Atwasat

مشاركة المرأة في الحكم المحلي

هنية سالم أبوخريص الجمعة 23 أكتوبر 2020, 03:05 مساء
هنية سالم أبوخريص

من التجارب الجديدة في الساحة الليبية تفعيل المجالس البلدية عن طريق الانتخاب لتعزيز الديمقراطية وحق المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة وتفعيل اللامركزية. كما تعد الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية ركنا أساسيا وجوهريا لقيام نظام سياسي للدولة الذي يستمد شرعيته وقوته من الإرادة الشعبية، التي يجري التعبير عنها عبر الانتخاب لضمان العدالة والمساواة بين أفراد الشعب. وكما هو متعارف عليه فإن الأساس في الانتخاب هو حق مشروع لكل شخص في المشاركة السياسية، وحقه في اختيار من يحكمه أو من يمثله على «المستوى العام أو المحلي».

صدر قانون 59 لسنة 2012 المتعارف عليه بقانون نظام الإدارة المحلية وفيه حدد عدة أمور ومنها فرصة حصول المرأة الليبية على كرسي كوتة تحت مسمى الفئة الخاصة «فئة المرأة» مع العلم بأن عدد الأعضاء سبعة، خمسة أعضاء «فئة عامة» واثنان «فئة خاصة: المرأة وعضو ممثل عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة الثوار»، فمنذ 2014 تعددت التجارب والروايات عن المشاركة النسائية في الإدارة المحلية من مدينة إلى مدينة أخرى، حسب خصوصيتها الثقافية والاجتماعية ومكانتها الإستراتيجية وأهميتها السياسية. في هذا المقال أنا بصدد التحدث عن تجربتي الخاصة كعضو مجلس بلدي عن فئة المرأة ببلدية سرت.

بدأت الرحلة مع بدايات العام 2014 عندما تم الإعلان عن بدء الانتخابات البلدية وترشحي للعضوية في المجلس البلدي سرت. لم تكن المنافسة كبيرة، فكان هناك خمس مرشحات. وبسبب الوضع الاجتماعي الخاص والموروث الثقافي للمدينة وحداثة التجربة كانت برامج الدعاية الإعلامية للمترشحات تظهر على استحياء، فلم يتعود الجمهور أو المواطنون على مشاهدة لافتات لصور المترشحات النساء في الشوارع، ولم تتجرأ إحداهن في ذلك بل كانت الدعاية الانتخابية تجري في برامج على الراديو أو على صفحات التواصل الاجتماعي فقط. من برامجي للدعاية الانتخابية أذكر أنني زرت مدرستين وتحدثت للمعلمات لرصد المطالب ولتحشيد الأصوات.

الزيارة الأولى كانت في مركز المدينة، وأذكر أن التنوع القبلي كان متعددا ومتنوعا، وعلى الرغم من لباقة حديثي وتركيزي على جذب الأصوات بالاستماع والإنصات للمطالب، فوجدتها في حينها تجربة جديدة وليست بالسهلة. فلم تكن كل الأصوات الحاضرة داعمة لي أو لفكرة ترشح السيدات في المجلس البلدي وكممثل عن فئتها. المدرستان الأخريان لم أجد هناك صعوبة لأني بدأت بالتعود أو بالأحرى تقبل كل الآراء والاتجاهات المتعددة والمختلفة، وأيضا، للمصداقية، كنت أرى نظرات الفخر والدعم من السيدات وكنت أكثر ثقة وتأثيرا بشكل أكبر للمساهمة في العملية الانتخابية على الأقل، والسبب أن المدرستين كانتا من نفس المكون القبلي الذي أنتمي إليه. وفي غضون ذلك كان المطبخ السياسي يحاك داخل «المرابيع» الصالونات المنزلية للتحشيد القبلي وتوحيد الصف وعقد الصفقات بين القبائل لضمان الحصول على مناصب سيادية داخل البلدية، مقابل التصويت برفع الأصوات لمترشح سواء كان من نفس القبيلة أو من قبيلة أخرى. فكما هو معروف أن مدينة سرت لها خصوصيتها من ناحية التجمعات السكانية القاطنة بها، فهي مكونة أو مقسمة من عدة قبائل مختلفة، والطابع القبلي داخل المدينة له وزنه ودوره الفاعل في عدة قضايا داخلية وخارجية أيضا.

من وجهة نظري أن الموروث الثقافي «القبيلة» مثير للاهتمام والدراسة في حال تتوحد الصفوف والآراء داخل القبيلة الواحدة لتظهر قوتها ونجاعتها. ولكن المعيق في الموضوع أن الفائز أو الفائزة بكثرة الأصوات يحمل على كاهله ما قدمته القبيلة له، فعليه/ها حماية مصالحها وتمكينها في المناصب الإدارية المهمة دونا عن القبائل الأخرى.

ومن بعد الترشح والفوز في الانتخابات بدأت مرحلة أخرى جديدة وهي كيف لي أن أقنع بقية الأعضاء بأنني عضو منتخب ولي ثقل وقاعدة شعبية، ولي حقوق وواجبات وحق في التصويت على القرارات والرفض أو التحفظ، ولي القدرة على استيعاب جميع الملفات والمشاركة وإمكانية صنع القرارات. فكان الفكر الذكوري والموروث القبلي «الجهوي» واضح بين الأعضاء الستة، ناهيك بالتنوع الثقافي والعلمي. فمن عيوب القانون 59 للإدارة المحلية أنه لم يضع معايير معينة للترشح من حيث الخبرة العلمية والعملية. فهذا أيضا كان عائقا في التواصل الفكري والثقافي بين الأعضاء بسبب الخلفيات العلمية والثقافية المختلفة. أيضا القانون لم يراعِ النوع الاجتماعي ولم يوازن بين كفتي التمثيل بين النساء والرجال، فالمرأة أعطى لها كرسيا واحدا لتمثله عن فئتها الخاصة بها. في اعتقادي لو كانت الفرصة أكبر في التمثيل داخل المجلس البلدي للمرأة أكبر كانت أفضل لإعطاء المرأة نصف المجتمع فرصة في ضمان توفير الخدمات لجميع الفئات بما فيها الفئة الممثلة لها.

