Atwasat

ماذا تعني أوامر التوقيف الصادرة عن الجنائية الدولية بحق متهمين ليبيين؟

القاهرة - بوابة الوسط الخميس 01 يونيو 2023, 01:03 صباحا
WTV_Frequency

قدّم خبير دولي، قاد تحقيقات بشأن جرائم في مناطق نزاعات، تفسيرات موضوعية بشأن إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 11 مايو الجاري عن مذكرات توقيف جديدة بتهمة ارتكاب جرائم في ليبيا، نظرًا لأن أوامر التوقيف الجديدة الصادرة عن المحكمة مخفية، وبالتالي لا يعرف تفاصيلها سوى المعنيين بإنفاذ القانون.

جاء إعلان كريم خان خلال جلسة إحاطة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي أحال ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية في العام 2011 أثناء بدء الصراع الداخلي في البلاد.

قال «كريستوفر هيل»، في تحليل كتبه لـ«المجلس الأطلسي»، وهي مؤسسة بحثية دولية، إن قضاة المحكمة الجنائية الدولية وافقوا على أربعة أوامر اعتقال مختومة وينظرون في طلبين إضافيين لأوامر التوقيف، وهو ما اعتبره يمثل زيادة في نشاط المحكمة الجنائية الدولية إزاء ليبيا بعد سكون نسبي، والذي نتج إلى حد كبير عن استمرار العنف بين الأطراف الليبية.

وقاد «كريستوفر هيل» التحقيقات في الجرائم الفظيعة في مناطق النزاع لصالح الأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية، وكان آخرها رئيس فريق التحقيق في بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا.

يشدد هيل على أن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، والتي قد تكون سبب المساءلة، تبقى ليبيا في أمسّ الحاجة إليها، ذلك أنَّ ثقافة الإفلات من العقاب في البلاد ستتطلب أكثر من أوامر التوقيف الصادرة عن لاهاي لاقتلاع هذه الجرائم من جذورها.

وبسبب عدم الإفصاح عن أوامر الاعتقال الجديدة، يشير الخبير إلى أن موظفي مكتب المدعي العام والشركاء المعنيين بإنفاذ القانون هم فقط من يعرفون التفاصيل، مثل هوية المتهم. ومع ذلك، طلب مكتب المدعي العام فض جميع أوامر الاعتقال، وينظر القضاة في هذا الطلب، لكنه يلفت الانتباه إلى صعوبة جمع الهويات على وجه اليقين، غير أن هناك بعض المؤشرات على أن الأهداف قد تكون بارزة.

خبير دولي: أوامر الاعتقال في طور التجهيز
في هذا السياق، يذهب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك شُرطتها الخاصة لتنفيذ أوامرها، بالاعتماد على تعاون الدول - بمعنى وكالات إنفاذ القانون في الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 123 دولة والدول الأخرى التي ترغب في المساعدة- كما تفعل جميع المحاكم الدولية.

على هذا النحو، يستخدم المدّعون الدوليون عنصر المفاجأة الذي توفره الأوامر المختومة، حيث يعتقدون أن الاعتقال في المستقبل غير البعيد أمر ممكن، وبالتالي من المحتمل أن تكون هناك اعتقالات في طور الإعداد، مع استعداد السلطات في طرابلس أو بنغازي لاعتقال الأطراف المناوئة.

- كريم خان يؤكد إصدار قوائم قبض جديدة في ليبيا من المحكمة الجنائية الدولية
- خبراء: خطابات «الجنائية الدولية» بشأن ليبيا جوفاء.. وتقصير القضاء الوطني فتح المجال أمامها
- منظمات حقوقية تنتقد تجاهل القرار الأممي إنشاء آلية تحقيق دولية في «الانتهاكات» بليبيا

هنا يتوقع الخبير إمكانية أن تقدم الشرطة التونسية مساعدات، وهي دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية، بالنظر إلى أن العديد يسافرون من ليبيا إلى تونس للترفيه أو العمل أو لأغراض طبية.

من المستهدفون بأوامر الاعتقال؟
يعتقد «هيل» أيضًا أن ثمة أسبابًا مقنعة للاعتقاد بأن مكتب المدعي العام يستهدف كبار السن، إذ غالبًا ما يشير الكشف عن أوامر الاعتقال إلى صعوبة التنفيذ سريعًا، حيث يجري إلغاء الختم من خلال الضغط الذي يمكن أن تولده لوائح الاتهام العلنية.

ويقول إن المحكمة الجنائية الدولية لديها موارد محدودة لكل دولة من الدول السبع عشرة التي تشارك فيها، مما يلزمها في كثير من الأحيان التركيز على الأفراد الأقدم و/ أو الأكثر مسؤولية لتحقيق أكبر تأثير، منوهًا بأن إضافة ست قضايا إلى القضية الحالية ضد سيف الإسلام القذافي، مما يعني عدم ترجيح أن يكون لدى مكتب المدعي العام ما يكفي لفتح قضايا إضافية. لذلك يقول: «بافتراض أن مذكرات الاعتقال هذه هي كل ما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تحشده في المستقبل المنظور، فإن الاحتمالات هي أن بعض الأفراد المتهمين على الأقل هم شخصيات معروفة في ليبيا».

