Atwasat

سلطة الأمر السوريالي

نجوى بن شتوان الأحد 07 فبراير 2016, 10:28 صباحا
نجوى بن شتوان

كانت فوائد السفر سبعاً والسفر حلم، ثم أصبحت العذابات أكثر من سبعين والسفر كأنه العقاب الأمثل على حلم!.

تذكرتك المحجوزة في وقت سابق وكرت الصعود في يدك وأنت في المطار قبل ساعات من رحلتك، ليس كافياً لتسافر في الوقت المحدد لك وتحتمل ساعتين أو أكثر من فضول وثرثرة الذي بجانبك.

تطير الطائرة بدونك لأن أحدا ما، عشوائيَ الظهور في حياتنا، يفسد كافة الترتيبات ويأخذ مكانك بقوة الوساطة، هذا أكثر من اعتيادي في المطارات الليبية سابقاً وحاضراَ، الانتظار الذي لم يختلف فيه المطار عن طابور الخبز والبنك والوقود.

غالباً تجد اعتراضاتي اعتراضات عليها، أقلها ما وجهه لي موظف في مطار طرابلس.
- أين تظنين نفسك؟ في سويسرا مثلاً!.
- حاشا سويسرا، لكنه موعدي ومكاني وأنا لا أتسول الخدمة، دفعت ثمنها مسبقاً وأخذت تسلسلها النظامي.
- إنهم حجاج يجب أن يذهبوا لآداء فريضة فيما أنت تذهبين لعمل تستطيعين آداءه في أي وقت، ضحوا قليلاً من أجلهم.

تلك عينة من ردود لا ُيلقاها إلا الذين صبروا دون حظ عظيم، أما الدخول في دوامة الشكاوي فغير مجدٍ في كامل تجربتي وصحيح اعتقادي.

في سابقة سريالية كتب الله لي معايشة الطيران بحلف يمين الطلاق، سلطة مبهمة تتحكم في حركة الإقلاع والهبوط، حلف أحد المسيطرين على المطار، يميناً بأن الطائرة لن تقلع فلم تقلع، في مطار آخر حلف آخر بأن طائرة الجهة الفلانية لن تهبط، فلم تهبط!. لا أحد يمكنه تقديم تبرير للجنون سوى أهل المجنون نفسه.

- لماذا ألغيت الرحلة؟.
- أمن المطار حلف يمين طلاق.
- وما علاقة ذلك بست ساعات انتظار وأناس مكدسة فوق بعضها البعض منذ الصباح؟.
- يريدون زيادة مرتباتهم.

كثير من الغضب، من الاحتقان ثم يهدأ الجميع ويسلموا أمرهم لصاحب اليمين، إذ من غير المعقول أن تُطلق زوجته بسبب طائرة!.

إن ذلك غير معقول حقاً لكنه اعتيادي، كلما توجهت للمطار حاولت أن أكون كائنا متفهما للامعقول وألا أتسبب في طلاق نساء بائسات، يختصم أزواجهن مهددين بعضهم بطلاقهن أو إغلاق المطار!.

تتالياً قادت الفوضى المسلحة في ليبيا إلى حرق المطارات وتعطيلها وإصابة كثير من الطائرات بحروق وموت بعضها إلى الأبد، كان على المرء تطوير قدراته من أجل العودة لبيته، دفعت مبلغاً لرجل من الميلشيات المسيطرة على المطار وسرقت كرسي أحدهم، لم يكن ثمة حل آخر وإلا لكنت انتظر دوري حتى يومنا هذا قبل أن تلحق الطائرة بأخواتها فيما صار يعرف بـ(غزوة المطار).

عذابات السفر السبعين ليست حكراً على ليبيا، ففي البلاد العربية الأخرى العذاب نفسه بشيء من التعديلات، اربط الأحزمة لاستجواب من موظف يخوله توجهه الخاص وليس توجه دولته أن يطرح الأسئلة التي يريد، يمسك بجواز السفر ويشرع العذاب واحد وستون.

- لماذا تسافرين دون محرم؟.

- أبي مات وعمري أربع سنوات، زوجي قتل في الحرب، ليس لدي أطفال، ليس عندي أخ من الرضاعة، لم أرضع مع أحدهم، أمي لم ترضع معي ذكراً من خارج العائلة، لدي أخ واحد لكنه لا يستطيع السفر بسبب عمله وعائلته، سفري طويل للدراسة والعمل ، وولي في البلاد التي اتجه إليها هو سفارة بلادي وتمثيلها الدبلوماسي .. الخ.

كل ما يدفعك لتحمل إهانة البحث فيك عن مجرم في أوروبا يقابله البحث فيك عن فريسة في العالم العربي

- لكن سفر المرأة أكثر من 82 كم دون محرم ، حرام.

- من المفترض أنني أعبر مملكة آمنة، 82 كم هي المسافة من بيتنا لمكان عملي، هل يعقل أن يحدد لي ابن تيمية من عصور خلت كيفية ذهابي وإيابي؟ هل من المنطقي أن أركب سيارتي يومياً بمحرم لأذهب لعملي؟ غيروا اجتهاداتكم أو طوروها أو أي مصيبة أخرى.

