Atwasat

(زقْ الليلة!) الله يخليك

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 25 أبريل 2023, 12:51 صباحا
محمد عقيلة العمامي

في ستينيات القرن الماضي، تفجرت الثورة الجنسية في بريطانيا، انتشر (الميني جيب)، وارتفعت في البداية تنانير الفتيات الإنكليزيات إلى ما فوق الركبة. فانطلقت غابات السيقان تجوب، في البداية شوارع لندن، ثم انتقلت إلى بقية المدن. أخذت الرومانسية مسارا جديدا. اتجه التأليف والإبداع نحو المواضيع الحياتية المباشرة، قصص الحب لم تعد رومانسية تماما، وإن استمرت بالكثير من الواقعية، والقليل من الرومانسية. تراجعت مؤلفات الجريمة والحبكة الغامضة، وذكاء تتبع الجريمة والوصول إلى منفذيها. انتشرت مؤلفات الخيال العلمي.

ولكن اللافت للنظر، انتشار مواضيع العلاقات (الحياتية) ما بين الذكر والأنثى، وبالتحديد الزوج والزوجة. لم تعد مواضيع غائبة عن النشر، ولم تعد بالرومانسية السابقة، وإنما واقعية كضرورة توفر البصل والثوم في المطبخ، جنبا إلى جنب، مع الزهور والورود.
أنا من الجيل الذي عاصر، أو بمعنى أدق، استفاد من الروايات العالمية التي نقلها المترجم منير البعلبكي إلى اللغة العربية بحرفية وموهبة أديب. ومع مطلع السبعينيات أخذت، أيضا، كتب علم النفس، والثقافة الأسرية، وحتى الحميمية في الانتشار، لكنها كانت أقل بقليل، من بقية التراجم.

هذا كتاب قديم وجدته في (السحرية) عنوانه (فن إيجاد السعادة في الحياة الزوجية) يحكيها (مستشار الزواج: هيربرت زيروف)
وترجمتي للعنوان ليست حرفية، وإنما للمعني المرجو من العنوان الإنكليزي: (Finding Intimacy: The Art of Happiness in Living Together)

يقدم هذا السيد المستشار، وهو دكتور في علم النفس، وحامل ماجستير في علم اللاهوت، وخدم كنائس عديدة، ولد سنة 1934 في (بروكلين) نيويورك. وظل لديه تعطش لا يشبع للتعلم وشارك معارفه مع الآخرين. درب العديد من القساوسة في جميع أنحاء العالم. يتلخص كتابه (إيجاد العلاقة الحميمة، فن السعادة في العيش معًا) في نقاط بمقدورنا تلخيصها، من بعد القناعة بأن العثور على حب حقيقي، يعني التخلص وباختصار شديد من وهم توقعات عاطفية، غالبا ما تكون غير واقعية، وإن وجدت، فإنها لا تتوافق أبدا مع الواقع، وهو يؤكد أنه ليس عدوا للرومانسية، ولكنه ينبه إلى أن الحب قد ينهار إن تمسك أحد الطرفين بآمال يتعذر تحقيقها. ويصدمنا - نحن الرومانسيين!- فيقول: الحب حالة غير واقعية.. «فاشتباك أيدي العاشقين» اللذين قد يكتفيان - في بلادنا- بمجرد المشي عند غروب الشمس، دون اشتباك الكفين، على شاطئ البحر في الأماسي الصيفية يعبر عن حالة رومانسية، ولكن ذلك لا يتحقق في الواقع إلا في الإجازات! فواقع المعايشة اليومية يلغى حتى التفكير في تنفيذ ذلك، وغالبا ما تتطلع الأنثى لمثل هذا السلوك وتبتهج به ويسعدها كثيرا، ولكن الذكر المثقل بمسئوليات الحياة اليومية لا يمكن له أن ينفذها لها، فهو يفكر في أقساط الغسالة المتأخرة! ومصاريف الأطفال في بداية العام الدراسي، وبضعة أشياء أخرى، فالرومانسية وتكاليف المعيشة، تختلف رؤيتها ما بين العاشقين ويعد حائلا دون تحققها.