توصيات لصانعي السياسات
وتابع الخبير: «من الشائع جدًا أن تُفسَّر أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية على أنها دواء سحري لأمراض مجتمعية أكبر أو بوادر عضوية للتغيير بدلاً من تفسيرها على أنها محاولات خارجية لتعزيز التغيير الإيجابي. لا تختلف هذه الأوامر الجديدة ولن تحل الموقف بطريقة سحرية». ولذلك، قدّم الخبير مجموعات توصيات لصانعي السياسات، من أجل دعم مذكرات الاعتقال على وجه التحديد وتعزيز تأثيرها.

يقول إن الصراع بين أوكرانيا وروسيا غيّر المشهد العالمي عبر مختلف القطاعات، ولم تعد العدالة الجنائية الدولية استثناءً، حيث جرى إصلاح القانون الأميركي القديم الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية بشكل كبير - بما في ذلك السماح للحكومة الأميركية بدعم المحكمة الجنائية الدولية ماليًا- وجرى ذلك من خلال الدعم القوي من الحزبين.

ورغم أن هذه التغييرات اقتصرت في المقام الأول على أوكرانيا، ينصح الخبير كل من المدافعين في الكونجرس وإدارة بايدن الضغط من أجل مزيد من التعديلات على القانون الأميركي للسماح للضحايا الليبيين بالحصول على نفس المستوى من الدعم مثل الضحايا الأوكرانيين، وهذا يشمل ضمان دعم الولايات المتحدة العيني لأنشطة المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا وتقديم منح للمنظمات غير الحكومية لدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية والمساءلة على نطاق واسع في ليبيا.

فشل التجديد لبعثة «تقصي الحقائق في ليبيا»
يلفت أيضًا الانتباه إلى أمر آخر، وهو فشل تجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، وإغلاق عملياتها في 31 مارس. ففي الصيف الماضي ضغطت الجهات الفاعلة على بعثة تقصي الحقائق في ليبيا حتى تتغير الظروف على الأرض، وبشكل أكثر حدة الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمجتمع المدني الليبي، ولكنهم فشلوا في التوصل إلى اتفاق مع ليبيا وحلفائها في أفريقيا والشرق الأوسط، مما أدّى إلى تمديد تفويض غير مسبوق «غير قابل للتجديد» حتى نهاية مارس 2023.

ورغم أن كيانات حقوقية غير حكومية تقوم بعمل استقصائي في ليبيا في الوقت الحاضر، فإن بعثة تقصي الحقائق تحتفظ بالولاية القضائية وهناك مناقشات أولية لفتح مكتب ميداني، ولذلك فإن ولاية المحكمة الجنائية الدولية ومواردها تعني أن تركيزها سيظل فقط على الإجرام الجماعي وعلى شريحة صغيرة فقط من المتورطين.

على النقيض من ذلك، تتمتع هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة بصلاحيات أوسع تشمل، على سبيل المثال، قضايا مسؤولية الدولة ومجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات التي لا تفي بعتبة الجرائم ضد الإنسانية على سبيل المثال. كما أشاد خان ومكتب المدعي العام علنًا ببعثة تقصي الحقائق للدعم الملموس الذي قدمته لتحقيقاتها الجنائية، وكان آخرها في إحاطة مجلس الأمن الدولي.

- بريطانيا: نتائج تقرير بعثة تقصي الحقائق في ليبيا «مقلقة للغاية»
- «تقصي الحقائق»: قوات أمنية وميليشيات ارتكبت جرائم حرب في ليبيا.. وندعو لآلية تحقيق دولية مستقلة
- حكومة الوحدة الوطنية ترد على طلب «تقصي الحقائق» بآلية تحقيق دولية
- بعثة تقصي الحقائق تدعو لإنشاء محكمة خاصة لترهونة

ويشدد الخبير الدولي على أن هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة مثل بعثة تقصي الحقائق هي طليعة التفاعلات مع المجتمعات والحكومات المتضررة، حيث تقوم بفحص أنواع عديدة من الادعاءات وتزويد العالم بصورة كاملة عما يحدث بالفعل في البلاد، ضاربًا مثالاً على الرغم من العديد من التحديات الداخلية والخارجية، بإصدار بعثة تقصي الحقائق ستة تقارير، بما في ذلك تقريران اختياريان أطول تغطي فئات عديدة من الانتهاكات.

علاوة على فقدان مثل هذه التقارير الشاملة، يقول الخبير إن الانعكاسات السلبية لإغلاق بعثة تقصي الحقائق تتفاقم بسبب عدم وجود أي مبررات على الأرض لإغلاقها، في حين أن جميع مؤشرات العنف والنزاع المسلح في المستقبل موجودة، مشيرًا إلى أن الجغرافيا السياسية بين الغرب والشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا أدت إلى إغلاقها، وليست الظروف على الأرض.

