Atwasat

الأزمة التي تطول تتفاقم

أحمد الفيتوري الثلاثاء 09 أبريل 2019, 01:12 مساء
أحمد الفيتوري

1-
إذا كانت ليبيا بلادا واحدة فإنها منقسمة إلى شطرين. شطر يستحوذ على الأرض والآخر يستحوذ على البنك، ويوكد المندوب الأممي غسان سلامة أن في بلاد البنك يطرح كل يوم مليونير الذي لا يهمه أن يمتد الآخر على الأرض، وبذا وحسب القول الغساني كل يوم يمر فيه يصب البنزين على النار، وتوضع الحرب على الطاولة أينما ومتى كان، حتى بات في ليبيا البنك المركزي هو الوطن! وماعداه تخرصات وبيانات قذافية معتادة ومستعادة، والوريث للصقر الوحيد معمر القذافي رئيس مجلس قيادة البنك! هو الأوحد الصديق الكبير، وعليه فإن طرابلس عاصمة لأنها مقر البنك/ الوطن الذي لو أخرج منها لتركها الكثيرون.

منذ سبتمبر 1969 وحتى الساعة 2019م أي لنصف قرن والشغل الشاغل للسلطة الليبية الاستحواذ على البنك/ الوطن، حتى أن المعلم القائد والمفكر الثائر سمى محتوى هذا البنك بالمجنب أي أنه يخصه وحده ولا غير، وهذا المجنب كان النار الموقدة لعنف القذافي ولمواجهته أيضا.

ومنذ أغسطس 2011م أي منذ افتكاك البنك/ الوطن من الرئيس الوحيد القذافي تداعك الكثير من ثوار فبراير على طرابلس المقر لهذا الساحر الفتاك، ومنذها تدجج من قدر بالسلاح خاصة ما دعي فجر ليبيا، ما سيطر على المقر الرئيس للوطن / البنك المركزي الذي بات رئيسه الروح القدس لفجر ليبيا، وفي هذا الحال كانت بنغازي العاصمة الثانية مقر المعارضة، ما جعلت من هذه المدينة مقرها في عصر الدولة الليبية وحتى قبلها.

وإذا كان البنك هو الوطن فإن ما حقق ذلك: الساحر البترول، ما ينبع من أرض ليبيا ليصب في المقر الرئيس لذا البنك، ويوكد ذلك أن تسمية عاصمة لليبيا لم يتوكد لطرابلس إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، ففي البدء كان لليبيا عاصمتان هما طرابلس وبنغازي ثم البيضاء، وفي عهد الزعيم الأوحد تسمى عاصمة، المدينة التي تخطر على باله وتروق لمزاجه مثل هون ثم أخيرا سرت مسقط رأسه.

2-
ما تقدم ملخص مقتضب لحقائق ليبية يرددها سكان ليبيا وقادتها وإعلامها وحتى دول أجنبية وإعلامها، أما المندوب السامي المبعوث الأممي لليبيا فإن ذلكم بسملة حديثه وحسن الختام، والغريب أن البنك/ الوطن الليبي كما لعنة أصابت أيضا دولا غربية وزعماء مبرزين فيها، وحولت مقره كقاعدة لهجرة غير شرعية وإرهاب دولي كما قرر الأميركيون وحلفاؤهم وردد ذلك دول شتى وكذا الإقليم.

وخلال السنوات السبع العجاف أكثر المفردات المستخدمة تتلخص لذلك في: دولار، دينار، سيولة وما شابه، أما الإسم الأيقونة للمرحلة فهو الصديق الكبير وقرينه لفظة الفساد!، ومن هذا فإن البنك المركزي أبو المعارك، ولذا يتبادل المتخاصمون التهم باعتبار الخصوم اللصوص، وكل ينفي عن الآخر الأيدلوجية والوطنية وكل ما في حكم ذلك.

لقد كتبت أكثر من مرة حول "كعكة القذافي المسمومة" ما دعاه المجنب باعتباره أبا المعارك، الكعكة التي يغطيها غبار المعارك وتصم قرقعتها الآذان وتغمض العين عن "فجر ليبيا" كمعركة بدأت ولم تنته بعد ولن تنته بغض النظر عن من يتبوأ "كرسي الرئاسة" حتى لو كانت وسيلته "صندوق الاقتراع".

3-
مسألة البنك/ الوطن مسألة بنيوية في الكيان الليبي يغض عنها النظر وإن يشار إليها دائما كما أشار الطفل لعري الملك، فهوية ليبيا منذ مطلع الستينيات البترول ما منذ تفجره صرخ الشاعر/ الشعب: وين ثروة البترول يا سمسارة، ودون تخرصات فإن هذه الهوية المفجرة لما يحدث في الجزائر الآن ما ينعكس على ليبيا وعله المحرك المسكوت عنه لتصاعد الأحداث في ليبيا الساعة. 

نعم إن ما يحدث في الجزائر الجارة الكبرى لغرب ليبيا ما سرع وما حول المسار من "غدامس" إلى "طرابلس"، التي يقبض المتحكمون فيها على روح ليبيا "البنك الوطني"، ما هو الحكم المطلق الخفي المتجلي على طاولة المفاوضات.

هذا الخفي المتجلي قلب ليبيا فجاء انقلاب سبتمبر فانقلبت حياة الليبيين، فأصبحوا ثم أضحوا فأمسوا أبناء يتامى لوطن/ بنك، وبلادهم ليبيا بلاد بترول ليس لهم منه غير قصيدة يتيمة "وين ثروة البترول"، الثروة التي وفرت لهم الموت برصاصة وطنية، ولنصف قرن منذ سبتمبر 1969م وحتى هذه اللحظة الاستثنائية في تاريخ بلادهم التي طالت أزمتها فتفاقمت...