وفي العموم، مثلما يقول مؤلف الكتاب، الحب يحتاج إلى مساحة لحرية التنفس، فقد يكون أحدهما في حاجة لأن يتمشى بمفرده، ليس لأنه لم يعد يحب حبيبته، ولكن لأنه يريد أن يختلى بنفسه لتأمل حالة ما، أو لمعالجة أمر يصعب البوح به ومشاركته حتى مع شريكة حياته، وتلك الحالة تحتاج لأن يكون الحدس عند الطرفين عاليا مع الاستعداد الدائم للقيام بالجهد كله لمعرفة ما يشغل شريكه، من برنامج تحقيقي بوليسي متكامل، إذ إن المحب يتعين أن يكون قارئا جيدا لأفكار الحبيب والاستعداد الدائم للمساعدة.
إن التطور المتسارع الذي جعل من الأنثى على سبيل المثال تشارك في مناحي ومناشط الحياة كافة، وصل بالأنثى لأن تمتهن المصارعة، وتعلم فنون الاقتتال، وامتهان الجندية، هو في الواقع رفع من مكانة الجنس اللطيف، إذ أصبح هذا الجنس الناعم لا يفرقه عن الجنس الخشن سوى الموهبة وذكاء الاستيعاب، وبالتالي المساواة العملية الحقيقية، لا تختلف عن الذكر إلا في الوظائف البيولوجية.

المحبان، في بداية حياتهما يريان أن أي تبدل في سلوك أحدهما يعني أن الحب انتكس، وأن الشريك لم يعد كما كان، والحقيقة أن طبيعة التغيير تلازم المحبين، ولنقل الزوجين، في بداية حياتهما، فالزوج ظروف عمله متغيرة، وبالتالي سلوكه. وكذلك الزوجة لم تعد جزءا من عائلة تتسيدها أمها، وإنما أصبحت ربة بيت مسئولة عن احتياجات زوجها ثم أطفالها، ناهيك عملها إن كانت عاملة.
وفي الأحوال كلها لا ينبغي أبدا أن يشعر أي من الطرفين بأنه الأضعف في معادلة الحياة الزوجية، الأسلم أن يشعرا أن كلا منهما ذو أهمية واعتبار لدى الطرف الثاني.

إنها أمور تبدو بسيطة وبديهية، لكننا لا نهتم بها لأننا لم نعد شخصين، وإنما كيانا واحدا. إن ما ينبغي الانتباه إليه، هو أن هذين الشخصين يتحركان بقوة دفع واحدة، وعليهما أن ينتبها إلى حق الشريك في النسبة نفسها التي يحتاجها هو لتستمر الحياة، يعني أن يكون طرف قادرا على أن يفوت هفوة، أو سوء فهم، أو ارتباك في تفسير أمر ما! ولا يقف عنده، تماما مثلما اصطلح إخواننا المصريون على مثل هذه الحالة بمصطلح (زقّ الليلة!) بمعني (فوتها أو مشيها) لتستمر الحياة.

وأنا لماذا كتبت لكم هذا المقال؟ لأنني بعدما قرأت الكتاب الذي ذكرته، تساءلت: هل صدر لنا أي كتاب أنيق، يتناول بتبسيط مثير مثل هذه المواضيع؟ وسط هذا الكم الهائل من العناوين، بعض مرعب، بل، وأحيانا جدا.. والحقيقة أنني متابع لما ينتجه كتابنا منذ ستينيات القرن الماضي، ولا أذكر أحدا كتب لنا، وببساطة مثل هذه مواضيع، وقريبة من موضوعي هذا، سوى السيدة المرحومة خديجة الجهمي، والسيدة حميدة البراني، والأستاذ المرحوم المربي المهذب، الذي لم ينل حقه أبدا الأستاذ فرج الشريف؟ أنا لا أعتقد أن أحدا يتذكره سوى قلة من (حفريات) - مثلي- من زمن بنغازي عندما كانت، يوما ما، عاصمة للثقافة!