- أنت تسخرين من الدين هذا ما علمكن إياه التلفزيون والمدارس.

- أنت شخص حسود حقود وتبحث عن مشكلة؟.

فتل لحي وعضلات، تهديد بتعطيل الرحلة، ثم يتدخل البعض، ويستمر الموظف في ممارسة الفضيلة، وكأن شيئاً لم يكن، يحترق المتبقي من أعصابي وينطفئ فيَّ وهج وأصل وجهتي مرهقة.

أقول لجسدي"جهز نفسك" موظفة تتقدم للمس وإعمال يديها بحثاً عما يهدد الأمن القومي ولم يحددوه لنا في قائمة خاصة كي نتحاشى اللمس في كل مكان وكل فتحة، لمزيد من الأمن تضع يدها في حقيبة يدي وتفتش محتوياتها، تبحث عن شيء تأخذه لها بحجة أن وجوده على ظهر الطائرة يشكل خطراً، بلغ الأمر بواحدة، حد فتح مذكرتي الخاصة والقراءة بكل فضول وقح.

لعل أمننا القومي الآن بخير!

في المطارات العربية التقنيات الفنية تتشابه، يسألونك كم تحمل من النقود، ثم أن تريهم النقود بالعين المجردة، ثم من معكِ، ثم البيضة قبل أم الدجاجة، ثم تطل الـ(82 كم) بشكل آو بأخر. ثم الدوران حول شيء لم أفهم ماهو!.

البلاد التي أمر منها أو أقصدها فيها كل أنواع المصائب ولا ينقصها إلا لطف الله بها، غير أن الأمن يكون مدججاً بالأسئلة والفحص، ومسلحاً بأجهزة الكشف عن الأسلحة والمعادن والحقائب وحتى النيات، لم لا؟ مما يجعلني أرتاب حقاً في أن من قاموا بخراب تلك البلد ليسوا مواطنيه بل مخلوقات خارج نطاق إمكانيات أجهزة الكشف، التي تعرف بالدقة ذاتها ما بين المرء وزوجه وما في حقيبتك وقلبك والساعة التي ستخرج فيها روحك!

في مطارات أوروبا تشتد المعاملة، الوضع أكثر سوءاً، الكثير من الاحتياطات الأمنية كلما اجتمع في المسافر أنه عربي ومسلم، يتعدى التفتيش مستندات السفر والثياب، يفتح علب المكياج ويدخل في عمقها، وفي حالات الطوارئ تتدخل الكلاب البوليسية لشمك، دون مفر من صراط العذاب الذي تخلع عنده الساعة وحزام البنطلون والسترة والبوط وغطاء الشعر وماسكته(بالنسبة للمحجبات) تعبره شبه عارٍ، تحمل حذاءك بيدك وتسير حافياً لتستلم من الجهة الثانية حقيبتك ومحتوياتك الالكترونية في بانيو بلاستيك، كذاك المستعمل لجمع فضلات القطط المنزلية.

كل ما يدفعك لتحمل إهانة البحث فيك عن مجرم في أوروبا يقابله البحث فيك عن فريسة في العالم العربي، بالطبع ما لم تكن دبلوماسيا أو رئيس دولة أو بارون أعمال خاصة.

في مطار عربي، سألني موظف جمارك.
- من أين أنتِ؟.
- من ليبيا.
- لكنك جئتِ من روما وتوقفتِ بڤيينا!.
- نعم أنت سألتني من أين أنا وليس من أين رحلتي؟

نظر إلى صورتي في الصفحة الأولى ثم نظر إلى وجهي طويلاً.
سألته: ماذا هناك يستدعي كل هذا النظر؟
- لا تبدين أنتِ التي في الجواز!.
- ماذا؟
- هذه ممتلئة وأنتِ لا!.
-الجواز صدر منذ أربع سنوات، ألا يحتمل أن أكون قد فقدت وزناً وقيمة بين المطارات أو أصبت بالسكري؟
- هل تعنين أنكِ كنت سمينة.
- كلا أعني ما قلت.
- كم كيلو فقدتِ؟ بجراحة أو بدونها؟.
- ماذا هل هذا ضمن إجراءات التأشيرة؟.

وانتهى الحوار بمشادة وتدخل ضابط جمارك آخر لملم الوضع قائلاً:
- سيدتي نتمنى لكِ إقامة طيبة بيننا وامسحيها بوجهي.

التقنية نفسها تتكرر، من حلف اليمين إلى المسح بالوجه، أشخاص جعلوا المطارات تشبههم، والسفر قطعة من العذاب، يتمتعون بحماية غريبة، لن أقول مسح وجه أو يمين غليظة، فتلكم باتت مسلمات، ربما سنطالب منظمة(إيكاوا ) بإقرارها لفرط واقعيتها.