Atwasat

الوطن بيت كبير

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 13 أغسطس 2023, 06:50 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

نشر عمر الكدي مقالاً في «الوسط» بعنوان «مفهوم الوطن لدى الليبيين»*، وتناول سالم العوكلي هذا المقال في مقال عنوانه «دولة أم وطن»** ركز فيه على الفكرة الأساسية في مقال الكدي القائلة بأن مفهوم الوطن لدي الليبيين هو أرض القبيلة.

أنا أرى في ردود الكتَّاب الليبيين على بعضهم، خاصة إذا تعلق الأمر بالشأن الليبي، ردوداً رصينة هادئة، فعلاً في غاية الإيجابية، وأعتبره نشاطاً يتاخم نشاطات الحوار الوطني.

وانطلاقاً من موقفي المبدئي هذا، أخصص هذا المقال لمناقشة ما أعتبره أهم النقاط في مقال العوكلي المشار إليه أعلاه.

يشير العوكلي إلى «استقلال ليبيا بنظام فدرالي توحد في ظل ضغط الدول التي لها شركات نفطية عاملة في ليبيا، وأتعبتها بيروقراطية ثلاث حكومات إقليمية، وحكومة رابعة اتحادية»، وهذا صحيح تماماً. ولكنه ليس العامل الوحيد، إذ ثمة عامل آخر أعتبره أكثر أهمية يسكت عنه (ولنكن صريحين في هذه المسألة) دعاة الفدرالية. وهو أن المزاج الشعبي العام حينها كان مع مطلب الوحدة، وهنا التقى المطلب الشعبي مع مطلب الشركات. والدليل على ذلك أنه لم تقم احتجاجات ضد إعلان الوحدة حتى في إقليم برقة، معقل الانفصاليين والفدراليين حالياً. قد يكون سبب القبول الشعبي في برقة بإلغاء الفدرالية وإعلان الوحدة يكمن في أن النظام الملكي كان محسوباً على إقليم برقة، وبالتالي رأى البرقاويون أن في إعلان الوحدة نوعاً من سيطرة إقليم برقة على إقليمي طرابلس وفزان وتبعية الإقليمين الأخيرين لإقليم برقة، وبسقوط النظام الملكي وسيطرة القذافي على السلطة حسب نظام القذافي على إقليم طرابلس وبالتالي تغير سهم السيطرة والتبعية، ما أدى إلى ظهور مشاعر ودعوات الانفصال والفدرالية.

يعتبر العوكلي أن «مفردة «الوطن» مفردة رومانسية مثلها مثل مفردة «الحرية»، فماذا يعني الوطن؟. في اللغة الإنجليزية تطلق المفردة نفسها HOME على الوطن والبيوت، وعلى الإقليم أو المدينة أو القرية»، ليصل بعد شرح مفصل إلى نتيجة يميز فيها بين الدولة والوطن ويقرر أنه يمكن أن «يوجد وطن دون دولة، لكن لا يمكن أن توجد دولة دون «وطن» أو أوطان داخل سلطتها». وهذا تمييز مهم، إلا أن «الوطن» ما زال يتبعنا «يوجد وطن دون دولة» وليس (أوطاناً)، ولكن نفاجأ بأن وجود الدولة قد يحول الوطن إلى «أوطان داخل سلطتها» وكأن الدولة تلعب دور عامل انقسام (كي لا أقول: تشظٍ) بدل أن تكون عامل توحيد. ولعل مؤدى الكلام بأن الدولة الليبية ينبغي أن تكون ذات نظام فدرالي تكون فيه كل فدرالية بمثابة وطن (= دولة) داخل سلطة الدولة.

أريد هنا العودة إلى نقطة الوطن والبيت اللذين يعبر عنهما في الإنجليزية بمفردة واحدة هي Home التي حاجج بها سالم ضد شمولية كلمة «وطن» وتوحده كإقليم تحت نفوذ دولة. الواقع أن لفظة وطن العربية لها نفس المعنى. ففي اللسان «الوَطَنُ: المَنْزِلُ تقيم به، وهو مَوْطِنُ الإنسان ومحله». ثم نجد معنى أوسع «وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتخذتها وَطَناً». إلا أن معظم الألفاظ في أية لغة تزحف في كل مرة على معانٍ جديد في رحلة تاريخية، ولا يمكن أن ننحصر في المعنى الذي جعلت له أول اختراعها، وإلا فما نفع كل هذا التطور؟!. إلا أننا يمكن أن نجاري هذا التوجه ونقرأ لفظة «بيت» في الإنجليزية والعربية قراءة سيميائية (= دلائلية). فالبيت يستدعي وجود الأسرة، أو العائلة، فسكان بيتي هم أسرتي، وسكان وطني (بمعنى الدولة) هم عائلتي. ووجود نوستالجيا «عادة ما تكون موجهة إلى المكان الحميمي للفرد داخل ما يسمى افتراضاً «الوطن» الكبير» لا يقدح في التعلق بمفهوم الوطن الكبير، مثلما أن حنيني إلى غرفة محددة في بيت أقمت فيه طويلاً وغبت عنه طويلاً لا يلغي حنيني إلى هذا البيت بكامل بنيانه.

* https://alwasat.ly/news/opinions/405327?author=1
** https://alwasat.ly/news/opinions/407711?author=1