المطالبة بآلية تحقيق عالمية دائمة تكون ليبيا أول إحالة لها
ويشير إلى تطور آخر حديث نسبيًا في مجال العدالة الجنائية الدولية، وهو ظهور آليات التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وهي هيئات غير ملاحقة وتجري تحقيقاتها الخاصة وتعمل كمركز لتبادل الأدلة لجمع الأدلة وتحليلها. على عكس هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي تتمتع بصلاحيات واسعة جدًا تشمل العمل غير الجنائي، فإن الغرض الأساسي من هذه الآليات هو بناء ملفات جاهزة للملاحقة القضائية للسلطات القضائية المحلية والدولية التي قد يكون لها سلطة مقاضاة الجرائم الفظيعة وانتهاكات حقوق الإنسان، ضاربًا مثالاً بإنشاء آليات موقتة لجرائم سورية وميانمار وتنظيم (داعش) في العراق.

ويشير إلى تزايد الزخم لتطوير هذا المفهوم، مثل المحكمتين الدوليتين الموقتتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا التي أدت إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث جرى بالفعل توجيه الدعوات إلى إنشاء آلية تحقيق عالمية دائمة، تكون ليبيا أول إحالة لها.

ويقول إن مثل هذه الآلية لن تعمل على تعزيز البنية التحتية العالمية بشأن المساءلة عن الجرائم الفظيعة فحسب، بل ستعزز أيضًا آفاق العدالة في جميع أنحاء ليبيا من خلال تمكين المحاكم الأجنبية ذات الاختصاص القضائي، على سبيل المثال: المحاكم الأوروبية ذات السلطة على الجرائم المرتكبة في مجال الهجرة، ومحكمة دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية التي تعتمد على دعم الشركاء لزيادة عملها.

ويلفت الانتباه إلى واحدة من أكثر النتائج المدهشة التي توصلت إليها بعثة تقصي الحقائق، على عكس معظم النزاعات الأخرى، يحاول القضاة والمحامون الليبيون القيام بعملهم بصلاحيات محدودة، ورغم ذلك يتعرضون لقمع كبير من قِبل الجهات الحكومية وغير الحكومية.

وأشار في هذا الصدد إلى إجراء بعثة تقصي الحقائق مقابلات مع العديد من الضحايا الذين لديهم أمر قضائي أو أكثر يأذن بالإفراج عنهم، وهو أمر يتجاهله آسروهم بشكل معتاد، مما أدى إلى تعذيبهم الوحشي واحتجازهم في ظروف بائسة استمرت لأشهر، إن لم يكن سنوات. بالإضافة إلى ذلك، كان القضاة والمحامون يتعرضون للترهيب و/ أو العقاب و/ أو العنف بشكل منتظم بسبب أوامر قضائية «غير مواتية» أو لتمثيل موكلين ترى السلطات أنهم غير مرغوب فيهم، داعيًا إزاء ذلك إلى ضرورة دعم صانعي السياسات هؤلاء المهنيين الشجعان من خلال المزيد من مشاريع سيادة القانون القوية في ليبيا، وكذلك من خلال برامج المدافعين عن حقوق الإنسان وحملات المناصرة.

يعود الخبير «كريستوفر هيل» للتذكير بأن مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هي تطورات مرحب بها، وتساعد في ترسيخ أهمية المساءلة في رسم مستقبل أفضل لليبيا وتوفر بصيص أمل في بلد لا يمتلك سوى القليل منه في الوقت الحالي، ولكن في حال دعمها بشكل جيد، إذ يمكن أن تكون أوامر الاعتقال هذه بمثابة محفّزات للمساءلة الأوسع ودعم سيادة القانون المطلوب في جميع أنحاء ليبيا.

ومع ذلك، يعتقد أن أوامر الاعتقال بحد ذاتها سيكون لها تأثير محدود، إذا تُرك أصحاب المصلحة الليبيون والدوليون دون دعم، فإنهم سيتخلون عن هذه الفرصة الفريدة لتغيير ثقافة الإفلات من العقاب التي لا تزال سائدة في شرق البلاد وغربها وجنوبها.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
حالة الطقس في ليبيا (الخميس 9 مايو 2024)
حالة الطقس في ليبيا (الخميس 9 مايو 2024)
أسعار العملات الأجنبية في السوق الرسمية (الخميس 9 مايو 2024)
أسعار العملات الأجنبية في السوق الرسمية (الخميس 9 مايو 2024)
شفط مياه الأمطار في غريان
شفط مياه الأمطار في غريان
محادثات ليبية بريطانية للتعاون في مجالات تخص المرأة
محادثات ليبية بريطانية للتعاون في مجالات تخص المرأة
المجلس الرئاسي في ضيافة الكبير
المجلس الرئاسي في ضيافة الكبير
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم