Atwasat

في أزمة المثقف الليبي --

فوزي عمر الحداد الأربعاء 06 أغسطس 2014, 02:50 مساء
فوزي عمر الحداد

طرح أول: عجز الغياب
ليس من السهل الإجابة عن تساؤلات غياب المثقف الليبي عن التأثير المجتمعي، ذلك لأن محاولات استقصاء أسباب التردي تقود لطرح السؤال السياسي الذي يؤدي بدوره لطرح إشكالية المثقف وعلاقته بالسلطة، وهذا ما سيكون موضوعًا لعدد من المقالات القادمة، لكن الملفت من وجهة نظري أن المثقف الليبي يعاني أزمة ذاته أولًا.

فالمثقف الليبي، الذي عاش زمنًا طويلًا عصر الخنق الفكري، ظل يحلم طوال الوقت باليوم الذي يقوم فيه بدوره الحقيقي في قيادة المجتمع، إذ كان محاصرًا بأغلال النظام الشرسة ورغم ذلك ظل يزعم أنه عقل الأمة وضميرها وحارس الوعي فيها.

والآن.. أراه محاصرًا أيضًا لكن بوهمه الشخصي.. ليس بشيء آخر.

المثقف الليبي تناسى مهمته أو تجاهلها عندما حان الوقت للقيام بها، تركها تحت وقع دعاوى النضال والثورة، وتفشي الأفكار المتطرفة، ترك الساحة للناعقين الجدد أصحاب الحناجر القوية واكتفى بالنكوص، والتهى حتى عن إنتاج المعرفة اللازمة للتغيير، ومَن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يمكنه المساهمة في تغييره، ومَن يتخلى عن إبداعه عاجزٌ عن التأثير في مجرى الأحداث وتطور الأفكار.

مثقفونا الآن منفصلون تمامًا عن الواقع وعن مجتمعهم، يمارسون دور الضحية بامتياز، فالكثير منهم منشغلٌ فقط بإقناع المجتمع كم كان مناضلاً ومقموعًا، دون أن يكون له دور حقيقي في حركة المقاومة للأفكار التي تهدد المجتمع وتستبيحه الآن من كل جانب.

المثقف الليبي اليوم مرآة واضحة ترى فيها حالة التفرق التي تسود المجتمع ككل، فهو في مؤخرة الركب بدلاً من أن يكون في الطليعة، وكيف يكون كذلك وقد فشل حتى في إقامة أي جسر يمشي عليه ورفاقه دون أن يخشى من زميل ينسفه نسفًا، فالمثقف الليبي اليوم لا يثق بأحد، لذا فهو في عزلة عن الواقع يتوهم الخطر ولا يلقاه.

إنني أرى انتشار الكثير من دعاوى التطرف والانقسام تظهر دون أن تجد مَن ينتج ما يقابلها أو يواجهها من أفكار وطروحات.

ما يحز في نفسي أن أرى النخبة المثقفة، أو مَن يفترض أنها كذلك، غير قادرة على الحضور وعاجزة عن التأثير، فرادى أو جماعات.