Atwasat

(على نحو ما ..)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 11 سبتمبر 2023, 05:16 مساء
محمد عقيلة العمامي

يؤخذ الإنسان بطبعه بالأبطال وسِيرهم، فلا أعتقد أن أحدًا منا لم يعجب يومًا ما، ببطل ما!، يقال إن «الناس يجلون أبطالهم، ويؤخذون بهم، ولكنهم لا ينتبهون أن كلًا منا بطل لآخرين!» فبالتأكيد الأب الحقيقي هو بطل في عين ابنه، وأحيانًا زوجته، ولو أن ذلك أمر نادر للغاية!

وفي سياق مشابه، قرأت أن هناك مهندسين يوصف تخصصهم «بيوطبي»، يصممون ألعابًا لذوي الاحتياجات الخاصة للأطفال. ولكم تتصوروا كم هم أبطال في نظر أولئك الأطفال. وفي تقديري أنه ما إن يتعلم الطفل منهم كيف تعمل اللعبة المصممة له، حتى يغمره إحساس قوي أن مبدعها بطل حقيقي!

والكاتب، لابد أنه يُبهر أحدًا ما عندما يتحدث عن تجربة حياته الخاصة، لأنها غالبًا ما تتفق، على نحو ما، مع تجربة شخص ما، في مكان ما.

القصة القصيرة مجرد ومضة يلتقطها الكاتب، ويخلق منها حكاية يوظفها لفكرة ما؛ أما المقالة فهي، في تقديري، انفعال حقيقي أكثر منها ومضة. قد يكون انفعالًا مبهجًا، أو مؤسفًا، يهدف الكاتب إلى أن يشارك فيه قراءه. والخلاصة أنه ليس هناك من لا يملك صندوقًا أو سَحّرية عجيبة ممتلئة بمقالات وقصص لتجاربه الشخصية، منها المضحك ومنها المحزن، ومنها الجيد، وأيضًا كثير غير ذلك كله، خاصة تلك التي كتبت تحت وطأة انفعال. والخلاصة أنني انتبهت إلى أنه لي سحّرية كبيرة تحوي من كل ما ذكرت، قرأت بعضها فضحكت وحزنت، وأعترف أنني خجلت من بعضها، وتأسفت عن ترددي في نشر بعضها! ولكن ما هدأَني، وما دفعني إلى العودة إلى سحريتي كتاب أنيق وجدته، غير بعيد منها عنوانه: «حوار الأمكنة والوجوه» كتبت مقالاته بالتأكيد قبل 23 سنة - رقم إيداعه (3637/2000) وهو لكاتب وشاعر غني عن التعريف، باعتبار أنه أحد رموز الكُتاب العرب المعاصرين؛ إنه الأديب سيف الرحبي شاعر وكاتب عماني ورئيس تحرير مجلة «نزوى» الثقافية الفصلية التي تصدر في مسقط، والتي لا أعتقد أن كاتبًا عربيًا لم يتابعها منذ صدور عددها الأول في نوفمبر من عام 1994. ولابد أن مواضيع الكتاب كتبت، بانفعال حقيقي، بأكثر من ومضة، أودعت بسحرية كاتبها التي أصدرها مجموعة بعد حين، يقول في ومضته التي افتتح بها مجموعته «إلى تلك المرأة» التي لابد أنها هي التي أهداها مجموعة مقالاته، وهي السيدة والدته، يقول: «... من السذاجة بالنسبة للشاعر والفنان طرح أسئلة الاستقرار النهائي أو التكيف... لأنه في ترحال مستمر في اللغات والمخيلات والأمكنة. وهو أحيانًا في ترحال دائم حتى وهو لم يبرح مكانه، يجوس الأزمنة والأجيال والقارات..» وعلى هذا النحو ما يكتبه اليوم، قد لا يتفق مع ما يحدث اليوم التالي، ولكنه قد يتفق على نحو ما، مع حال ما ينبلج مع فجر الأسبوع الموالي، وبالتالي يكون محفوظًا في (سحرية) التي دائمًا يجد بها أفكارًا ، أو مواضيع كتبت ولكن تأجل نشرها.

قررت أن أكمل قراءة مجموعة هذا الكتاب، لأنها بالتأكيد لم تكتب كلها في آن، لأنها لا ترتبط ببعضها البعض، مثلما تكون الدراسة أو الرواية. ثم أؤكد أنني لن أستطيع إتمام قراءة هذه الحوارات - المقالات - مرة واحدة، بل ستكون ضمن مواضيع (السحرية)، التي لا أعلم يقينًا متى أنجزها، ولكنها سوف تنجز بعون الله.

كنت قد سبق وأن تناولت مقالته (جدل الأشكال الشعرية ونزار قباني) التي قال فيها: طوال تاريخ الإبداع هناك صراع أشكال ورؤى، ليس فقط صراع «أجيال» بالمعنى المانوي ـ لعلني فهمتها إشارة إلى مذهب المانويّة (الفلسفة والتصوُّف) - المستخدم بحدة، ومن منبت بديهي، كون الإبداع لا زمن له بمثل هذه الرؤية المحدودة للزمن. ويشير، في خاتمة تلك المقالة، إلى الأزمة المرورية، التي حدثت في مسقط العاصمة العمانية، التي تسببت فيها أمسية نزار قباني الشعرية، ويختتم مقالته بقصيدة مطلعها:

<<ليذهبوا حيث شاءوا..
للمقاهي والكنائس والساحات
للجبال والسهول والوديان.
سيتكلمون لغتنا لا محالة
تلك اللغة التي اكتسبناها
بخبرة الألم والعذاب
حفريات لا تخوم لها في هذا الجسد
ورغبات لا تحدها الجدران والأقبية>>

هذه المرة تعلقت بمقالة أخرى من الكتاب نفسة «حوار الأمكنة والوجوه» عنوانها: «على رصيف العام الجديد» اختتمها بفقرات قال في أولها: نلتقى بالأصدقاء بعد غياب طويل، نلتقي بهم (مبتهجين، مستبشرين) قادمين من شوارع ومدن.. وانكسارات، وتمضي الأيام (ونرى خيباتهم المريرة). وما وضعته ما بين الأقواس هو إضافة من عندي لواقع حال مررت به مرتين، الأولى عندما قابلتهم، بعد غيابهم الطويل عن مراتع طفولتهم وطفولتي، إبان غربتهم الطويلة كمعارضين لسياسة القذافي. والثانية أبرزها الأستاذ سيف الرحبي، في فقرة أخرى، قال فيها: «لقاءات رائعة رغم الالتباسات الكثيرة وعُصاب الجماعة وخيباتها». وهذا واقع الحال من بعد أن غبت أنا طويلًا عنهم وعن مراتع طفولتي وصباي.. وأيضًا كهولتي، ليس لكوني معارضًا ولكن لأن خيبات رهيبة في بعض ممن ظننت أنهم بشر، واكتشفت أنهم ليسوا كذلك، وصعب عليَّ، كثيرًا، أن أشترك معهم في نعمة الشهيق والزفير، والمرارة أن يكون زفير المرء أكثر من شهيقه! والعار المرير أن تعي ذلك وتختتم كهولتك المباركة بزفير متصل!