفرنسي لوي فرديناند سيلين، وهناك أيضا كتّاب كبار لم يحصلوا على الجائزة مثل فرانز كافكا ومارسيل بروست، لأنهما ماتا في سنّ مبكرة نسبيا، ونُشرت أهم أعمالهما بعد موتهما، فلم تتمكن اللجنة المسؤولة من الاطلاع على أعمالهما.

*

في بداية الصيف من كل عام، تعد لجنة تتكون من خمسة أشخاص، منتخبين لثلاث سنوات، القائمة القصيرة من المرشحين للجائزة، وتحتوي هذه القائمة على خمسة كتّاب يجرى التصويت على الفائز من بينهم في شهر أكتوبر من كل عام.

لا أحد يعلم الغيبَ، ولكن يمكن القول إن حظوظ الكاتب إبراهيم الكوني هذا العام كبيرة. أعني الكوني السويسري لا الليبي.

**
دعوني أشرح فكرتي
كانت الجائزةُ تمنح لمن يستحقها، خاصة الذين يحملون شيئا جديدا للبشرية في مجال الأدب، حتى جاءت فضيحة العام 2018، لتدخل جماعة «نسويات الجيل الرابع» في موضوع الجائزة. فبسبب فضيحة جنسية تتعلق بأحد المقربين من اللجنة، حُجبت الجائزة ذلك العام، وكادت تنتهي إلى الأبد لولا الوصول إلا اتفاقية مع النسويات، بعد نقاش دام أشهرا، وهو أن تكون الجائزة في السنوات الزوجية للنساء والسنوات الوترية للرجال.

فمنذ العام 2018، صارت جائزة نوبل للآداب توزع بالتناوب بين الرجال والنساء، وهذا الموضوع أربك الحسابات التي اعتمدت عليها لجنة الاختيار منذ العام 1901، وكان ذلك الاتفاق بين اللجنة والنسويات من حظِّ إبراهيم الكوني.

كيف؟
ها هي القصة:
لم تحصل سويسرا على الجائزة إلا مرة واحدة، وكان ذلك العام 1919، وكانت الجائزة لشاعرٍ مغمور، وهو «كارل سبتلر»، بسبب قصيدةٍ من نوع الأوديسة، ولقرب أفكار الشاعر من أفكار الفيلسوف السويسري «جان جاك روسو». بعدها كان من الصعب على سويسرا أن ترشح أديبا سويسريا للجائزة، فمنحت الجنسية لكاتبٍ من أصل ألماني، وهو «هيرمان هيسة»، الذي مكّن سويسرا من الفوز بالجائزة للمرة الثانية العام 1946، وسويسرا ربما تقوم بالأمر نفسه مع إبراهيم الكوني الذي قد يحصل على الجائزة (هذا العام أو بعد عامين).

فكما كان هيسة يكتب عن عوالم شرقية تختلف عن الفكر الغربي المسيطر الذي ابتعد عن عالم الروحانيات، يكتب الكوني أيضا عن مواضيع مختلفة مثل عوالم الصحراء والطوارق (تُمنح الجائزة عادة على مثل هذه الأجواء المختلفة ولغة الكاتب الفريدة).

لا شك أن حظ سويسرا كبير في الفوز بالجائزة في السنوات القادمة، وذلك لأنها كانت ستحصل على نوبل لشاعرها «فيليب جاكوتي»، أحد أهم شعراء القرن العشرين، الذي ترجمتُ له بعض القصائد.

وجاكوتي مواطن سويسري هاجر إلى فرنسا في الخمسينيات من القرن الماضي، ثم ابتعد عن ضوضاء المدينة، وعن أجواء الأدب أكثر من سبعين عاما، وعاش في الريف الفرنسي في قرية بالقرب من قريتي، وكان شاعرا ينبع شعره من البيئةِ، ومن جمال الريف، ويغرفُ كلماته من ماء الأنهار. كان الشاعر سيحصل على جائزة نوبل للآداب العام 2020. لكن لأن الجائزة لا تمنح للرجال إلا في السنوات الوترية، كانت ستكون من نصيبه في أكتوبر 2021، ولكنه توفي في فبراير من العام نفسه.

لم يبق لسويسرا إذن إلا كاتب واحد يمكن أن يحصل على الجائزة.. إبراهيم الكوني، فإن لم تكن الجائزة له هذا العام، فقد تكون العام 2025.
والله أعلم