Atwasat

«يا منازل لك في القلوب منازل».. خمس كاتبات وكاتب في «منازل وأحلام»

القاهرة – بوابة الوسط: فتحي محمود الثلاثاء 13 فبراير 2024, 04:05 مساء
WTV_Frequency

لخمس كاتبات وكاتب واحد صدرت مجموعة قصصية مشتركة في مطلع العام الجاري بعنوان «منازل وأحلام»، عن دار «هن» للنشر والتوزيع باالقاهرة للروائي رجائي موسى. كاتبات المجموعة القصصية لم يجمع بينهن مكان واحد، لكنهم صنعوا من سردهم سكنا يتشارك مع العالم تفاصيله وبعض أحلامه، فيما يختص بفردانية الوعي والدفء والإبداع.

إيمان عامر: نوستالجيا «منزل المنصورة»
هي من مواليد المنصورة بمصر، في الثلاثين عاما، شاركت بنصوص تنضح بـ«نوستالجيا» تلك المدينة العريقة، منها «منزل المنصورة».

بمشاهد كتبتها إيمان عامر بجمل شاعرية سريعة، وحنينها هنا لم يكن مثل حجر سيزيف، لكن الحنين ذكريات تشبه قطرات مياه منثورة على مزهرية في بيت عتيق، تكسبه نضارة وحياة، والقصة الثانية بعنوان «منزل إسترلينج»، تبعتها قصة «سكن الصحة» في الترتيب وفي المتوالية السردية التي تكرس  لاستمرارية المشاهد الحياتية في تشكيل رأسي  يجعل القصص الأربعة تشكل فيما بينها متتالية قصصية، أو «نوفيلا»، تختمها بـ«الحرب الأخيرة».

رضوى خالد: ما بعد التفسخ
ثم تأتي نصوص رضوى خالد، التي لم تترك كالباقين نثرا ينبئ عنها، حيث كتبت «ما بعد التفسخ»، و«عندما تلعثمت عفاف في صحراء التجمع»، والقصتان إذا ما أنصفنا الكتابة، نسويتان بامتياز، تضع الرجل غالبا تحت مقصلة الاتهام.

ومع أن الأنثى توصف بأنها «سكن»، أي «خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها» إلا أن لأرسطو رأي متخلف مستمر حتى الآن!، مفاده أن الأنثى «ناقصة بعض الصفات». 

لهذا انبرت بعض الكاتبات للدفاع عن ذواتهن بمهاجمة الفكر الذكوري، كما في بعض نصوص المجموعة، وهي نصوص قوية ثرية التفاصيل، استخدمت فيها القاصة رضوى الألوان في تشكيلات فنية تضاهي عينا فوتوغرافية ماهرة، تنجح في رصد التشكيل الفني للوجوه والملابس والأمكنة، بشكل يخدم الحدث ولا يطغى عليه. 

«وداع الكبار» إبحار في عالم الأسرار
نهلة العربي توقّع «أثر الغائبين» بمعرض القاهرة الدولي للكتاب
معرض القاهرة للكتاب.. عرس ثقافي لا يخلو من الجدل

ليلى سامي: من الغناء والتمثيل والتصوير إلى السرد القصصي
أما ليلى سامي التي نفذت إلى  الفنون كافة حتى السرد القصصي، فهي ممثلة مسرحية وسينمائية، شاركت في «ورشة» حسن الجريتلي، قبل تخرجها من كلية الآداب قسم لغة إنجليزية، وبعدها التحقت بمعهد السينما، واقتحمت الدراما التلفزيونية بمسلسل «ملح الأرض» العام 2004، بينما كانت نقطة انطلاقها الحقيقية في فيلم «عمارة يعقوبيان» العام 2006، ومن أعمالها «تلك الأيام، وجنينة الأسماك، وذات، وآخر أيام المدينة». 

وبدلالة المنازل بدأت ليلى سامي مشاركتها يأربعة نصوص، «الهدهد والغراب» برمزية وسرد ناعم يتبادل فيه الطائران حوار الاغتراب والحنين، لتخلص إلى نهاية حكيمة على لسان الهدهد «.. البيوت أيضآ تسكننا وترحل معنا، أينما نذهب ستبقى معنا، للبيوت أيضا أجنحة». 

وفي عم «حسب الله»، تترك ليلى القارئ في بحر هائج من الأسئلة والتأملات بلسان فنان وعين طفل، ولا تغادره إلا وقد أشبعته بتفاصيل المرائي، والمتخيلات، والشخوص، ولا تجعله يقاوم معاودة القراءة مرة تلو مرة، والرغبة في اقتحام قصتها ديمغرافيا وجغرافيا وتاريخيا.
 
