سلطت جريدة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على آثار الدمار الهائلة التي خلفتها العاصفة «دانيال» في أثناء مرورها في ليبيا خلال اليومين الماضيين، لافتة إلى أنها ضاعفت الأزمات التي تعانيها البلاد، من صراع سياسي وبنية تحتية متهالكة جراء سنوات من الحرب.

وتسببت العاصفة القوية في فيضانات عارمة وأمطار شديدة الغزارة في المناطق الشرقية من ليبيا، ودمرت بلدات بأكلمها، خصوصا تلك المطلة على البحر المتوسط، وخلّفت وراءها دمارا هائلا وعددا غير معروف إلى الآن من الوفيات والمفقودين، خصوصا في مدينة درنة.

أنهار موحلة بعد انهيار سدي درنة
الجريدة الأميركية أبرزت، في تقريرها مساء الإثنين، إعلان الحكومة المكلفة من مجلس النواب مدينة درنة منطفة منكوبة، بعد أن تسببت الفيضانات في انهيار سدين قديمين بها، لتغمر المياه مساحات شاسعة من المدينة، مخلفة أنهارا موحلة في أعقابها.

ونقلت النائبة في درنة، أسمهان بلعون، حقيقة الوضع داخل المدينة، قائلة: «درنة تعيش مأساة. إنها كارثة». وأضافت، في تصريحات هاتفية إلى «واشنطن بوست» من بنغازي، أن المياه غمرت طرقات ومباني المدينة، وأنها لا تعرف ما إذا تمكنت عائلتها في درنة من النجاة.

وتابعت آسفة: «كل ما أعرفه أن منازلهم انجرفت مع تدفق المياه. نحتاج إلى مروحيات هليكوبتر، لإنقاذ ما تبقى في المدينة».

ليبيا منقسمة بين صراع سياسي وبنية تحتية متهالكة
ضاعفت العاصفة «دانيال» من الأزمات التي تعانيها ليبيا بالفعل، إذ أشارت «واشنطن بوست» إلى الانقسام السياسي الذي تعانيه البلاد، والبنية التحتية المتهالكة بالفعل جراء سنوات من الحرب والصراع.

وتسببت العاصفة في قطع شبكات الاتصال والإنترنت عن عديد مدن شرق ليبيا، مما يجعل من الصعب تقويم الأعداد الدقيقة للوفيات أو حجم الضرر الحقيقي. وعكست مقاطع مصورة، تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، ما وصفته الجريدة الأميركية بـ«مشاهد مروعة لمدن مغمورة بالكامل».

وحاصرت المياه الأهالي في مدن البيضاء ودرنة والمرج وطبرق وتاكنس والبياضة وبطة، وكل مدن وقرى الجيل الأخضر والساحل الشرقي، حتى مدينة بنغازي.

أسامة حماد إلى قناة «الوسط»: الوضع في درنة كارثي وعدد الضحايا تجاوز الألفين
العاصفة «دانيال» توحد ليبيا لمواجهة الكارثة: درنة «منكوبة».. وسوسة «تحت المياه».. والبيضاء «خارج السيطرة
نداءات استغاثة من أهالي الوردية ببلدية الساحل في ظل غياب المساعدات
تركيا تعلن إرسال فريق إنقاذ وتدخل طبي إلى شرق ليبيا

ليبيا تطلب مساعدة دولية لمواجهة آثار «دانيال»
على صعيد آخر، أبرزت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية نداءات السلطات في ليبيا للمساعدات الدولية، مع الإشارة إلى مقتل ألفي شخص على الأقل، وفقدان ما قد يصل إلى سبعة آلاف آخرين.

وقد كشف رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسامة حماد، في مداخلة مع قناة «الوسط» (Wtv) أن عدد الوفيات بلغ ألفي وفاة جراء العاصفة «دانيال»، متوقعا ارتفاع الحصيلة النهائية.

كما أعلن الناطق باسم «القيادة العامة»، اللواء أحمد المسماري، في مؤتمر صحفي، أن «الكارثة أعقبت انهيار سدود في درنة، ما أدى إلى غمر أحياء بأكملها وسكانها، وجرفها إلى البحر»، مرجحا ارتفاع أعداد المفقودين إلى ستة آلاف شخص على الأقل.

