Atwasat

غض العقل وغض البصيرة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 18 يونيو 2023, 01:31 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

ثمة طرفة تقول أن إمام اليمن، في إحدى جلسات القات مع مستشاريه ووزرائه، قال أنه مستاء من حال التخلف التي عليها الشعب اليمني، وأنه يفكر في الخروج بشعبه من حالة التخلف هذه، لكنه لا يدري كيف يفعل ذلك، فقال له أحد مستشاريه: أليست أميركا دولة متقدمة؟. قال الإمام: بلى. قال المستشار: المسألة سهلة إذن. نعلن الحرب على أميركا، فتأتي أميركا وتحتلنا، ومن خلال احتلالها هذا يتحدث الشعب اليمني ويتطور، فقال الإمام: وإذا انتصرنا نحن على أميركا؟!.

بغض النظر عما إذا كانت هذه مجرد طرفة أم واقعة حقيقية، فإن المهم فيها، في الحالين، أن الإمام يدرك تخلفه وتخلف شعبه، ويقر به.

لكننا، في ليبيا، ابتلينا بمتخلفين أمسكوا بمقاليد أمورنا لا يعون أنهم في قمة التخلف (أو في حضيضه.. لا فرق)، ويسعون إلى جرنا إلى هذه القمة (أو هذا الحضيض.. لا فرق)، اعتقادا منهم أنهم يسدون لنا ولأنفسهم خدمة لا تقدر بثمن، ويضعون في أعناقنا جميلا وفضلا ستظل تذكره لهم أجيالنا القادمة إلى أن تزلزل الأرض زلزالها.

أناس لست أدري كيف تم إحياؤهم وبعثهم من القرون الوسطى، كأنهم «أهل الكهف» وزرعوا بيننا، فسلمناهم زمام شؤوننا ومفاصل دولتنا، فعاثوا فينا وفيها عبثا.

لا مجال هنا لسرد قائمة بأفعالهم العبثية هذه، وسأكتفي بالإشارة إلى آخر اثنين منها:
أولاها تشكيل ميليشيا «حراس الفضيلة» من قِبل هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في طرابلس، وثانيها إزماع مجلس النواب الليبي إصدار قانون «حد الساحر والمشعوذ».

وبغض النظر (ومشكلتنا أننا دائما نغض النظر عن أسس قاعدية) عما إذا كان يوجد، من الناحية القانونية، مجلس نواب فعلا، وعن قانونية جلساته، وما يصدر عنه من قوانين، وبغض النظر (مرة أخرى) عن أعداد «السحرة» و«المشعوذين»* في ليبيا، أريد القول إن هذه مسألة متعلقة بالثقافة الشعبية، ولا تحارب بإصدار القوانين وإيقاع العقوبات، وإنما بنشر الثقافة العلمية. وأعني بالثقافة العلمية ليس، فقط، تطوير المناهج العلمية من خلال حشوها بالمعلومات في فروع العلم المختلفة، وإنما عبر نشر أسس التفكير العلمي ومناهجه القائمة على الاستخدام الفعال للعقل، وتنمية روح الاجتهاد، وضمان حرية الفكر والتعبير عن الرأي.

* مؤكد أن أعداد «المشعوذين» تفوق بكثير أعداد «السحرة»، سواء أولئك الذين يشعوذون بالدين أو السياسة، أو بهما معا.