Atwasat

الوعي الزائف.. ومسائل أخرى

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 26 ديسمبر 2021, 11:47 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي


رغم أن ماركس لم يستخدم مقولة "الوعي الزائف"، وإنما استخدم مصطلح الآيديولوجيا، إلا أن هذه المقولة احتلت موضعا مركزيا لدى الفلاسفة والمفكرين الماركسيين لاحقا. وكلاهما، الآيديولوجيا والوعي الزائف، يشيران إلى الوعي الطبقي، حيث تكون تصورات الفرد وأفكاره متبلورة عن مجمل الظروف المحيطة به في طبقته ومجتمعه، وتكون هذه التصورات والأفكار عاكسة لعلاقته بهذه الطبقة وهذا المجتمع، ولكن على نحو زائف، أي غير حقيقي وواقعي. لكن ذلك لا يعني أن هذه العملية تحدث بشكل متعمد. يقول إنجلز: "الآيديولوجيا عملية تنجز من قبل من يسمى المفكر الذي يفكر تفكيرا واعيا، هذا صحيح، وذلك من خلال وعي زائف. إن قوى الدافع الواقعي تضطره إلى أن تظل هذه القوى غير معروفة لديه، وإلا فإن هذا، ببساطة، لن يكون عملية آديولوجية".

وهذا يعني أن مضمون الوعي الزائف هو الدفاع عن المصلحة الطبقية ومحاولة تأبيدها، وإقناع الطبقات الأخرى، التي تختلف مصالحها مع مصلحة هذه الطبقة، بأن هذه الآيديولوجيا تمثل تعبيرا حقيقيا عن الواقع، وذلك من خلال إخفاء هذه المصالح عبر فكر ميتافيزيقي أو مثالي مجرد تكون صلته بالواقع واهية.

*
ننتقل إلى قضية أخرى تثار حول نظرية ماركس، لا تمثل "وعيا زائفا" وإنما "تزييفا" متعمدا لهذه النظرية. وهو استدلال الكثيرين على بطلان نظرية ماركس من خلال عدم صدق تنبوئه بقيام الثورة الاشتراكية في بريطانيا أو ألمانيا، باعتبارهما الدولتين الأكثر تقدما صناعيا في أوروبا حينها. وهذا النقد لا يفرق بين "التنظير الفلسفي" وبين "التنبؤات، أو،التوقعات الجزئية". فهذه ليست من النظرية. إضافة إلى أن هذا التنبؤ كان نابعا من المعطيات الواقعية الماثلة آنذاك. وواضح أنه لم يكن بمستطاع ماركس حينها التنبؤ بالتغير الكيفي الذي سيطرأ على الرأسمالية بتحولها إلى إمبريالية. فماركس كان منظر عصر الرأسمالية، بينما كان لينين منظر عصر الإمبريالية. لقد أوجد لينين فكرة "الحلقة الضعيفة" التي مؤداها أنه بتطور الرأسمالية إلى إمبريالية لم يعد ممكنا قيام ثورات اشتركية في الدول الأكثر تقدما صناعيا. بل على العكس، يمكن أن تقوم في دول مستوى التقدم الصناعي فيها منخفض ولم تسد الرأسمالية فيها سيادة كاملة. وبهذا أحدث لينين تطويرا وتجديدا في الفكر الماركسي الذي هو، بحكم تعامله مع الواقع العيني الموضوعي المتغير الخاضع للتطورات التاريخية، لا يعد فكرا جامدا متحجرا.

*
جانب آخر يثار حول أن التطبيق الاشتراكي أدى إلى ظهور أنظمة اسبدادية شمولية تمثلت، بالذات، في النموذج السوفياتي للاشتراكية. وهذا صحيح تماما، ونقد النموذج السوفياتي، بل وإدانته، مشروع، وحتى واجب إنساني. وقد ادان كثير من الفلاسفة والمفكرين الماركسين ممارسات هذه التجربة واعتبروها لا علاقة لها بالمشروع الماركسي، وأنها تعتبر تشويها فاحشا له. يكفي هنا أن نستشهد بأحد ألمع الفلاسفة الماركسيين، عالم النفس إريك فروم*.

يقول فروم: "لقد اعتقد الاشتراكيون الروس، كالاشتراكيين الإصلاحيين، أنهم أعداء الرأسمالية، بينما نراهم يتصورون الشيوعية – أو الاشتراكية – من خلال روح الرأسمالية" (ص21). ويقول أن "الإرهاب المنزوع اللجام في عهد ستالين [تحول] إلى دولة خروتشيف البوليسية الرجعية" (ص22). ويقول بأن ماركس، لو كان حيا، سينعت التجربة السوفياتية "بما دعاه ‘‘الشيوعية الفظة‘‘ التي يشير من خلالها إلى بعض الأفكار والمحاولات الشيوعية في عصره" (ص54). ويقول: "والحقيقة، أن وضع العامل في المصنع "الاشتراكي‘‘ الروسي، وفي المصنع البريطاني المملوك من قبل الدولة، أو في مصنع أمريكي كجنرال موترز، كان سيبدو لماركس، جوهريا، في وضعية واحدة" (ص58).

* إريك فروم. مفهوم الإنسان عند ماركس. ترجمة: محمد سيد رصاص. دار الحصاد للنشر والتوزيع. سورية – دمشق. 1998. وأرقام الصفحات الواردة في المتن تحيل إلى هذه الطبعة.