Atwasat

ارتداد الفعل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 يوليو 2022, 11:39 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

إذا نفذ شخص إلى «مفاتيح» شخصية إنسان ما، فسيكون بإمكانه، إلى مدى كبير، توجيه سلوكه إلى الوجهة التي يرغبها، إذ يستطيع بسلوك ما، أو كلمة، يدرك تأثيرها في هذا الشخص ويتوقع سلوكه حيالها، دفعه، أدرك هذا الأخير ذلك أم لم يدركه، إلى القيام بتصرف معين. هذا على مستوى العلاقات بين الأفراد، لكنه ينطبق أيضًا، وفي حالات كثيرة، على مجال العلاقات بين الدول، إذ من المعروف أن ثمة مراكز بحوث نفسية تدرس الإطار العام لنفسيات الشعوب ونفسيات الزعماء السياسيين.

فبالنسبة إلى نفسيات الشعوب (إذا ما تغاضينا عن علم الآنثروبولوجيا الذي نشأ في أحضان الاستعمار بهدف دراسة ثقافة الشعوب المستعمرة وإيجاد السبل لتدجينها) هناك دراسات نفسية أكثر تخصصًا. يذكر محمد حسنين هيكل في أحد كتبه أن هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأميركي، قبل أن يبدأ جولاته المكوكية في الشرق الأوسط بعد 1973 استشار عالم نفس صديقًا له فزوده هذا بدراسة عنوانها «السوق والخيمة»، مؤداها أن الذهنية العربية يتحكم فيها عاملا السوق والخيمة.

فعندما يجتمعون لحل خلافاتهم يلتقون في الخيمة ويأخذون بالحديث في نفس الوقت كما في السوق ويرفعون سقف المطالب، ومع استمرار النقاش يقل عدد المتحدثين وينخفض مستوى الحدة والحماس وتبدأ التنازلات المتبادلة مثلما يحدث في المبايعات في السوق. أما بالنسبة إلى الزعماء، فليس ببعيد ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حين أدخل أثناء اجتماعهما كلبته، ما جعل ميركل تضطرب وترتبك.

ذا المدخل يقودنا إلى الحرب الروسية-الأوكرانية (أو بالأحرى، الحرب الأطلسية-الروسية) الدائرة رحاها الآن. فمن غير المقنع القول إن زعماء حلف الناتو، وبالذات أميركا، وهم يتخذون قرار مدِّ حدود الحلف إلى حدود روسيا مباشرة، كانوا يتوقعون من روسيا أن تظل صامتة ساكنة والحلف ينشئ قواعد عسكرية تحوي أسلحة نووية على مرمى حجر من حدودها. أتوقع أن احتمال قيام روسيا بغزو أوكرانيا، في هذه الحالة، كان متوقعًا.

وبما أن لكل خطوة، بالذات في مثل هذه الحالات، أهدافًا، فما هو هدف دول حلف الناتو (وبالذات أميركا) من محاولة جر روسيا إلى القيام بغزو أوكرانيا؟ يبدو لي أن ثمة وراء ذلك هدفين أساسيين. الأول، دفع روسيا إلى الكشف عن أسلحتها المتطورة التي لا يعلم عنها الغرب سوى القليل، أو لا يعلم شيئًا، ومن ثم دراستها ومحاولة تطوير أسلحة نديدة لها أو تفوقها. الهدف الثاني، بإطالة أمد الحرب من خلال دعم الناتو أوكرانيا بأسلحة دفاعية متطورة، يعاني المخزون الروسي من السلاح والذخيرة إنهاكًا على نحو يجعل مصانع السلاح الروسية عاجزة على ملاحقته.

وقد تجلى ذلك فعلًا من خلال طلب روسيا شراء مسيرات من إيران. لكن هذه العملية، ومع استطالة فترة الحرب، ترتد على دول حلف الناتو التي تغذي أوكرانيا بالأسلحة. فمخازن سلاح الناتو ذاته طالها الإجهاد ولحق بمصانع أسلحة دول الناتو ما لحق بمصانع السلاح الروسي من عجز.