Atwasat

شنق المستقبل

منصور بوشناف الأربعاء 06 سبتمبر 2023, 07:04 مساء
منصور بوشناف

في كتاب «ذاكرة الميدان لشكري السنكي» ينتفض مستقبل ليبيا على أعواد المشانق في ساحات بنغازي، تنتفض أجساد شهداء الحركة الطلابية والوطنية أمام عيون ليبيا وعيون العالم، ليهمد بعد ذلك كل شيء، تغرب الشمس عن بنغازي وعن ليبيا ويسود الصمت والظلام.
تلك اللحظات كانت ذروة رحلة طويلة وشاقة لمستقبل البلاد، خاضها هذا المستقبل «الحلم»، خاضتها الحركة الطلابية الليبية منذ ولادتها بداية منتصف القرن الماضي الأخير وحتى انتفاض تلك الأجساد على أعواد المشانق.

كان السابع من أبريل 1977 لحظة فارقة في التاريخ الليبي «ما بعد الاستعمار» وأول ملامح تلك اللحظة كان «إحياء الإرث الفاشي الإيطالي في ليبيا» بشنق الليبيين في الشوارع والساحات العامة.

كانت حكومات الاستقلال الوطني «غير العميلة» كما يسمونها وتحت شعارات الاستقلال ومحاربة الاستعمار قد اكتشفت الكنز الفاشي، «الشنق في الميادين العامة أمام عيون الناس» كأهم سلاح لكسر شوكة المقاومة والقضاء عليها، فلقد كان شنق «عمر المختار أمام شعبه» ثم قتل وقطع رأس «يوسف بورحيل» آخر فصول المقاومة الليبية المسلحة ضد الفاشية الإيطالية ونهاية فصل مأساوي من تاريخ ليبيا الحديثة.

في السابع من أبريل عام 1977، وفي بنغازي بالتحديد، وبحبال مشانق إيطالية الصنع تم إعدام عمر دبوب ومحمد بن سعود وعمر المخزومي في الساحات العامة وتركت أجسادهم لساعات طويلة تتدلى على أعواد تلك المشانق وبتلك الحبال الإيطالية.

الحركة الطلابية الليبية كانت ومنذ الاستعمار الإيطالي ركناً مهماً في الحركة الوطنية الليبية. فطلاب العلم الليبيون في الزوايا والكتاتيب هبوا والتحقوا بالمقاومة ضد الغزاة الطليان «طلاب الزوايا السنوسية ببرقة وطلاب الزوايا بطرابلس» وأقرب مثال لذلك «الطاهر الزاوي وسليمان الباروني».

وكان الطلاب الليبيون الدارسون بالخارج في تلك الفترة سنداً مهماً وصوتاً معبراً عن مقاومة الليبيين للاستعمار وأحلامهم بدولة مستقلة.

في فترة الإدارة البريطانية كان الطلبة مساهمين رئيسيين في الحراك الاجتماعي والسياسي من أجل الاستقلال.

رغم كل تلك النضالات وحمل هموم المستقبل لم يتمكن الطلبة الليبيون من تكوين اتحادهم ليواصلوا نضالهم من أجل تكوينه وتفعيله بعد الاستقلال لتتجدد معركتهم ضد السلطة سبعينيات القرن الماضي للتتوج تلك النضالات بانتفاض تلك الأجساد على أعواد مشانق الفاشية الوطنية بحبال إيطالية الصنع.

حفلة الشنق تلك التي أُرغِم الناس في بنغازي على مشاهدتها لترهيبهم وترهيب كل الليبيين كما تم في «سلوق» بشنق «عمر المختار» كانت شنقاً للمستقبل، مستقبل ليبيا في الحرية والاستقلال والعيش الكريم، كانت قتلاً للقانون «دبوب وبن سعود كانا يدرسان القانون» كانت قتلاً للمعرفة والتنوير والتحديث.

يتتبع الكاتب في هذا الكتاب كل ذلك عبر شهادات شهود وضحايا تلك المجزرة التي تواصلت حفلات شنقها للمستقبل طوال الثمانينيات من القرن الماضي.


رحم الله شهداء الحركة الطلابية الليبية في كل العصور وكل الشكر لمؤلف هذا الكتاب المهم الذي أتمنى أن يكون بداية لكتابة تاريخ ليبيا الحديث.