Atwasat

ثغرة الجهوية والإسلام السياسي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 27 يونيو 2021, 12:37 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يتناول مقال "مشروع الدستور بين الجهوية والدين"* للدكتور صالح السنوسي الظروف التي اكتنفت تحضير هذا المشروع (الذي أعتبره أنا فضيحة حقوقية بمقاييس العصر) ويفك خيوط الملابسات التي انتسجت وتشابكت حوله. فمنذ البداية يرصد د. السنوسي واقعة أن "انتخابات الهيئة التأسيسية للدستور [أسفرت]عن نتائج أظهرت ما يمكن تسميته خارطة القوى السياسية في هذه الهيئة، وبدا حسب كل ما هو ظاهر من الأسماء، أن التيار المدني هو الأغلبية المطلقة وأن تيار الإسلام السياسي لم يحصل سوى على عدد قليل من الممثلين في هذه الهيئة". ويستنتج من ذلك "أن الغالبية الساحقة من الليبيين يرفضون أطروحات الإسلام السياسي وأنهم اختاروا دولة مدنية لا تقع تحت رحمة الرؤية الدينية المتعلقة بالدولة والسلطة لهذا التيار، هذا وكان يعنى أيضا انعكاس إرادة هؤلاء الناخبين في دستور يؤسس لدولة مدنية يتساوى فيها المواطنون بصرف النظر عن عرقهم ودينهم وجنسهم، ويتمتعون فيها بحريات التعبير والاعتقاد والاختيار". فما الذي قلب الأمور تماما وأتاح للإسلام السياسي فرض رؤيته في إفراغ هذا المشروع من أي وجه إنساني؟.

يرى د. صالح أن ما يمكن وصفه بالتيار المدني "وقع [...] في شرك الجهوية والجهوية المضادة". هذا الوضع كان بمثابة "ثغرة الدفرسوار" المشهورة التي تسلل منها هذا التيار ليحكم قبضته على حنجرة هذا المشروع.

فالتيار المدني "انقسم [...] إلى طرفين، أحدهما يحمل راية التهميش والحقوق الضائعة، وثانيهما يرفع شعار المحافظة على وحدة الوطن والدولة" وأخذا يتبادلان التهم، فالوحدويون يتهمون حملة راية التهميش بالجهوية والتطرف وزرع بذور الانفصال وهؤلاء يتهمون الطرف الوحدوي بأن رفعه هذا الشعار هو من "أجل المحافظة على مكتسبات مركزية لا يريد التفريط فيها ولا يستطيع الدفاع عنها إلا برفع شعار وحدة الوطن".

في استعار هذا الانقسام بين جناحي التيار المدني أصبحت قضايا "مدنية الدولة والحقوق والحريات ليست محور الاهتمام الأكبر، بل أصبح كل طرف يبحث عن حليف يسنده عندما تأتي مرحلة التصويت بصرف النظر عن خطورة أطروحات هذا الحليف على مفهوم الدولة المدنية وما تمثله من حقوق وحريات". عبر ثغرة هذا الانقسام "استطاع زملاء الطرفين من ممثلي الإسلام السياسي تمرير وتثبيت [...] المادة السادسة في مشروع الدستور، والتي في حقيقة الأمر لم تترك للطرفين ما يمكن أن يتصارعا عليه سوى بعض القشور الجهوية". لأن هذه المادة، كما يؤكد د. السنوسي ونؤكد نحن، وضعت "الدولة والسلطة تحت تصرف المفتي والفقيه والمحتسب".

أنا أرى أن هذا التحليل عميق جدا ودقيق وصائب، يجيب على ما كان مصدر استغراب، وهو: من أين جاءت القدرة لهذا التيار على مصادرة مشروع الدستور واختزاله في مادة واحدة، تخرج ليبيا، إذا ما أقر هذا الدستور، من العصر خروجا نهائيا.

* http://alwasat.ly/news/opinions/324039?author=1