العاصفة «دانيال».. عاصفة واحدة كل ألف عام
أما جريدة « كاثيميريني» اليونانية فنقلت عن البروفيسور في الجيولوجيا التكتونية وإدارة الكوارث في جامعة أثينا، إفثيميوس ليكاس، أن «دانيال ظاهرة طبيعية متطرفة تحدث مرة واحدة كل ألف عام»، بالنظر إلى حجم الدمار الهائل الذي خلفته سواء في ليبيا أو في اليونان ودول جنوب أوروبا.

وقال: «شهدنا خلال الأعوام الأربعة الماضية ظاهرتين تحدثان مرة كل ألف عام: عاصفة دانيال، وقبلها الإعصار يانوس منذ ثلاث سنوات. هنا علينا التفكير في الكيفية التي سنتمكن بها من العمل في اليوم التالي».

وأضاف: «من الناحية البيئية، فإن هذه العملية برمتها هي جزء من العمليات التي تعتبر طبيعية بالنسبة للزمن الجيولوجي. سهل ثيساليا تشكّل خلال مثل هذه الأحداث الضخمة في المليوني عاما الماضية».

العاصفة «دانيال» تتجاوز الصراع بين شرق وغرب ليبيا
من جهتها، أبرزت جريدة «ذا تلغراف» البريطانية الإجراءات الرسمية التي اتخذتها حكومة حماد، لمواجهة تداعيات عاصفة «دانيال»، إذ أعلنت حالة الطوارئ القصوى، وجرى غلق المدارس والمحال التجارية، وفرض حظر تجول، مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ في المدن والبلدات المنكوبة.

ولفتت كذلك إلى تعاون كبير أبدته حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» برئاسة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس، على الرغم من أنها «لا تملك أي نفوذ في المناطق الشرقية من ليبيا»، إذ وجهت حكومة الدبيبة كل الهيئات والوكالات الحكومية بالتعامل بشكل فوري مع الأضرار التي خلفتها العاصفة في الشرق. كما أعلنت الحداد العام ثلاثة أيام.

وعلى الرغم من نفوذها المحدود في الشرق، فإن حكومة الدبيبة تعمل عن قرب مع المصرف المركزي، الذي يتولى توزيع الأموال والتمويل إلى الهيئات الحكومية في أنحاء ليبيا.

ومن درنة، نقلت الجريدة البريطانية عن شهود أن مستوى المياه ارتفع ليتجاوز ثلاثة أمتار. كما تسببت العاصفة في إغلاق أربع موانئ نفطية رئيسية: رأس لانوف وبريقة والسدرة وزويتينة.

«لم نكن مستعدين لهذه الكارثة»
أما شبكة «سي إن إن» الأميركية فنقلت عن الناطق باسم جهاز الإسعاف، أسامة علي، أن السلطات في شرق ليبيا لم تتوقع هذا الحجم الهائل للكارثة، مضيفا: «ظروف الطقس لم يجر دراستها جيدا، وكذلك مستوى مياه البحر والأمطار وسرعة الرياح. لم يجر إجلاء العائلات التي ستكون في مسار العاصفة».

وقال: «بعد انهيار سدين في درنة، تدفقت المياه صوب المنازل. المساكن في الوادي انجرفت بفعل تيارات الطمي الشديدة التي حملت السيارات والحطام في طريقها. انقطعت خطوط الهاتف في المدينة، مما عقد جهود الإغاثة. لم يتمكن عمال الإنقاذ من دخول المدينة بسبب الدمار الكبير».

وتابع علي: «ليبيا لم تكن مستعدة لكارثة كهذه. ولم تشهد ليبيا هذا المستوى من الكوارث من قبل. نعترف بوجود أوجه قصور على الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها هذا المستوى من الكارثة».

آثار العاصفة «دانيال» في مدينة شحات. (جريدة ذا تلغراف البريطانية)

لقطة جوية لحجم الدمار جراء العاصفة «دانيال». (سي إن إن الأميركية)

آثار العاصفة «دانيال» في شحات. (سي إن إن الأميركية)

آثار العاصفة «دانيال» في درنة. (سي إن إن الأميركية)