Atwasat

هل الوقتُ مناسب لتصفية الحسابات؟

جمعة بوكليب الخميس 27 مايو 2021, 03:06 صباحا
جمعة بوكليب

الرئيس الصيني الراحل" دينج هسياو بنج"، ارتقى سدة الحكم في عام 1976، بعد وفاة الزعيم ماو تسي تونج. الراحل "هسياو بنج" أطلق عليه المؤرخون لقب مهندس الصين الحديثة، بسبب ما أدخله من إصلاحات على النظام الاقتصادي الصيني، وفتح الأبواب أمامه فيما بعد ليغزو أسواق العالم، ولتصبح الصين قوة اقتصادية هائلة. "هسياو بنج" لم يرفض النظرية الماركسية – اللينينية أو الماوية المطبقة في عهد الزعيم ماو، بل، حسب المصادر، سعى لتكييف تلك النظريات لتتماشى مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية في الصين. وهو، أيضاً، من أصرَّ على فتح أبواب الصين للعالم. وكان المهندس الذي وضع تفاصيل خطة استرداد هونج كونج من بريطانيا، وعُرفت تلك الخطة باسم "بلد واحد بنظامين." أي أن هونج كونج تعود إلى حظيرة الصين كواحدة من أقاليمها العديدة، لكنها تحتفظ بنظامها الاقتصادي والسياسي والقضائي والتشريعي، الذي أوجده الاحتلال البريطاني. تلك الخطة كان مقرراً لها بالتوافق مع بريطانيا الاستمرار حتى العام 2047، إلا أن القيادة الصينية الحالية، رأت عدم ضرورة الانتظار، حتى الموعد المتفق عليه رسمياً مع بريطانيا، وقررت التحرك باتجاه معاكس اختصاراً للوقت!!

هذه السطور ليست مكرسة للحديث عن السيد "هسياو بنج" وإصلاحاته، لكن فقط للاستشهاد بمقولة عُرفت عنه، ذات يوم، خلال فترة مرحلة الإصلاح الاقتصادي وما واجهته من مطبات، في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وقتذاك، اندلع جدال بين مؤيدين للإصلاحات ومعارضين لها. وهذا بدوره أفضى إلى تدخل السيد "هسياو بنج" في ذلك الجدال وحسمه نهائياً، بقوله: "ليس مهماً لون القط، أبيض أم أسود. المهم أنه يمسك الفئران." ومعناه ببساطة، لا جدوى من الخوض في جدال لاينتهي حول الإصلاحات الاقتصادية، طالما أنها، واقعياً وفعلياً، تعمل بكفاءة.

سوف أستعير، في هذه السطور، مقولة السيد "دينج هسياو بنج" المذكورة أعلاه، لكن لغرض مختلف، يتعلق أيضاً بجدال آخر، اشتعل مؤخراً، غداة اشتعال الحرب في قطاع غزة بين شباب حركة حماس الفلسطينية وجيش الاحتلال الاسرائيلي في الأيام القليلة الماضية. هناك فريق، وهم أغلبية، وقفوا، بقضّهم وقضيضهم، مع حركة حماس في التصدّي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بغض النظر عن مواقفهم السياسية منها. وفريق آخر، وهم أقلية، اختاروا الوقوف في الجهة المقابلة لهم، ومُصرّين على التذكير بانتماء حركة حماس للتيار الإسلاموي، خط الأخوان المسلمين تحديداً، وبما أحدثته من انقسام في الصف الفلسطيني، وكذلك ممارساتها في قطاع غزة طيلة الخمس عشرة سنة الماضية، وما حاكته من تحالفات عموماً سواء مع أنظمة أو حركات سياسية مشابهة في الانتماء، ويضعون خطوطا عدة تحت تحالفها مع إيران. ويشيرون إلى أن تحركها العسكري مؤخراً ضد دولة الاحتلال يتسم بالانتهازية السياسية.

وأن تكون حركة حماس واحدة من حركات التيار الإسلاموي فتلك حقيقة معلنة، لا تداريها الحركة، ولا تخجل من التصريح بها، ومعروفة لكل أصدقائها وأعدائها على السواء. وأن تكون حركة حماس على علاقة تحالفية مع إيران، فذلك أمر معروف للقاصي وللداني، وليس سرّاً. وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال حول الجدوى من إثارة الجدال في وقت كانت الحرب على أشُدّها. وكان من الأفضل، في رأيي الشخصي، لو تأجل قليلاً إلى ما بعد توقف الأعمال الحربية، ولتتضح الرؤية أكثر، ليتم تقييم المواقف، وإمكانية الخوض في التحليلات والآراء..الخ. أضف إلى ذلك، أن إثارة جدال في خضم نيران حرب مشتعلة، كما تبيّن، لم يكن قادراً على استثارة انتباه الناس، لأن أذهانهم كانت مشدودة إلى ما يحدث من وقائع في ساحة حربية بين طرفين غير متكافئين عسكرياً.

وما أود التذكير به، هو أن الاختلاف السياسي مع حركة حماس، ليس من الحكمة السياسية إثارته والمعارك على أشدها، وكان بمستطاع أصحابه الصمت والانتظار إلى حين انقشاع غبارها. الآن، بعد توقف الحرب، يمكنهم إن شاءوا الخوض فيه.

وبصراحة، إذا كنّا نقف في صف واحد ضد الوجود الاستيطاني اليهودي في فلسطين وندينه، فإن الحكمة تقتضي ألا ننجر إلى انتقاد موقف من يخوض مواجهة عسكرية ضارية معه. وهذا يعيدنا إلى مقولة الراحل "دينج هسياو بنج" أعلاه. وبعبارة تلخص الموقف: ليس مهماً ، في رأيي، لون الفصيل سياسياً- إسلاموي أو علماني- إذا كان بإمكانه الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ومقارعة آلته العسكرية الضخمة.