في فترة عملي في هذه المؤسسة عملت في عدة ملفات منها ملف الصحة والسلامة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية، ترأست أكبر الملفات إثارة في البلدية وهو ملف الإعمار وإعادة البناء. فالتحديات كانت جدا كبيرة بالنسبة لي وكل سيدة. دخلت في هذا الخضم الصعب فمن تجربتي المثيرة كانت بإنجاح مشروع «نظام تحديد ورصد سريع للمدينة»، وكان برعاية «UN HABITAT and UNFPA»، فالجدير بالذكر بأنني تعاونت مع سيدات من المنظمتين وتحدينا كل الصعاب لإنجاح المشروع. التحديات والعقبات كانت كثيرة لإفشال المشروع، ولكني صبرت وعملت بجد لإنهاء المشروع، فما كان من ردة فعل الأعضاء الخمسة في حينها توقيع عريضة رفض مشابهة لعريضة سحب الثقة موجهة ضدي وضد كل من عمل معي في هذا المشروع من عدة قطاعات مختصة بالموضوع وبعدم الاعتراف به. ففي حين نشر خبر إنهاء المشروع بنجاح باهر وبحضور الوكالات الدولية المهتمة بالمدينة على الصفحات والمواقع الرسمية للمدينة، أفاجأ بوجود هذه العريضة بعد ساعات قليلة من خبر إنهاء المشروع ونجاحه مع العلم أن لدي تفويضا رسميا من رئيس المجلس.

وكنت فخورة وسعيدة لتمثيل البلدية في عدة محافل محلية ودولية، وهذا دليل على أن السيدة الليبية قادرة على القيادة والتمثيل السياسي بشكل فاعل في مراكز صنع القرار. فالتعليم الجيد واكتساب المهارات والخبرات العملية تضفي أهمية أكثر على المرأة وتزيد من أسهمها في الترشح أيضا لدورات أخرى، ومن شأنها أن تتغير فيها النظرة النمطية إلى المرأة من عدم قدرتها على القيادة وتحمل المسؤولية وأن تكتسب ثقة الجميع بها من أعضاء ومواطنين.

في بداية عالام 2018 تم تقلدي منصب عميد بلدية «مكلف لمدة شهر»، لم يكن من السهل، فالمدينة كانت تحت حكم أكبر تنظيم إرهابي لمدة عامين متتاليين. وواجهت الرفض المباشر من عدة توجهات دينية داخل المدينة، ولكن بحكم القانون مارست حقي وكانت نقلة كبيرة لي، ومن التجارب الرائعة التي أفتخر بها. الجدير بالذكر أن المجلس البلدي تم انتخابه في العام 2014 ولكنه باشر أعماله بشكل رسمي بعد تحرير المدينة في بداية 2017. 

الإيجابي في كل هذا دعم والدي لي بالشكل الكبير جدا وبعض الشخصيات المثقفة والمناصرة للمرأة داخل المدينة، وإشراك شيوخ القبائل في دعمي في حل بعض الأمور التي يستعصي علينا حلها بالشكل القانوني. ولكن من المدهش أن تحل عدة أمور بالشكل الاجتماعي، فهكذا هي المنظومة في المجتمع ذي الطابع القبلي «الجهوي». ومن المفارقات العجيبة فإن السيدة العضوة محمية وتحمل الحصانة من قبل قبيلتها إذا واجهت أي خلاف أو إشكال من أي نوع داخل البلدية، فهي تكون جدا محظوظة إذا كانت تنتمي إلى مكون ذي ثقل كبير. 

الخاتمة: ملخص كل ما أسرد عن مشاركتي في الحكم المحلي أن الوضع الداخلي في الدولة الليبية وما يترتب عليه من استمرارية الطابع الانتقالي السياسي والمؤسسي من شأنه الإبقاء على جميع العوامل التي يجب أن تميز تحديد النموذج الجديد للتنظيم الديمقراطي في ليبيا غير مؤكد، خصوصا في ما يتعلق بالمجالس المحلية. وهذه المعطيات واضحة للغاية عندما نأخد بعين الاعتبار دور المرأة في المجالس المحلية وتمثيلها في المجلس البلدي. إن القوى النسائية بإمكانها أن تمثل التغيير والابتكار على أفضل وجه، رغم أنهن في الغالب يجدن أنفسهن دون مقومات المهارات اللازمة لاكتساب تلك الثقافة السياسية والإدارية، للرفع من جودة التمثيل داخل المؤسسة المحلية بالشكل الأفضل.

التوصيات:
● تعزيز المشاركة النسائية بشكل أكبر في التمثيل السياسي على الصعيد المحلي بنص قانوني واضح، وإعطائهن فرصة أكبر من ناحية التمثيل.
● وضع معايير واضحة للمشاركات في التمثيل في المجالس البلدية للرفع من جودة المشاركة وتحسينها.
● حق في المشاركة السياسية على مستوى الدولة من فض النزاعات وإرساء السلام بموجب تعاملهم المباشر مع القاعدة الشعبية.
● كفالة حق المرأة وحمايتها القانونية من جميع أشكال التعنيف المباشر وغير المباشر في ظل عدم الاستقرار الأمني للدولة. 
● الرفع من قدرات السيدات من الناحية الثقافية الإدارية وكيفية صنع القرار.