Atwasat

«ليبي يفاوض هتلر بشأن شراء أسلحة للسعودية!»

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 18 مارس 2018, 09:11 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تمثل السير (تلك التي يكتبها شخص عن شخص آخر) والسير الذاتية (تلك التي يكتبها المرء عن نفسه) جانبا مهما من تاريخ مجتمع سائر السيرة، مهما اعتورها من اضطراب وعدم دقة، ففي هذا الجانب لا تخلو أعمال المؤرخين المحترفين، هي الأخرى، من اختلال ومجانبة للواقع، لسبب أو آخر.لأننا كثيرا ما نجد في السيرة والسيرة الذاتية تاريخا اجتماعيا وثقافيا وسياسيا لم تطله الكتابة التاريخية المتخصصة.

ومن هنا تنبثق ضرورة الحث على الانخراط في هذا النوع من الكتابة الذي يدخل في مجال السرديات.بالنسبة إلى الحالة الليبية وُجدت، وتوجد، شخصيات عديدة كانت لها أدوار معتبرة في التاريخ الليبي الحديث والمعاصر، لكنها لم تكتب سيرها الذاتية، ولم يتصدَّ أحد لكتابتها عنها، وثمَّ من اختفت كتاباته ووثائقه لأسباب مختلفة.من هؤلاء شخصية ذات خصوصية لافتة، هو خالد القرقني، الذي، للأمانة، أسمع به للمرة الأولى، من خلال المقال التعريفي المهم الذي كتبه قاسم بن خلف الرويس بعنوان «خالد القرقني: مبعوث الملك عبد العزيز إلى هتلر» بمجلة «المجلة العربية» السعودية مارس 2018.

حسب كاتب المقال، فإن اسم خالد القرقني أشير إليه لدى الزركلي والقشاط والسماري*، ويُرجَّح أن اسمه الكامل خالد بن أحمد بن عياد آل هود، وأن أصوله تعود إلى اليمن التي هاجر منها جده إلى تونس، ثم نفي إلى جزيرة قرقنة.

ولد خالد القرقني سنة 1882 في طرابلس - ليبيا لأسرة تجارية معروفة لها مكانتها في إدارة مدينة طرابلس، حيث أن جده علي كان شيخا للمدينة في العهد التركي. درس خالد في مدارس طرابلس وتخرج من المدرسة «الرشيدية» ثم امتهن التجارة.

ليس من شأن هذا المقال تتبع حياة القرقني، لكننا نكتفي بالقول أنه تولى منصب قائمقام لمنطقة «النواحي الأربعة» أواخر العهد العثماني الثاني، وأنه كان من الذين تصدوا للغزو الإيطالي، وبعد معاهدة أوشي وانسحاب تركيا من ليبيا سنة 1912 كان من الذين أيدوا الصلح وانصرف إلى تجارته. يتكلم القرقني، إضافة إلى العربية، الإيطالية والفرنسية والتركية، لذا كان ضمن الوفد الذي أرسل إلى روما بعد مؤتمر غريان سنة 1920، ثم سافر إلى موسكو لحضور «مؤتمر مناهضة الاستعمار» سنة 1921، وينقل صاحب المقال عن القشاط أن القرقني يعد أول عربي يسافر إلى موسكو عام 1917 للتهنئة بالثورة الروسية.

بعدها عاد إلى ميدان القتال ضد الإيطاليين في الجبل الغربي [جبل نفوسة] واضطر إلى التنقل داخل ليبيا هاربا من مطاردة الإيطاليين، إلى أن أرغمته الظروف على اللجوء إلى تركيا حيث حصل على جنسيتها.سنة 1929، أو 1930، وفد إلى الحجاز في أعمال تجارية، ويقال أنه كان شريكا للقنصل الألماني في جدة هاينريش دو هاس (Heinrich de Haas) 1900- 1958 الذي قدم أوراق اعتماده رسميا سنة 1931، وهناك مكنته ظروف معينة من أن يصبح أحد مستشاري الملك عبد العزيز، وكانت من ضمن المهام التي أسندت إليه تكليفه بمهمة مبعوث خاص من قبل الملك إلى ألمانيا حيث قابل الزعيم الألماني هتلر في 17 يونيو 1937 وسلمه رسالة من الملك، ومثَّل الحكومة السعودية في مفاوضاتها مع الحكومة الألمانية لشراء أسلحة، حيث كانت له خبرة في التعامل مع الشركات الألمانية، وكان قد زار ألمانيا من قبل عدة مرات.

وبغض النظر عما أثارته هذه الزيارة من ردود فعل إعلامية، من بينها اتهام القرقني بالولاء للألمان ما اضطره إلى التزام قدر من العزلة أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد كتب القرقني تقريرا عن هذه الزيارة، يتوافق مع التوثيق الألماني لها، يتحدث عن أن اجتماعه مع هتلر بدأ الساعة الثالثة والربع وانتهى بعد الرابعة بقليل.

ويذكر القرقني أنه عندما دخل بيت هتلر الريفي المسمى «وكر النسر»** وجد هتلر يقف بانتظاره. أثناء مراسم التعارف ألقى القرقني كلمته بالعربية أشار فيها إلى أنه يحمل له رسالة جوابية من الملك عبد العزيز وناوله إياها، فاستحسنها هتلر (بعد أن ترجمت له) وتقدم نحوه وصافحه بترحاب شاكرا إياه على كلمته ومؤكدا أنه ليس لألمانيا مطمع في بلاد العرب وأنه شخصيا يحب العرب ويريد أن يكونوا أقوياء ومستقلين. فشكره القرقني، وقال: إننا نرى هذا التصريح مهما جدا. فرد هتلر: نعم. أقول وأكرر أنه ليس لنا مطمع في بلاد العرب، نريد أن تكونوا أقوياء مستقلين.

بعد انتهاء المقابلة الرسمية دعاه هتلر إلى تناول الشاي ودار بينهما حديث طويل حر ركز فيه القرقني على التاريخ الإسلامي في الأندلس خصوصا. وعند انتهاء الجلسة ووداعه لهتلر قال له: إنني إن آسف على شيء لآسف على أنني لم أتعلم اللغة الألمانية لأجل أن أكلمك بها في مثل هذا الموقف الذي سوف لا أنساه. فشكره هتلر على الزيارة والملاطفة وسار معه إلى منتصف القاعة، وصافحه بحرارة مودعا.قد تكون بعض كتابات القرقني ووثائقه موجودة لدى من بقي من أسرته، ومن المؤكد أن وثائق عمله في السعودية موجودة هناك ومحفوظة بشكل رسمي. فهل ينبري واحد من المثقفين أو الأكادميين والباحثين الليبيين فيتجشم عناء البحث والتنقيب ليسجل لنا سيرة هذا الرجل بشكل ضاف؟.

* حسب ما اطلعنا عليه من مقالات قليلة أخرى، وردت الإشارة إلى القرقني أيضا في: كتابي «أعلام ليبيا» و «جهاد الأبطال في طرابلس الغرب» للطاهر الزاوي، و «بعد القرضابية» لخليفة التليسي.** وهو على نفس اسم قلعة "ألموت" التي معناها وكر النسر والتي ارتبطت بالحسن الصباح زعيم من يعرفون بالحشاشين.