وفي النص الثالث «ماكينة التفكير» والذي أعتقد أن عنوانه جاء مباشرًا، اتخذت من المنولوج الداخلي أوالحوار الذاتي بطلا للحكاية، فيما تباين المكان بين العقل والنفس والمطبخ، في صراع أبدي لكل ذي عقل يفكر، يفضي إلى الرغبة في الخلاص النهائي، ولا ينقذه منه إلا أمرا شديد البساطة والعادية، كفيلم قديم أو «صوت بائع تين شوكي ينادي على بضاعته». 

وكما ابتدأت برمزية الطيور، أنهت الكاتبة مشاركتها بنص أبطاله كلاب وقطط وقوارض بعنوان «عيد الاستقلال (من أدبيات الكلاب)». في مقاربة لنصوص قديمة وحديثة، عالجت تفاقم مشكلة الإنسان الفردية والمجتمع غير العادل، بالبحث عن عالم أفضل «يوتوبيا»، إذ نجح الكلاب والقطط في الاستقلال بحياتهم وبناء مجتمع يخصهم، بعيدًا عن أخطاء البشر وخطاياهم،  يأتي النص في سلسلة متصلة لمحاولات البحث عن تلك المدينة الفاضلة، وينتهي بمشهد رومانتيكي يدعو إلى السلام والخلاص من الصراعات وازدحام وضجيج الحياة. 

نشوى زين تتوج عامها الستين بـ«فسيح جناته» 
بينما جاءت  نصوص نشوى زين: «فسيح جناته»، و«لقمة على ماقسم»، و«شق التعبان» محملة بكثير من التجريب والتحرر من صنف أدبي واحد على المستويين الشكل والمضمون، وعبرت بشكل عن الإحساس بألفة السكن أو المنزل، لتنضم إلى حبات عقد المجموعة القصصية. 

«الوطن»: منازل يارا أيو حيدر وأحلامها
ومن التجريب تعود بنا قصص يارا أبو حيدر، لبنانية في منتصف الأربعينات، بنصوصها القوية في إهاب سردي كلاسيكي، تحمل مواصفات القصة بمفهوم المدارس النقدية التقليدية، فتتماهى قصة «المنزل ليس لنا» مع إطار المجموعة العام من حيث التعبير عن ماهية المنازل وحميمية التفاصيل، التي لا تخلو من حسّ أنثوي، وعبرت أبو حيدر عن المنازل في نصوصها الأربعة عن الوطن باعتباره المنزل المنشود ووجهة الأحلام من خلال استعراض تاريخي يعبر من النص الأول إلى نصوصها التالية «المرة الأولى» و«طفولة» و«عو» في بيروت والهروب المستمر والاحساس بفقد الدفء ورغم جمل النص الشعرية استطاعت تجسيد الحالة الإنسانية  وإدخال القارئ إلى عالمها، حتى شعورها بالاختناق من تطويق العقد لرقبتها حتى ولو كان ورديا. 

قاص وحيد و«المنزل الأول»
وتختتم المجموعة  بصوت قاص وحيد هو يوسف عزب الذي شارك بأربعة نصوص جاء أولها «المنزل الأول» وثانيها «الدولاب الأبيض الذي يشبه البلاكار»، الذي يميل لكونه سيرة ذاتية أكثر منه نصوص قصصية، كرس لذلك بتكرار الفعل كان وكانت وكنت، بينما جاء نص ملاعب الطفولة في سردية عذبة شجية استخدم فيها تقنية الفلاشات التي تحمل كل فقرة منها حدثا ذا عنوان فرعي، في متتالية مكتملة الأركان مرتكزة على الحنين وافتقاد الروائح التي عبقت بها البيوت و«الفسبة» التي استعارها مخرج تلفزيوني، وأحلام الطفولة. 
فيما جاء نص قوات خاصة، مغاير لما قبله من حيث الفانتازيا والرمزية، والأسلوب السردي.

يا منازل لك في القلوب منازل
وأخيرا اتسمت المجموعة بوحدة المنطلق وهو الحديث عن الذات والمنزل باعتباره دفئا وأمانا سواء كان رمزا أو حقيقة، ماديا أو معنويا، أو على حد قول المتنبي «يا منازل لك في القلوب منازل»، لتأتي وحدة المسعى في سرديات لها خصوصية تقترب من السيرة الذاتية، ولكن في النهاية تبقى حالة خاصة وإبداع خالص، يترك القارئ في حنين مستمر ورغبة للعودة وكأنها (النصوص) أضحت منازلا، وتعلقت بها أحلام القارئ. ويبقى أن الكتاب الجيد ليس فقط ما يمتعك، أو حتى الذي يضيف إليك جديدا، لكن الكتاب الجيد بحق هو الذي لا تتركه إلا وقد أضاف إليك منظورا جديدا عن الحياة.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة الاستعمار
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة ...
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم